وعلى مدار أعوام صورت إثيوبيا لمواطنيها وللعالم أن السد سيكون نقطة الإجماع الوحيدة بين الإثيوبيين، لكن الحرب الأخيرة التي شنها الجيش، بأوامر من رئيس الوزراء أبي أحمد، على إقليم تيغراي تقول إن الخلافات الداخلية كبيرة جدا، ولا تقتصر على سد وماء فقط.
وقبل شهر قال أبي: "لن يمنعنا أي زلزال من استكمال بناء السد". واليوم ينصب كامل تركيز أبي على جبهة تحرير تيغراي التي هيمنت على السلطة لثلاثة عقود قبل توليه منصبه في 2018، والتي يتهمها بالسعي لزعزعة حكومته.
وفي خضم حربه على تيغراي، أقال أبي وزير الشؤون الخارجية ورئيس المخابرات وقائد الجيش. وقبل هذه الإقالات، قال الجيش الإثيوبي إنه أجبر على خوض "حرب غير متوقعة وبلا هدف".
ولكن كيف انعكست هذه الحرب على القاهرة، وهي "الخصم" في مفاوضات سد النهضة، والتي اشتكت مرارا من عدم مرونة أثيوبيا في مفاوضات ينظر إليها الشارع على أنها قضية "حياة أو موت".
حذر وترقب
يقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية جمال عبد الجواد إن رد الفعل الشعبي والرسمي المصري تجاه العملية العسكرية التي يشنها الجيش الإثيوبي في تيغراي يتسم بـ"الحذر الشديد والترقب".
وأضاف عبد الجواد لموقع الحرة: "مصر تدرك جيدا أن الموقف حساس جدا في إثيوبيا، وبالتالي هناك حرص على تجنب الظهور بمظهر الاغتباط أو السعادة أو الشماتة فيما يجري هناك".
وبينما لا يخفي مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي "شماتتهم" فيما يحدث في إثيوبيا، يقول مستشار مركز الأهرام إن مصر تدرك أن ظهور علامات رضا على ما يحدث، سيستخدمه الداخل الإثيوبي في صراعاته السياسية، وقد يجعل موقف إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة أكثر تشددا.
وتابع: "مصر تتابع نتائج ما يحدث في تيغراي، لكن هناك إحجام عن إظهار مواقفها".
وكان مراقبون مصريون يعزون التعنت الإثيوبي تجاه مصر فيما يتعلق بسد النهضة، إلى ستار يستغله النظام الحاكم في أديس أبابا لمحاولة رأب الصدع بين المكونات الإثيوبية المختلفة.
ومع وقوع الحرب فعليا، يبدو أن على مصر أن تتهيأ لاستقبال تصعيد أثيوبي آخر بشأن السد وفي هذا الإطار يقول عبد الجواد: "ستؤثر تداعيات حرب تيغراي بالسلب على مفاوضات سد النهضة إذا أظهرت مصر أي ردود فعل غير موضوعية فيما يحدث لكنها دائما تبدو بمظهر حكيم حريص على وضع السلام هناك".
وتخشى مصر والسودان أن يهدد السد، الذي تبلغ استثماراته أربعة مليارات دولار، إمداداتهما من المياه.
وشارك وزير الخارجية المصري سامح شكري، وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، الخميس، في الاجتماع الذي يعقد عبر الفيديو لوزراء الخارجية والري لمصر وإثيوبيا والسودان، في إطار المفاوضات حول ملء وتشغيل سد النهضة.
كسب ثقة إثيوبيا
وفي هذا الإطار، تقول مديرة تحرير صحيفة الأهرام والمتخصصة في الشؤون الإفريقية أسماء الحسيني إن ما يحدث في تيغراي سيضيف مزيدا من التعقيد لملف المفاوضات.
وأوضحت لموقع "الحرة" أن الوضع في إقليم تيغراي سيؤثر على المفاوض الإثيوبي الذي ستتركز أولوياته على الحرب الدائرة في بلده، وكذلك المفاوض السوداني الذي تعاني بلاده من عبء استضافة اللاجئين الإثيوبيين من النزاع هناك.
وفي ظل هذا الموقف، لا تشعر القاهرة بالارتياح لما يحدث في إثيوبيا من صراع، لأنها بلد كبير ومهم ومقر للاتحاد الإفريقي وعدم الاستقرار فيه يدفع ملف السد لحافة لا تبشر بالخير، على حد قول أسماء الحسيني.
وترى الحسيني أن مصر تتعامل مع ملف سد النهضة من مبدأ كسب ثقة إثيوبيا، وليس العكس، وبالتالي تظهر حرصها الدائم على الدعوة إلى حل النزاع.