أجس النبض لا غير، لمعرفة ترمومتر الحالة الشعبوية العاطفية للناس، عندما أرد قارورة الماء المسماة (الجنوب) ولأسباب خاصة تتعلق بي، وبصوت مسموع لصاحب البقالة ومن بجانبي، أعطني غير الجنوب! وهنا يتدخل من كان بجانبي - إذا كان جنوبيا - طبعا - مدافعا عن الجنوب حتى وإن كانت قارورة ماء، فاحمد الله.

هذا المزاج العاطفي ممزوج قطعا بتاريخ من النضال والشهداء والدماء والجرحى والدموع ، لابد من أن يستنهض؛ وبدرجة عالية من الوعي السياسي والمعرفي الذي يضع الهدف ويرسم الخطوات اللاحقة للوصول إليه.

بناء الدولة/الحلم (الجنوب) ، يصطدم بمأساوية وضع اقتصادي واجتماعي معيشي منذر بالسوء. لم يتزحزح هذا الوضع بانفراجة تعيد التوازن إلى حياة الناس مذ التحرير قبل ثماني سنوات.

الجنوبيون يتلقون بصدور عارية شواظ وتبعات حرب الجيل الرابع في الكهرباء انهيار العملة والمياه والغلاء ناهيك عن تدهور قطاع الصحة والتعليم والأمن ..إلخ.

وبما أننا وصفناها بأنها حرب جيل رابع، فمعناه: إبقاء المواطن في سباق ماراثوني مع لقمة العيش والخدمات وما يبقيه بالكاد حيا، ليقبل - والعياذ بالله - وفي نهاية المطاف بقوة سياسية إحلالية جديدة مهما كان شكلها أو لونها أو عقيدتها بما أنها توفر مقومات الحياة الكريمة بكل يسر وسلاسة وكرامة.

لقد قطع الجنوب بقواه الحية وعلى رأسها المجلس الانتقالي مسافة الشوط كاملا ولم يبق إلا من يكمل الشوط بهدف الفوز.

وكانت خطواته الجريئة مؤخرا بلم شتات القوى والمكونات الجنوبية إشعاع نور في نهاية النفق.

على الرغم من قناعتي أن الأمر لم يكن مثاليا مائة بالمائة - ولن يكون أي عمل سياسي بهذه النسبة - ولذلك؛ فلا يجب أن نقف حيث انتهت الاحتفالات وإعلان الهيئات والمسؤوليات، بل يجب تحديد هوية الهيئات واللجان والتكوينات على أنها تشكيلات طليعية تلتحم بالمواطنين وتسعى إلى حل الأزمات وإبعادها عن النسق البيروقراطي الوظيفي بمتطلبات الوظيفة والمرتب والذي لم يخل منه حتى الانتقالي في الفترة الماضية.

فالوضع الآن - وقد قطعنا المسافة الصعبة - بحاجة لمزيد من الانفتاح على الآخر الجنوبي وخاصة فئة الشباب، و الاستماع بنَفَس طويل إلى كل ما يفكرون فيه مهما كان التباين في الآراء حادا، طالما أن القاسم المشترك بيننا جميعا هو (الجنوب).

وأن عملا جماهيريا تلاحميا يجب أن يبدأ الآن لمساعدة القيادات وعلى رأسها الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي لإصلاح ما فاتنا في السنوات الثمان العجاف باتجاه استعادة الوطن المفقود، وتشجيعه بأن يتم ما بدأه من إعادة الهيكلة في الانتقالي، ووقف التآكل الشعبي نتيجة للأوضاع المعيشية السيئة - وهذا هو الأخطر في العملية برمتها - وأن نتجاوز حالة سيزيف حامل الصخرة في الأسطورة القديمة الذي يبدأ صعوده للجبل صباحا حاملا الصخرة وعندما يقترب من القمة يكون المساء قد حل فيعود أدراجه إلى الأسفل ليبدأ رحلته من جديد صباح اليوم التالي.

أدرك أن هناك بُعدا خارجيا في كل ما قلت ولكنه ليس قدرا سماويا، فمن خلال تثبيت وقوفنا على الأرض بالعمل لصالح الشعب وإخراجه من أزماته المتلاحقة فإننا نكون قد استندنا إلى الشعب الذي لا تقهر إرادته كما تخبرنا التجارب التاريخية.