غزوة بدر (ج2)


عندما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتنظيم الجيش، أعطى اللواء للصحابي الجليل مصعب رضي الله عنه، وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي، وكان من السبّاقين لدخول الإسلام، وهو من أوائل المهاجرين مع النبي إلى المدينة، وقد قال ابن عبد البر -رحمه الله- في كتابه الاستيعاب: "لم يختلف أهل السير أن راية رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم أحد كانت بيد مصعب بْن عمير".
أقام رسول الله في بدر ثلاثة أيّام بعد انتهاء المعركة، وذلك لدفن الشهداء، والقضاء على أيّة محاولة يُمكن أن تصدر عن المُنهَزِمين، وليأخذ الجيش مقدارًا كافيًا من الراحة، كان عدد المسلمين الذين استُشهِدوا في المعركة أربعة عشر رجلًا، ستّة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، أمّا قتلى المشركين فقد بلغ عددهم سبعين رجلًا ،وكان أبو جهل واحدًا منهم، فقد قتله شابّان من الأنصار، هما معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح وكان ممّن قُتِل من قادة قريش أيضًا أميّة بن خلف الذي قتله بلال بن رباح، لما عاناه من أشدّ أنواع العذاب وأقساه في مكّة على يديه ، وقد انتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين، وخسارة فادحة للمشركين.
ولا بُدّ من الإشارة أوّلًا إلى أنّه لم يُؤذَن لرسول الله بالقتال إلّا بعد صبرٍ طويل على أذى قريش من سخرية، وافتراء، وتآمر على قتله، فكان لا بُدّ من القضاء على الباطل؛ ليَتخلّص المسلمون من أذاهم، وليتمكّنوا من نشر دعوة الإسلام، وقد كان لهذه المعركة الكثير من الدروس، والعِبر، ومنها أن الروح المعنويّة العالية للجيش، وسُموّ الغاية من القتال من أهمّ الأسباب التي لها الأثر البالغ في تحقيق النصر، فالعدد والعُدّة وحدهما لا يُمكنهما ضمان ذلك. يجب على القائد عدم إجبار جيشه على خوض المعارك، بل محاورتهم، والاستماع إليهم. يجب على القائد أن يتقبّل حرص جنوده على حياته، فبقاء القائد حيًّا يَدعَم نجاح المعركة. يُؤيّد الله عباده المؤمنين في معاركهم بجُند من عنده، يحرص الداعية المسلم على هداية أعدائه، ويُفسح لهم المجال بذلك، وهذا ما رجاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقبول الفدية من الأسرى. يتلخّص مما سبق أنّ رفع عزائم الجيش

جامع العريش وبني في موقع التعريشة التي أقامها الصحابة للنبي ليراقب معركة بدر من موقع مرتفع
ومعنوياته، ومشاورتهم في أمور المعركة، والأخذ بالأسباب وإعداد العدّة، والتوكل على الله -سبحانه؛ كلّ ذلك من أعظم أسباب نصر المسلمين. سبب تسمية غزوة بدر بهذا الاسم سُمِّيَت الغزوة بهذا الاسم، نسبة إلى المكان الذي حصلت فيه، وبدر بئر مشهورة تقع بين مكّة والمدينة،أمّا تسمية البئر بهذا الاسم فهي تعود إلى أحد السببَين الآتيين: نسبة إلى البدر الذي كان يُرى فيها، لصفاء مائها. نسبة إلى الرجل الذي حفرها، وسَكَن حولها، وهو بدر بن يخلد بن النضر. كان عدد المسلمين في غزوة بدر 313 رجلًا، وقيل كان عددهم نحو 314 أو 317 رجلًا، وورد في صحيح مسلم أن عددهم كان 319 رجلًا، وكان فيهم من الأوس 61 رجلًا، ومن الخزرج 170 رجلًا، أما الباقي من المهاجرين، أما المشركين فقد كان عددهم نحو 1000 مقاتل. أول من استشهد من الأنصار بغزوة بدر هو حارثة بن سراقة وكان أول شهيد ارتقى يومها رغم صغر سنه، ويرجع نسبه إلى ابن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، وأمه هي الربيع بنت النضر، وعمه أنس بن مالك رضي الله عنه.

نصب كتب عليه أسماء شهداء بدر في موقع الغزوة