> عدن «الأيام» فردوس العلمي:
علي (20 عامًا) شاب مات غرقًا بمنطقة الحسوة التابعة لمدينة الشعب غربي عدن الساحلية جراء السيول التي وصلت من لحج، علي الذي كاد أن يتجاوز العقد الثاني من عمره لم يكن يدرك أن الماء والسياسة بقدر أهميتهما في حياة الناس تكون تكلفتهما قاسية، وبالطبع يختلف منطق الأول عن الأخير، ففي السياسة يجب أن تفقه الجغرافية وتثق بالأقوى، وأما الآخر لا تثق به وإن كنت سبّاحًا ماهرًا.
قبل 10 أيام وصل تدفق السيول من مدينة لحج إلى مدينة الشعب ومنطقة الحسوة بواسطة طريق خاص به يمتد من وديان الوهط ثم جعولة فالحسوة وحتى يصل البحر بفعل الموسم وتأثير إعصار شاهين ليس في لحج فقط وإنما في عموم مدن البلاد، ولكن هذه المرة أثر البناء العشوائي والتوسعة في منطقة الحسوة، الأمر الذي تسبب بأضرار مادية كبيرة إلى جانب وفاة شابين في مقتبل العمر بحسب حديث الأهالي.

وكانت مساجد الحسوة قد حذرت المواطنين من قدوم سيول جارفة إلى الوادي في المنطقة، ودعت الأهالي القاطنين في مجرى السيل إلى مغادرة منازلهم الهشة حفاظًا على حياتهم، في حين كانت السيول قد اتصلت بأطراف المنطقة، ثم انحرفت نتيجة أعمال الحفر إزاء المناطق السكانية المحاذية للطريق الخاص بالسيل.
وما أقسى أن يكون شهر أكتوبر ذكرى ميلاد ووفاة علي أصغر أبناء العائلة بالنسبة للأم والأب في آن واحد، تقول والدة علي "فضلت عدم ذكر اسمها " ليس من السهل تقبل رحيل ابني علي فهو مازال شابًا، كانت لدينا أمنيات نعيشها معًا، وأحلام كثيرة كنا ننوي الوصول إليها بس من يعترض القدر " وتواصل " غرق ابني أمام أعين الجميع وأمام الدفاع المدني بمعداته، ليتهم حاولوا إنقاذه " تتحدث أم علي بصوت مخنوق وحزين.

لم يكن علي الضحية فحسب بل خطف الموت صديقه عاصم (18 عامًا) بينما كان يسعى لإنقاذه في ممر ترابي ووسط سيول جارفة لكنه لم يستطع الوقوف متفرجًا كغيره من العشرات وإنما دفعه ضميره الإنساني وحبه لصديقه للمحاولة والمجازفة بحياته وسط ظروف صعبة لا احتمالات للنجاة فيها فكان ما كان.
تواصل والدة علي سرد لحظات هي الأقسى في حياتها " ابني راح مثل كل الشباب يتفرج على السيل في كل مرة، ولكن هذه المرة كان الأمر أكثر خطورة فغرق ابني وسحبه السيل والموت ثم تستطرد " على الرغم من أن الدفاع المدني كان متواجدًا ولم يكلف نفسه عناء المحاولة كواجب مهني لا إنساني ".
وفي هذا السياق تشير أن الدفاع المدني لم يكن غرضه حماية المدنيين، وإنما كان يعمل لصالح القطاع الخاص والتجار في المنطقة بمقابل مادي وإلا ما تركوا ابني وصديقه للموت "وتضيف " كان ابني بيكمل العشرين بهذا الشهر، ولكنه "ذهب ولم يعد" مشيرة أن الاتهامات متواصلة بحق ابنها بالسرقة وعرقلة سيارات الدفاع " دون تلميح منها لنوع السرقة، وتبدي قلقها حيال الاتهامات والمضايقات التي توجه لأبنائها تزامنًا مع حسرة الفقد والعزاء في إشارة منها لفريق الدفاع المدني الذي كان حاضرًا حينها. وفي الوقت ذاته تطالب بوقف هذا السلوك الخاطئ تجاه عائلتها.
ويرى زين أن مشاهدة الدفاع المدني لموقف طارئ بضمير ميت أمر مخيف، ولا يمكنني تخيل الموقف البتة، أن تظل بإمكانيات متاحة كإنسان تنظر لآخر يلفظ أنفاسه الأخيرة ويستغيث بك لمساعدته من الغرق مؤسف للغاية.
يقول بأنه ترجى الحاضرين بما فيهم الدفاع المدني لمساعدة ابنه لكنهم رفضوا حد تعبيره، لم يكن الصوت وحده قادرًا على تحريك ضمائرهم، الأمر الذي دفعه لرمي الجرافة بالأحجار مبررًا ذلك بإمكانياتهم حتى في رمي حبل أو سلالم لإنقاذه ".
ويتذكر والد علي رد أحد المسؤولين الحاضرين عليه وقساوة اللحظة، دون أن يذكر اسمه، وتحجج سائق الحراثة "الشيول" بانتهاء دوامه" كانوا يحفرون من حولهم لتغيير مجرى السيل، وتسبب الحفر بإغلاق طريق السير، وجعل المياه تتحول وتشكل حفرة ابتلعت ابني وصديقه، تعبت وأنا أصرخ أنقدوا ابني أنقدوا ابني ولم يسمعني أحد ".

"خلي أبتهم يموتوا جملة لن أنساها" هذه الجملة هي الوحيدة التي لم يستوعبها والد علي بينما كان يستغيث الحاضرين لمساعدة ابنه الأصغر والذي خسر حياته باكرًا. حسن صالح، جار الضحية، يؤكد رفض إنقاذهم مشيرًا أن الأهالي لم يطلبوا المستحيل غير غرف التراب من حول الشباب لفتح ممر السيل حتى يقل الماء ونتمكن من إنقاذهم بأنفسنا، لكن لا حياة لمن تنادي، فهم جاؤوا لتغيير مجرى السيل وليس لإنقاذ الأهالي في منطقة الحسوة.
ويشير محامون إلى رفض عملية الإنقاذ للمحتاج مخالفة غير أخلاقية يعاقب عليها القانون، وتؤكد المحامية علاء في حديثها "مهمة هؤلاء "في إشارة منها للدفاع المدني" في درجة أساسية هي مساعدة الناس العاجزين والأسر المنكوبة جراء السيول التي شهدتها المنطقة، وتتساءل لما جاؤوا بالمعدات والإمكانيات ويرفضون استغاثة الناس، كما الأخبار التي تفيد بأنهم غيروا مجرى السيل فهذه في الحقيقة مشكلة أساسية وتضيف "رفض عملية الإنقاذ للمحتاج جريمة يعاقب عليه القانون "
أخ زين الأكبر يقول كنت أنقذ طقمًا غرق في السيل بينما كان أخي يموت أمام أعين المنقذين ولم يتحرك أحد لإنقاذه غير صديقه الذي غرق هو الآخر في حين دفعه ضميره الإنساني للمحاولة. ويواصل الدفاع المدني لم يمنع الأطفال والشباب من السباحة كونهم كانوا مشغولين بتغيير مجرى السيل وعلى إثر ردة فعل غير متزنة وفي لحظة قلق على مصير أخينا رفع أخي السلاح والشباب رموا المعدات بالأحجار لكي يجبروا فريق الدفاع على إنقاذ علي وعاصم.
وأطالب الدولة والمجلس الانتقالي بتشكيل لجنة لمعرفة الحقيقة بدل ما كل يوم الأمن يرسل لنا استدعاءً وأمرًا قهريًا مباشرًا، ويحتج شقيق علي على صدور أمر قهري من أول يوم في حين يجب أن يصدر بعد ثلاث أوامر على الأقل. وأضاف "بعد ما أتموا حرف مسار السيل أخذوا سيارتهم ثم طلعوا تكلفة بالتخريب وطالبين تعوض ".
الشاب علي محمد هو من أخرج جثث الشباب من وسط السيل يقول "اتصلوا بي الساعة إحدى عشرة بأن الشباب غرقوا ورحت وخرجت جثتهم ".
أسامة فيصل حقوقي يقول "لم يقم مأمور المديرية بواجبه تجاه أبناء مديريته، حيث ترك أبناء المديرية يغرقون في السيل ويأمر قوات الإنقاذ بعدم إنقاذهم من الغرق ".
وأضاف " مؤلم جدًا أن يموت شباب بعمر الزهور أمام الناس ولا أحد يبذل أبسط جهد لإنقاذهم وللأسف صارت أرواح الناس رخيصة ".
وأشار فيصل قانون الإجراءات الجزائية يشترط أن يكتب في الاستدعاء اسم المشتكي ونوع الشكوى وسببها وهذا الاستدعاء المقدم للأسرة لا يحتوي على ذلك.