إن الحديث عن الإعلام العربي هو بالضرورة حديث عن واقع المجتمع العربي وملامحه التي تتبادل التأثير والتأثر وتؤدي مجتمعه بإعلامنا العربي إلى وضعه الحالي، قبل وبعد الثورات العربية المجتمعية الحديثة أو ما أُطلق عنها بـ "ثورات الربيع العربي " وهو الوضع المعقد والملتبس إزاء واقعه وإزاء نفسه أيضا! حيث إنه بحاجة إلى الدعم وشيء من هامش الحرية، وعدد من الكوادر البشرية إلى جانب ارتباط ذلك بالتنمية الشاملة.

فالحديث مثلا عن "حرية الإعلام" بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي - الذي وضع كثيرا من الوسائل الإعلامية رهن سطوة الأجهزة الأمنية أو ما تسمى في بعض الدول العربية "بوزارة الإعلام" - التي جعلت كأنها وزارة للإعدام في جعل وسائل الإعلام مطاردا أو محكوم عليه بـ "الصمت " أو "المواربة" أو "الضيق والتضايق والمضايقة".

فالعلاقة بين الإعلام والأمن الاستخباراتي والمعلوماتي ودوائره تبدو واضحة في المجتمعات العربية! حيث يمكننا أن نقول إن كثيرا من المجتمعات العربية - "بأعلامها الرسمي " - يرزخ تحت أنظمة حكم شمولية تغيب وتستبعد أيا من المشاركات الشعبية وتحيد أي دور لمؤسسات المجتمع المدني، فهل يمكننا بعد ذلك أن نسأل عن حرية الإعلام؟

كما وأن مسألة الكادر الإعلامي المتخصص في البلاد العربية يكاد يكون معدوما!! ويكاد الإعلام في مجتمعنا العربي يكون مهنة من لا مهنة له، ناهيك عن ضعف كبير في مخرجات التعليم العالي ( الجامعي) في التخصصات الإعلامية وخاصة في الجانب العملي من متطلبات ممارسة المهنة، ويمكننا أن نقول بإن وزراء الإعلام العرب يجتمعون دوريا، وهناك اتحاد للإذاعات العربية والفضائيات الرسمية الحكومية!، مع ذلك ليست هناك استراتيجية إعلامية واحدة، بل هناك تفاوت في التوجهات من بلد عربي لآخر!، و ربما داخل البلد الواحد بين مؤسسة وأخرى، لنجد أنفسنا برغم كثرة الفضائيات العربية، فإن حضور وسائط الإعلام التفاعلي الأخرى "كالإنترنت" ووسائطه وبرامجه وغيرها لايزال محدودا، رغم تأثيراته الأخيرة وانتشاره أثناء تفاعلات ثورات "الربيع العربي " وبعدها!! وأما الصحافة فعوائقها قائمة في كل بلد كانتشار الأمية الأبجدية والحضارية والتقنية فضلا عن ضيق هامش حرية التعبير وغياب الرؤية والسياسة التحريرية الواضحة، مما يشوش ويعيق إيصال الرسالة الإعلامية على الوجه الأكمل!

وإذا ما عرجنا إلى قضية التنمية الشاملة في المجتمع وعلاقتها بالإعلام (كواحد من فصول الرسالة كدراسة أكاديمية قد تعتمد أحيانا على إحصائيات دولية أو إقليمية معينة، وتقيس بذلك معيار وحجم الفجوة التعليمية والدخل القومي الفكري لسكان البلاد والدول العربية)، نجد أنفسنا أمام "هذه الأرقام متفاوتة بين كل فترة وأخرى، لكنها كنسب واضحة ودلالات إحصائية يمكنا المقارنة والمقاربة فيها بين فترة وأخرى".

حوالي (68) مليون عربي على الأقل أميون أمية أبجدية و(8) ملايين طفل يتسربون من المدارس سنويا منهم (5) ملايين فتاة في سن الدراسة، ولدينا (236) مليون عربي تحت خط الفقر (83 % من مجموع السكان) وتقريبا نكتشف أن مجموع ما ترجمه العرب منذ عصر المأمون (العباسي) حتى اليوم لا يعادل ما تترجمه (أسبانيا) في عام واحد!

ومعظم بلادنا العربية تفتقد الحرية الإعلامية، كما وأن مسألة الدعم المادي والمعنوي للإعلام العربي تكاد تكون مبعثة لليأس، حيث وإن تمويل الإعلام مكلف جدا ولا يستطيعه إلا القطاع العام في أضيق حدوده أو مجموعة صغيرة جدا من رجال الأعمال، وسواء كان التمويل حكوميا أو خاصا "فإن الممول يفرض أجندته ومحاذيره على حساب مهنية واستقلال وموضوعية الوسائل والأنظمة الإعلامية وأهمية وضع الخطط الاستراتيجية وتحديد أهدافها ومراحلها المزمنة وقضاياها، ومفهوم أن تغييب هذه الشروط يلغي وجود الإعلام أصلا، كما وأن ضعف سوق الإعلان العربي يجعل من ارتباط الإعلام العربي بالقطاع العربي الحكومي ضرورة لا خيارا (كإعلام سلطة حاكمة في كل قطر عربي يتباهى بإنجازاته ويحافظ على مكانته أمام مواطنيه وأمام العالم بصور مختلفة).

وتكتمل "الصورة الإعلامية للإعلام العربي" في ضعفه وتفككه رغم القاسم المشترك الأوحد لديه وهو ( اللغة العربية)، التي لازالت مغيبة إلا في النشرات الرئيسية أو في بعض الأحيان، هذه الصورة المأساوية عن تفكك الإعلام العربي وضعفه واختلافه حتى في تركيبه أدائه، حيث لا شئ يجمع بين الإعلام في الدول العربية سوى وجود "وزارات للإعلام" وهذه الوزارات عبارة عن حقائب وزارية، وزراء يجتمعون ولا يتفقون وإذا أتفقوا اعتمدوا مبلغا هزيلا لدعم إعلامهم الذي لا يساوي مبلغ أجر ثلاثة مذيعين عالميين ( أي خمسة ملايين دولار !) أو ما يدفع لحملة انتخابية إعلامية واحدة في البلاد الغربية، وهم في أفضل الحالات يتفقون على كبت الحريات الإعلامية والحد من الفضائيات المعارضة في كلا من بلدهم على الآخر!!

- فمثلا بسيطا في نفس السياق - الإعلام في داخل (الخليج العربي) رغم وجود مجلس التعاون الخليجي والذي أفرز اتحاد إذاعات وتلفزيون دول الخليج العربي والذي لديه مؤسساته المشتركة إلا أنه ظل مختلف وغير متفق حتى في تركيبته! (فالإعلام السعودي مختلف شكلا وأداء عن مثيله الكويتي، كذلك الحال مع الإعلام القطري الذي يغني موالًا بعيدًا عن اللهجة الخليجية بالمرة)!! فيأتي بقناة (الجزيرة) الإخبارية مثلا لتتناول أخبار العالم العربي وتحلله وأخبار الدنيا ولم تنتقد قط حالة من حالات السياسة في دولة قطر! فقط نشاهدها ونسمعها بأنها من "الدوحة / قطر"!! كذلك هو الحال في الإعلام المصري، الذي بدأ يأخذ مناحي كثيرة مختلفة ومختلطة بعد ثورة "25 يناير" ولم يستقر بصورته الطبيعية مع زيادة القنوات المصرية وتنوع فضائياتها، كذلك في الصحافة (الإذاعية) المسموعة والمقروءة!! وكذلك الحال في الإعلام العربي لدول عدة مثل الأردن والمغرب وتونس وليبيا والسودان ولبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن، ومنها الدول التي لها (وضعها الاستثنائي اليوم في الحرب القائمة فيها، والتي أكلت الأخضر واليابس كما يقال!

ولا زلنا نعلق فشلنا في كثير من الأمور ومنها - إعلامنا العربي - بواقعه وطموحاته وأماله بأنه إعلاما ولد مأزوما منذ بداية المشروع الصهيوني، ولن تقوم لنا قائمة إعلاميا إلا إذا تخلينا عن (الدعاية الكاذبة)، وخرجنا من الخنادق الإعلامية الضيقة وكففنا عن سد المنافذ أمام أي إصلاح إعلامي، لنكتشف أسوأ الأمور فين، حينما نعلم أن الإعلام هو انعكاس للمستوى الفكري والاجتماعي والثقافي للأمة التي تنتجه!! وإعلامنا يصورنا أننا أمة من الرعاع لا حول لنا ولا طول!!

يرسم الغرب لنا سياساتنا ويستغل ثروات شعوبنا ويشعل الفتنة والحرب فينا! (ونحن حقيقة ضحايا بعضنا بعضا، وفقدنا الأمل في الإصلاح أو في أن نشكل رقما في الصراع العربي - الإسرائيلي (حتى في الكلام والإعلام ومسميات ألفاظه) لأن كل أفاق (كاذب) أو خارج عن القانون صار يستخدم "القضية الفلسطينية ذريعة".

فالإعلام العربي اليوم يقف أمام تحديات الآمال والطموحات لصناعة خاصة هي الصناعة الإعلامية الاتصالية التي لا زلنا نجهل مفاتيحها الأساسية في صناعة "المعلومة" وفي "السيطرة على التقنيات الحديثة والاستفادة منها بشكل أمثل" وفوق هذا وذاك هو "احتلال الفضاء الإعلامي" ولو حيزا ينافس الأخرين !، أو يثبت للعالم بأن هناك "أمة عربية مسلمة" لها كيانها في الوجود والفكر والاقتصاد والسياسة والحياة الإنسانية ولها إمكانيات الريادة في المستقبل في حكر الرسالة الإعلامية وصناعتها بين دول العالم قاطبة!