> تبن «الأيام» هشام عطيري:

يعاني العشرات من المعاقين حركيا في مدينة لحج، من عدم قدراتهم على التأقلم مع الظروف التي خلفتها الحرب على الصعيد الإنساني والاقتصادي والأمني والمعيشي، وهذا الأخير يعد لكثير من المعاقين أشد قسوة، فمشقة البحث عن إمكانية العيش وسط الظروف العصيبة التي يعيشها البلد، أمر بالغ الصعوبة.

فكري عند باب بيته
فكري عند باب بيته

وتختلف أحوال هؤلاء باختلاف أوضاعهم الأسرية في ريف ومدينة لحج، ولكن إن جاز السؤال كيف يعيش الذين فقدوا أسرهم، أو كيف يقاتل معاق الحياة كي يعيل أسرته ونفسه في عمر يعجز فيه الإنسان السليم عن مقاومة الظروف الراهنة التي تتجه يوما تلو الآخر نحو السوء بل الأسوأ.

فكري عبدالله عياش (40 عاما) من ذوي الاحتياجات الخاصة، يقطن وأسرته منزلا طينيا يكاد يهوي نتيجة تضرره من الأمطار التي شهدتها قرية هران ديان بمديرية تبن بلحج خلال الفترة الماضية.

أثناء عودته من السوق إلى بيته
أثناء عودته من السوق إلى بيته

أجبرته الظروف على تحدي الإعاقة الحركية والسعي للبحث عن ما يسد به جوع أسرته، هكذا جمع عزيمته مصرا على خوض تجربة شاقة للغاية تقتضي التنقل بين القرى والأرياف وسط متاعب الطرق والجو الحار، بالإضافة إلى الاضطرار إلى دفع دراجته بسرعة من أجل الوصول مبكرا إلى القرية وبيع الأسماك للأهالي حتى الظهيرة، ثم يعود مسرعا إلى السوق لشراء الغداء وما يلزم البيت.

لحظة ذهابه إلى السوق
لحظة ذهابه إلى السوق

تمضي حياة هذا الأربعيني بصعوبة، ولكنه لا يستسلم. يقول إنه "الأمل الوحيد لأسرته".

يستقظ فكري صباحا متسلحا بالأمل والدعاء خارجا إلى السوق الخاص بالأسماك التي يشتريها، ثم يمضي في بيعها على أهالي القرية واحدة واحدة منحني الظهر.

فكري لحظه بيع السمك لأهالي قريته
فكري لحظه بيع السمك لأهالي قريته

يقول: "أصحو الصباح، وأذهب لأشتري السمك، ثم أرجع لبيعها في القرى فوق دراجة. يوما نكسب ويوما نخسر". ويواصل: "صعب أن أوقف العمل حتى ليوم. لو وقفت سنموت جوعا أنا وأسرتي، لذلك أعمل كل يوم منذ سنوات".

لم يكن فكري يتوقع كل هذا التعثر، ولم يكن يفكر بالأيام التي لا إجازة فيها قبل الحرب التي فاقمت معاناة الناس وغيبت فرص الحياة الآمنة.

فكري فوق دراجته بين أهالي قريته
فكري فوق دراجته بين أهالي قريته

ولم يكن فكري إلا واحدا من عشرات المعاقين حركيا والعاجزين الذين حاولوا التغلب على الحياة التي تثقل كاهلهم يوما بعد يوم.

فكري فوق دراجته
فكري فوق دراجته

يتخذ فكري من هذه المهنة الشاقة في بيع الأسماك لتوفير العائد الزهيد وصرفه على الأسرة، لكن فكري يقول إن دراجته أصبحت مهترئة، ويستطرد: "أبيع السمك على متن دراجتي منذ أكثر من 20 عاما في قرى تبن، بخلاف استخدامها في البيت والسوق"، مشيرا إلى أنها منتهية تماما.

لم يعد لهذا الأربعيني إلا حلم واحد يكمن في شراء دراجة نارية تعينه على مواصلة الحياة وعون أسرته على العيش وتجاوز هذه المرحلة.


يقول فكري إن أسعار السمك التي يأخذها من السوق تكون مناسبة ومقبولة للأهالي، فكثير منهم يعتمد على المرتبات الشهرية، وبعضهم على العمل في الزراعة.

ثم يعبر فكري الجزء السعيد طيلة العقود الأربع التي عاشها: "أسعد كثيرا بالناس في القرى، كلهم يعرفوني جيدا، ويشترون مني كل يوم، وبيننا علاقة ود كبيرة. ألتقي بهم كل صباح. أشعر بالبساطة معهم". كأن فكري لقي روحه في أهالي هذه القرى، حتى أن ملامحه بدت واضحة ومبتهجة، بينما كان يسرد تفاصيل علاقته مع الأهالي في تبن.