> علي المجنوني

الحكايات الخرافية من أكثر أنواع الأدب شيوعاً، وتنبع أهميتها من كونها تتضمَّن ما يمكن وصفه تجاوزاً حقائقَ عالمية وقيماً اجتماعية محلية في الوقت نفسه. كما أنها موجَّهة في الغالب إلى فئة عمرية مهمة وهي فئة الأطفال، رغم أن أكثرها لم يكن مقصوداً للأطفال في الأساس كما يقول الباحثون. واستحالت عبر الزمن أعمالاً كلاسيكية تشكّل مصدراً ثرياً من مصادر المعرفة، ينقل في جزء منه ماضياً جمعياً نتعرَّف إليه من خلال الحكمة والتجربة الإنسانية التي تنطوي عليها تلك الحكايات. وليس بمستغرب أن تجد أصولُ تلك الحكايات طريقها إلى كثير من أدب العالم المعاصر وأفلامه، حتى إن كثيراً مما يُكتب ويُنتج سينمائياً اليوم هو إعادة كتابة لتلك الحكايات المذهلة بشكل أو بآخر.

من أبرز أدوار الحكايات الخرافية توجيه الصغار إلى ما هو مقبول من العادات والسلوكيات والقيم الاجتماعية والأخلاقية على السواء، حتى عدّ بعضهم الهدف الرئيس من الحكايات الخرافية تكوين مؤسسة تربوية تغرس في الصغار قيماً مجتمعية معينة، خاصة قبل أن تتولى المدرسة الجزء الأكبر من هذا الدور. ولأن أكثر الحكايات الخرافية تدور حول أميرات، اشتملت قصصها على فتيات مطيعات تتربص الشرور والأخطار المحدقة بهن، حالما يحِدْن عن الطريق المختار لهن.

ففي واحدة من أشهر نسخ حكاية سندريلا على سبيل المثال، نسخة الأخوين غريم، تتعرَّض أختا سندريلا لعقاب بشع يتمثل في العمى طوال الحياة، إذ يفقأ الحمامُ عينَيْ كل أخت. وغالباً ما تعرض الحكايات تفاصيل دامية مفصلة عن العقاب القاسي الذي تناله الشخصيات غير المطيعة فيها. تقذف سندريلا بأختها في مرجل من ماء يغلي قبل أن يُقطع جسدها ويخلّل ويرسل إلى أمها لكي تأكله مع الطعام من دون علمها. هذه القسوة في العقاب تهدف إلى تنشئة الفتيات على العفة والتواضع والاحترام من أجل إعدادهن للمستقبل الذي يتمحور حول الزواج وما يترتب عليه من مهام منزلية. وعلى هذا الأساس، ترمي الحكايات إلى تعزيز القيم المذكورة أعلاه في الفتاة وضمان التزامها بالأدوار الاجتماعية النمطية الموصوفة لها، بدءاً بمظهرها الجميل المعتنى به وانتهاءً بخدمة الزوج المستقبلي والخضوع له.

ذات الرداء الأحمر
لعل خير مثال على هذا الدور الحكاية الكلاسيكية المعروفة باسم "ذات الرداء الأحمر" أو "ذات القبعة الحمراء"، وهي أكثر حكاية أعيدت كتابتها ورسمها من كتّاب ورسامين في العالم. والسبب أنها أكثر الحكايات الخرافية شهرة وشيوعاً، فقد أعيدت كتابتها مئات المرات بعشرات اللغات لتلائم قرَّاء من فئات عمرية مختلفة، كما جمعت بعض الكتب نماذج من تلك الحكايات لتوضح التباين الذي ظهرت به هذه القصة عبر الثقافات والعصور والمناطق المختلفة. لكن النسخ القديمة من الحكاية أخذت طابعاً تحذيرياً، إذ انطوت في حبكتها على تحذير الفتيات من المتربصين من الذكور السيئين، وبعض النسخ صرّحت بهذا التحذير، إما في متن القصة وإما فيما يحيط به مثل الغلاف وغيره، من الذئاب التي تجيء على هيئة بشر، فغدا لقاء الفتاة مع الذئب في الغابة مواجهة بين البراءة والسذاجة من جهة والخبث والغدر من جهة أخرى. والناتج بطبيعة الحال أن تقع الفتاة الصغيرة وجدّتها ضحيتي عدوان الذئب.

أما اليوم فقد يُنظر إلى الحكاية على أنها مثال لإساءة الطفولة وللقمع غير المبرَّر، فحلّت مكان الفتاة البريئة الساذجة فتاةٌ تملك من الشجاعة والذكاء ما يساعدها على إنقاذ نفسها وجدّتها من مكر الذئب الذي تنجح في ترويضه والنيل منه.

النهايات السعيدة: نقض الأسطورة
واحد من أبرز ملامح الحكايات الخرافية كما نعرفها اليوم النهايات السعيدة التي تنتهي بها تلك الحكايات، حتى غدت عبارة "وعاشا في سعادة أبدية" التي تتكرَّر في نهايات الحكايات، عبارة أيقونية وكأنها حجر الأساس الذي تبنى عليه القصص. وشكلت معلماً راسخاً من معالم أفلام ديزني التي جردت الحكايات من الجوانب البشعة والشرور فيها، وأسبغت على نهاياتها سمة احتفالية مبهجة، بأن جعلتها قصصاً ينتشل فيها الأمراء فتيات بائسات من بؤسهن ليجعلوا منهن أميرات، لكن النهايات السعيدة سعادة محضة لا تعبّر عن مجتمع اليوم. ولهذا السبب أُخذ على النهاية المبتذلة تحديداً انفصامها عن الواقع اليومي المعيشي، واختزالها المنمَّط لحياة أكثر تعقيداً كان يجب على الحكايات أن تعكسه بصدق.

افتتان الصغيرات بأميرات ديزني
مما تقدَّم، يمكننا فهم الأعمال الفوتوغرافية للفنانة الكندية دينا جولدستين، التي ركَّزت على إعادة تصور مستقبل شخصيات الحكايات الخرافية، فقدأنتجت سلسلة من الصور الفوتوغرافية المحرّرة سمتها "أميرات محطمات" لتعيد صياغة نهايات الحكايات الشائعة أو تستكملها. تصوّر السلسلة بحسب كلام الفنانة "شخصيات من الحكايات الخرافية وهن يتعاملن مع مصائب اليوم مثل الفقر والسرطان والإدمان والسُّمْنة وخيبة الأمل". وكأنما تأخذنا إلى نتائج رحلة تقصٍّ قامت بها من أجل معرفة ماذا حصل بأولئك الأميرات السعيدات التي انتهت الحكايات عند سعادتهن الساذجة. لقد وضعت الفنانة في هذه السلسلة الفوتوغرافية شخصيات نعرفها في سياق حديث نعرفه أيضاً، لكن النتيجة كانت مثيرة للاهتمام ومحرضة على التدبّر، لأن الشخصيات المأل