قيل في نسب يونس عليه السلام: هو يونس بن متّى، ثمّ يتصل نسبه بنسل بنيامين شقيق يوسف عليه السلام، بُعث يونس -عليه السلام- إلى نينوى، في العراق، إلى قومٍ انتشر الشرك بينهم؛ فكانوا يعبدون الأصنام، فأوحى إليهم يونس وأرشدهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، إلا أنّهم كذّبوه، وكفروا برسالته، وأصرّوا على عبادة أصنامهم وأوثانهم، وكان من بينها صنم أكبر يُدعى: عشتار، وقد قيل: إنّ دعوة يونس -عليه السلام- لقومه استمرت ثلاثا وثلاثين سنة، إلّا أنّه لم يؤمن معه سوى رجلين، ولذلك شعر يونس - عليه السلام - باليأس من قومه، فتركهم وخرج من بلدتهم.
* قصة يونس "عليه السلام"
لمّا خرج يونس - عليه السلام - من نينوى، أقبل على قومٍ وركب معهم سفينتهم، فلمّا أن وصلت بهم جميعا إلى عُرض البحر، تمايلت السفينة واضطربت واهتزّت، فلم يجدوا سبيلا للخلاص إلى أن يلقوا بأحدهم في البحر؛ تخفيفا للحمل، فاقترعوا على من يُلقي بنفسه في البحر، فخرج سهم يونس عليه السلام، فلمّا التمسوا فيه الخير والصلاح، لم يحبّذوا أن يُلقي بنفسه في البحر، فأعادوا القرعة ثلاث مرّات، وكان يخرج سهم يونس - عليه السلام - في كلّ مرّة، فلم يجد يونس - عليه السلام - إلّا أن يلقي نفسه في البحر، وظنّ أنّ الله -تعالى- سيُنجيه من الغرق، وبالفعل فقد أقبل إليه حوت أرسله الله -تعالى- فالتقمه.
* عودة يونس "عليه السلام"
بعد ذلك عاد إلى نينوى حيث قومه، فوجدهم مؤمنين بالله -تعالى- موحّدين، فمكث معهم حينا من الدهر، وهم على حال الصلاح والتقى، حيث قال الله تعالى: ((وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ*فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ))،ثمّ حين عادوا إلى ضلالهم وكفرهم مجدّداً نزل فيهم عذاب الله -تعالى- فأخذهم جميعاً، ودمّر مدينتهم، فأصبحوا عبرةً لمن خلفهم، وقيل بعد ذلك في وفاة يونس -عليه السلام- أنّه دُفن قبل ساحل صيدا.
* فوائد من قصة يونس "عليه السلام"
هناك العديد من الفوائد التي يُمكن أن يستخلصها الدّاعية لله -تعالى- من قصة دعوة يونس -عليه السلام- لقومه، منها:
حيث قال الله تعالى: ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ))،ففي هذا إشارة أنّه كان على يونس - عليه السلام - ألّا يستعجل فيترك قومه لوحدهم، بل أن يبقى معهم، مُذكّراً، موجّهاً لأبعد حدّ، ولا ينتظر منهم القبول، والإيمان بسرعةٍ.
فخروج يونس - عليه السلام - من قومه كان غضباً عليهم، وعلى حالهم، وعدم نزول العذاب الموعود فيهم، وظنّه كذلك أنّ الله -تعالى- سيعطيه فُسحة من المجال؛ ليدعو أقواما آخرين طالما أنّ قومه لم يأخذوا بكلامه، ولم يستجيبوا له، لكنّ الله -تعالى- أراد شيئا مختلفا وهو الهداية المتأخّرة لقومه نفسهم.
فالصبر مفتاح الفرج، وهو طريق تحقيق الغايات التي تأخّر ظهورها، والداعي إلى الله -تعالى- عليه أن يكون صبوراً في دعوته، فالناس تخاف وتتوجس من التغيير، وتكسل عن العبادات فتتأخّر، فعلى المسلم الداعية إلى ربّه -عزّ وجلّ- أن يكون صبوراً، طويل النفس؛ ليصل إلى غايته العظيمة.
الاستمساك بصيغة التسبيح الواردة في قصة يونس عليه السلام، وهي: ((لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ))،فهي جامعة، شاملة للتوحيد، والتسبيح، والاعتراف بفضل الله -تعالى- على العبد، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((دَعْوةُ ذي النُّونِ إذ دَعا وهو في بطْنِ الحُوتِ: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ لم يَدْعُ بها رجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيءٍ إلا اسْتجاب اللهُ لَهُ)).