العبارة أعلاه كانت فتوانا الوطنية المُـنقاة من شوائب الطائفية والمذهبية وكولسترول الإسلام السياسي الذي أثبتت المراحل أنه كان كارثة على الدين وعبئا ثقيلاً على الأوطان. فهذه فتوانا التي أطلقها العقل والقلب الوطني بسجيته التلقائية، والتي دافعنا من روحها عن وطننا، وصددنا الغزاة والطامعين طيلة عقود من الزمن حتى قضى الله أمرا كان مفعولا.. فجنوب اليوم - والغد - ليس بحاجة إلى مخلب ديني ينشب بجسده النازف أصلا، ولا بناب قبلي جهوي يُــدمي ظهره وينكئ جراحه الدفينة، وهو الوطن الذي عانى كثيرا من عنف وعنفوان تيار الإسلام المؤدلج وغيرها من التيارات السياسية المتلبسة بثوب الدين والفكر والنظرية منذ مطلع التسعينات، بل ومن قبل ذلك وحتى اللحظة، وظل حتى اليوم يتوجع جرّاءها في مفازة الضياع والتشظي. فالشعوب المقموعة التواقة لنيل حقوقها ومقاومة عسف الطغاة والغاصبين ليست بحاجة إلى محفزات ومنشطات من خارج جسدها، فالوعي الحقوقي المقاوم الكامن في جنباتها كفيلٌ بأن يستنهض الجموع المسحوقة ويبث فيها روح المقاومة والرفض وانتزاع الحقوق.

القوى والشخصيات التي تتقدم صفوف الانتصار القضية الجنوبية ومنها المجلس الانتقالي الجنوبي هي بحاجة إلى بعث رسالة الدولة المدنية للداخل وللخارج، وليس إلى دولة القوى الراديكالية العنيفة بقطبيها الديني والقومي، وبمسيس الحاجة إلى أن لغة تبشّــر لا تنفر، وإلى روح الحياة المدنية المعاصرة الخالية من الترويكا المدمرة للأوطان والمفككة لعرى الشعوب ونسيجها الاجتماعي، تلك الترويكا العنيفة بأضلاعها الثلاثة: الإسلام السياسي وفتاويه الموجهة وهيمنة العسكر، وسطوة القبيلة على قيم الدولة المدنية المنشودة. أقول إن الجنوب اليوم بحاجة إلى قيم ومداميك مدنية تحكمه ويحتكم لها حاضرا ومستقبلاً، بصرف النظر عن شكل الدولة التي سيكون فيها في قادم الأيام، أكانت ضمن دولة مستقلة أو ضمن يمن يُــتفق على شكل البقاء في إطاره.