عندما يستهدف الأمن الغذائي للمجتمع فإن صورة العقاب الجماعية هي التي يعمل عليها بهدف تحقيق مآرب سياسية، وهذا النمط العقابي قد يبدو مبتكراً أو جديداً في حجم تجاوزه للقيم الإنسانية وحقوق البشر التي تدعي الهيئات الدولية الدفاع عنها إلا أنها وفق كافة المعطيات يغض الطرف عنها في بلداننا العربية التي مورس فيها هذا السلوك في ظل الأنظمة الشمولية، إلا أنه لم يكن بمستوى ما بلغناه إثر ثورات الربيع العربي المولودة في مهدها، ما مكن بقايا تلك الأنظمة من ممارسة أبشع الصور العقابية بمجتمعاتنا خصوصاً على الصعيد المعيشي، بل التخلي عن مسؤولياتها وتحول معظم رموزها إلى بارونات فساد ومليشيات مسلحة تمارس كل صور النهب والقتل والتدمير تحت مسميات عدة، بل إن مثل تلك السلوكيات لم تعد معيبة ولا هي محط تساؤلات قانونية شريعة الغاب المتوحشة، وأخذت نسقاً حاداً للغاية بعد أن ابتكرت أساليب عقابية مؤلمة بحق السكان الذي رفع غطاء الحماية عنهم حتى من هيئات الأمم التي يفترض أن تدافع عنهم، أما كيف خص الجانب الغذائي بكل ما سلف فعبر تهريب الأموال والضغط باتجاه جعل الحياة تفقد أدنى مقومات العيش الكريم.
هكذا استحكم طوق الحصار على الناس، وهنا أخذ الجوع ما أخذه حتى أنك تسمع عن الأبناء ممن يذهبون إلى مدارسهم ببطون خاوية وحالات الإغماء إثر الجوع، إنه الدمار الماحق الذي وجدنا أنفسنا في سجنه الكبير وسط تجاهل العالم والأشقاء، للأسف هنا شعب تحت سطوة قهر لا توصف وبلاء عظيم ليس في أفقه ما يوحي بإمكانية الحلول ولو من زاوية إنسانية، إنها المجاعة بأنيابها الحادة.