> خيرالله خيرالله
من المفيد التوقف عند ما يحدث في العراق، خصوصا في ضوء نجاحه، النسبي طبعا، في تنظيم دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم. المفيد أكثر التوقف عند ردّ فعل إيران المشوب بالتوتر على تسمية "الخليج العربي" بدل "الفارسي" للدورة التي أجريت للمرّة الخامسة والعشرين واستضافتها البصرة.
يبدو أنّه لم يعد مسموحا للعراق الكلام عن "الخليج العربي" بعدما سلمته إدارة جورج بوش الابن على صحن من فضّة إلى إيران. من الواضح أنّ رئيس الوزراء العراقي محمّد شيّاع السوداني ارتكب خطأ كبيرا في حقّ إيران وما تطمح إليه عبر مشروعها التوسّعي. أراد القول، بكلّ بساطة، إنّ العراق هو العراق وإيران هي إيران.
في النهاية لم يأخذ هذا المشروع الإيراني بعدا جديدا واسعا إلّا بعد سقوط العراق الذي خاض حربا مع إيران استمرت ثماني سنوات وانتهت بشبه انتصار عراقي. احتُسب ذلك انتصارا شخصيا لصدّام حسين الذي لم يعرف كيفية التصرّف بعد تحقيقه لشبه ذلك الانتصار.
كشفت دورة كأس الخليج أنّ ليس في الإمكان الاستخفاف برئيس الوزراء محمّد شياع السوداني وأنّ الرجل يمتلك شخصية خاصة به. صحيح أنّه كان مرشّح الإطار التنسيقي لموقع رئيس الوزراء، لكنّ الصحيح أيضا أنّه وضع مسافة بينه وبين نوري المالكي الرجل الأقوى في الإطار التنسيقي.
إذا وضعنا جانبا وجود عدد من الوزراء، الذين لا يمتلكون كفاءة تذكر في الحكومة العراقيّة التي شكلها السوداني، لا يمكن تجاهل المواقف الأخيرة للرجل. لا يمكن تجاهل كلام السوداني في شأن ما يخص العلاقات العربيّة للعراق والترابط بينه وبين دول الخليج خصوصا. كذلك، لا يمكن تجاهل كلام رئيس الوزراء العراقي عن العلاقة مع الولايات المتحدة والموقف الذي اتخذه من الوجود العسكري الأميركي في العراق. يتعارض هذا الموقف تعارضا كلّيا مع مواقف السياسيين المحسوبين على إيران في العراق.
المؤسف أنّ المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لم يأخذوا هذه المعطيات في الاعتبار. شنّ هؤلاء حربهم العراقيّة التي أسفرت عن زلزال ما زالت تعاني منه المنطقة كلّها إلى يومنا هذا بعدما صارت إيران ممثلة بميليشياتها المذهبيّة في العراق وفي قلب بغداد.
الأهمّ من ذلك كلّه، كيفية التعاطي مع موضوع عراقي داخلي في غاية الأهمّية. يتمثل هذا الموضوع في التراجع الذي طرأ على المجتمع العراقي على كلّ المستويات، بدءا بمستوى التعليم وانتهاء بالسلوك الحضاري للفرد مرورا بدور المرأة ودرجة الانفتاح على كلّ ما هو حضاري في العالم. كان مستوى التعليم في العراق مفخرة البلد واستمرّ كذلك حتى بعد إطاحة النظام الملكي…
هل يستطيع محمّد شياع السوداني إصلاح الخلل في التوازن الإقليمي الذي تسببت به الولايات المتحدة التي كانت وراء عودة الميليشيات العراقية التي قاتلت مع الإيرانيين إلى بغداد؟ لا شكّ أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لعب دورا في جعل العراق يستعيد حدّا أدنى من التوازن داخليا وإقليميا. لكن ذلك لا يبدو كافيا في ضوء تراكم الأزمات العراقية على كلّ صعيد وفي كلّ مجال، بما في ذلك النقص في المياه الذي باتت تعاني منه بلاد الرافدين. نعم، إن بلاد الرافدين تتصحّر يوميا!
العرب