معركة غرناطة

كان المسلمون في غاية الضعف، وعزم النصارى بقيادة (دون بترا) ومعه 25 ملكا على استئصالهم من الأندلس نهائيًّا، فزار (دون بترا) البابا في روما، ليبارك لهم في حربهم على المسلمين. ثم حشد جمعًا عظيمًا من بلاد إسبانيا كلها، وعلم المسلمون الذين انحصروا في مقاطعة غرناطة بهذا الحشد الكبير فطلبوا المدد من المغرب من المرني حاكم فاس، فلم يُلَبِّ طلبَهم، فاعتصموا بالله وصمموا على المقاومة.

 وقدِم العدو بجحافله إلى غرناطة يحمل معه آلات الحصار، تُسانِد قواتِه البريةَ قواتٌ بحرية للسيطرة على ثغور غرناطة وقَطْع الإمدادات من طريق البحر، فخرج المسلمون إليهم بقيادة عثمان بن أبي العلاء ومعه الغالب بالله أبو الوليد بن الأحمر، واختار خمسة آلاف فارس من الشجعان، فلما شاهدهم الإفرنج عجِبوا من إقدامهم مع قلَّتهم لحرب تلك الجيوش، والتقى الفريقان في 20 ربيع الأول من عام 719هـ  ودارت معركة حامية انتصر المسلمون فيها، فرَّ هذا الجيش الجرار والمسلمون في إثره لمدة ثلاثة أيام، وخرج أهل غرناطة يساعدون جيشَهم ويحملون الغنائم ويُقيِّدون الأسرى، وكان من نتائج هذه المعركة مقتلُ قائد الإسبان (دون بترا)، وأُسِرت زوجته وأولاده، أما عدد القتلى، وكان من نتيجة هذه المعركة أيضًا استرداد جبل الفتح وما حوله من المدن.

معركة المرية (بركة الصقر)

أراد الملك النصراني خايمي أراجون الثاني القضاء على ممالك المسلمين المتبقية بالأندلس، فقصد مدينة المرية، وهي مدينة بحرية تقع إلى الجنوب الشرقي من غرناطة وحشد أكثرَ من مائة ألف مقاتِل، إضافة إلى ثلاثمائة سفينة، ونزل عند بركة الصقر سنة 709هـ ، ثم دار يتفحص الأسوار ليُحدِّد مكان الهجوم.

 وفي الحال أمر أبو مَدين قائد الجيش للمسلمين بإزالة كلِّ المباني خارج الأسوار ليعد ساحة مكشوفة حول المدينة، ثم هُوجِمت المدينة فصمد أهلها، ودافعوا عنها واستماتوا في ذلك، وبالمقابل تَكالَب الإفرنجُ عليها فلم يُفلِحوا.

جانب من أسوار المرية
جانب من أسوار المرية

وفي اليوم التالي وصل مددٌ إلى المرية في مائة وخمسين فارسًا، فاستطاعوا اختراق حصار الأعداء بعد معركة حامية، ودخلوا البلد سالمين لم يقتل منهم أحد، ثم أحدق النصارى بالبلد من كل جانب، وكان الرعب أولًا قد سيطر على أهل المرية، لكن بعد المناوشات ثبتت قلوبهم على القتال، فأصبحوا كالأسود الضواري ولم يعبؤوا بهذا الحشد، وصاروا هم المبادرين . وفي اليوم الثامن من نزول الجيش أقبل العدو براياته وجنوده من قِبَل باب بجاية، ودافع المسلمون هناك بأشد المدافعة، فانسحب، ثم أقبل جيش المسلمين من جهة غرناطة لفكِّ الحصار فقاتلهم العدو فعادوا.

 وفي هذه الأثناء خرج أهل المرية إلى مستودعات النصارى وعادوا سالمين، ثم دفع النصارى أبراجًا على عجلات ليصعدوا منها إلى أسوار المرية، فدافع المسلمون وثبَتوا فوق الأسوار وأحرقوا الأبراج، وكبدوا المهاجمين خسائرَ فادحة، وعاد جيش غرناطة لمهاجمة العدو وفكِّ الحصار، وشَنُّوا هجماتٍ على أطراف الجيش فأثَّرت فيه، كما أعدُّوا الكمائن لقوافل التموين والإمدادات، فكانوا يوقعون بها ويغنَمونها.

 ثم عاد جيش غرناطة بقيادة عثمان بن أبي العلاء، فالتقى مع جيش العدو، فكانت الدائرة على النصارى، لكنهم لم يَفُكوا الحصارَ، واحتال قائد النصارى فأرسل فِرْقة ليلًا لتعود نهارًا بلباس المسلمين فيفتح لها أهل المرية الأبواب ظنًّا منهم أنها مدد لهم، وركب جيش الإفرنج متظاهرًا بقتالهم تاركًا الخيام دون حراسة، وقد أعدَّ الكمائن اللازمة وعمل على استدراج أهل المرية، وفعلًا خرَجوا لكنهم قبل الوصول إلى الكمائن توجهوا إلى الخيام التي على الجبل من الناحية الأخرى عن غير قصد، لكنها إرادة الله، فظن الإفرنج أن المسلمين اكتشفوا الكمائن وفطنوا للمكيدة فخرج الإفرنج من كمائنهم، فرآهم المسلمون ودخلوا البلدة وتصدَّى حَمَلة السهام لردِّ المعتدين وحماية المسلمين، وساعدوا مَن تأخر منهم بالحبال والسلالم، وبطلت حيلة الإفرنج.

 وقاتل العدو من جهة البحر فأخفقوا أيضًا، وعاد جيش غرناطة لمواصلة هجومه على أطراف الجيش، وكلما التحم جيش غرناطة مع الإفرنج يخرج أهل المرية لنهب الخيام، وفي هذه المرة أحرَقوها، فترك النصارى القتال وعادوا لإطفاء الحرائق وحاول النصارى أخذَ البلد من جهة الجبل، فتداعى الناس فهبُّوا، وفي فترة وجيزة امتلأت الأسوار بالمدافعين، وخرجت طائفة من المسلمين فقلبوا السلالم وقتلوا مَن كان عليها ثم عادوا للبلدة، كما أحدثت المجانيق فتحة في السور ودار عليها صراع عنيف، لكن المسلمين لم يُمكِّنوهم من دخول البلدة، وبعد خمسة شهور رحل قائد النصارى بعد أن فقد تسعين ألفًا من جنوده، وكثيرًا من الخسائر المادية الأخرى.