> خيرالله خيرالله
تشير القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون، التي انعقدت في الرياض، إلى وجود ميل في اتجاه استعادة المجلس لدوره الأصلي في ما يتعلّق بتشكيل مظلّة حماية لدول المنطقة كلّها كي يتصدر همّ التنمية ومواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين أولوية لدى الدول الست.
إذا كان همّ ترسيخ الاستقرار وتأكيد أن أمن الخليج واحد العنوان الأساسي للقمّة، فما لا يمكن تجاهله أنّها كانت مناسبة كي يؤكّد مجلس التعاون أن لديه القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالتعاطي مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة. لم يتردّد المجلس في البيان الختامي الصادر عن القمّة في إدانة ممارسات إيران في المنطقة عبر ميليشياتها المذهبيّة. قال في هذا المجال “أدان المجلس الأعلى (القمّة) استمرار إيران في دعم الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، ما يهدد الأمن القومي العربي ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ويعيق عمل التحالف الدولي لمحاربة داعش”.
دخلت القمّة الخليجيّة في تفاصيل العلاقة مع إيران وطالبت الدول الست بأن تكون طرفا في أيّ اتفاق في شأن ملفّها النووي. في الأصل، تأسّس مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة في أبوظبي في مايو 1981 من أجل توفير حماية جماعيّة للدول الستّ من آثار الحرب العراقيّة – الإيرانيّة التي استمرت بين 1980 و1988. لعب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرجل صاحب الرؤية الاستثنائية دورا كبيرا في ولادة مجلس التعاون. كان الهمّ الدائم لدول الخليج ألّا تتأثر بتلك الحرب خصوصا أنّ إيران عملت، وقتذاك، كلّ ما تستطيع من أجل توسيع إطارها. استطاعت الدبلوماسية الكويتيّة لاحقا بفضل أمير الدولة الشيخ جابر الأحمد ووزير الخارجيّة الشيخ صُباح الأحمد (الأمير لاحقا)، إقناع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي برفع علميهما على الناقلات الكويتية في مياه الخليج بعدما بدأت إيران بمهاجمتها…
تجاوزت الجرأة في الموقف الخليجي موضوع إيران. امتدت الجرأة إلى شمال أفريقيا حيث يمارس النظام الجزائري عدوانيّة موصوفة في تعاطيه مع المغرب. كانت الرسالة الخليجية إلى النظام الجزائري في غاية الوضوح وذلك بتشديدها على “مغربيّة الصحراء” من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة أخرى. قال البيان “أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها، مشيدا بقرار مجلس الأمن 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر - تشرين الأول 2021 بشأن الصحراء المغربية”.
في طبيعة الحال، كانت هناك فقرة مخصصة للأردن الذي هو امتداد للأمن الخليجي. جاء في تلك الفقرة “أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمية، ووجّه بتكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمية”.
كشفت دول مجلس التعاون، بين ما كشفته في البيان الختامي الصادر عن قمّة الرياض العجز اللبناني. أبدت مدى حرصها على لبنان، لكنّها أبدت في الوقت ذاته مدى اليأس من لبنان في ضوء وقوعه تحت هيمنة “حزب الله”، أي إيران. قال البيان الختامي للقمّة “أكد المجلس الأعلى تضامنه الثابت مع الشعب اللبناني الشقيق لتحقيق كل ما من شأنه أن يحفظ للبنان أمنه واستقراره، ودعوة الأطراف اللبنانية لتحمّل المسؤولية الوطنية، لتحقق الأمن والاستقرار والتنمية، كما عبّر المجلس الأعلى عن أسفه لاستمرار التصريحات المسيئة تجاه دول مجلس التعاون وشعوبها، ما يتنافى مع عمق العلاقات التاريخية الأخوية بين لبنان ودول المجلس”. وطالب المجلس الأعلى لبنان بـ”اتخاذ كلّ الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على مؤسساته كافة، ومنع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية”.
لم ينس الخليجيون سوريا ومأساتها. واضح أن هناك إجماعا على ضرورة الحلّ السياسي، استنادا إلى مبادئ مؤتمر جنيف الرقم 1 والقرار 2254 الذي يدعو إلى مرحلة انتقالية. لكنّ هناك قلقا واضحا من ممارسات إيران عبر “رفض أي محاولات لإحداث تغييرات ديموغرافيّة في سوريا”. كذلك كان لافتا غياب أي إشارة إلى روسيا. ليس سرّا من يحدث مثل هذه التغييرات. ليس سرّا أيضا أن مجلس التعاون قلق على سوريا، بسبب إيران، مثلما هو قلق على العراق حيث أدان محاولة الاغتيال التي تعرّض لها مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء في السابع من تشرين الثاني – نوفمبر الماضي.
من فلسطين، وتأكيد حقّ الفلسطينيين بدولة، إلى اليمن… إلى عدد الصواريخ التي أطلقها الحوثيون في اتجاه المملكة العربيّة السعودية، وعددها 423، لا لبس في موقف مجلس التعاون. فقد ورد في البيان الختامي “الحق المشروع لقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن في اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة وتنفيذها للتعامل مع هذه الأعمال العدائية والإرهابية، وضرورة منع تهريب الأسلحة إلى هذه الميليشيات (الحوثيّة)، ما يشكل تهديدا لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر”. أشاد البيان بـ”كفاءة قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي في اعتراض تلك الصواريخ والطائرات، والتصدي لها، والتي بلغت أكثر من 423 صاروخا باليستيا، و834 طائرة مسيّرة مفخخة، و98 زورقا مفخخا”.
حصيلة قمّة الرياض السداسيّة أنّ مجلس التعاون استطاع تطوير نفسه على الرغم من كلّ ما واجهه داخليا. تبدو هذه القمّة خطوة في الاتجاه الصحيح وفي تأكيد أن أمن الخليج كلّ لا يتجزّأ.