> «الأيام» القسم السياسي:

  • الشرعية عاجزة عن إدارة الجنوب والعودة إلى الشمال.. والانتقالي والحوثيون يتصدران المشهد
  • السعودية أبقت اليمن في وضع ضعيف حتى لا يهدد حدودها الجنوبية
  • الوقت قد حان للتقدم أماما وخلق سلطة حقيقية في اليمن لا تتبع الخارج

> أكد تقرير أصدرته دورية "فورين أفيرز" الأمريكية وأعده أشر أوركابي، الأستاذ المشارك بجامعة هارفاد ومؤلف كتاب "اليمن: ما يجب على كل شخص معرفته"، أن إنهاء الصراع العسكري والسياسي والتدخل الأجنبي في اليمن مرهون بتأسيس قوة جديدة من الجنوب والشمال لقيادة البلاد، موضحا أن حكومة الشرعية اليمنية عجزت عن إدارة الجنوب وفقدت القدرة على العودة إلى الشمال، وفي مقابل ذلك تصدر المشهد السياسي والعسكري المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب وجماعة أنصار الله الحوثيين في الشمال.

واستعرض التقرير خطة للسلام بعيدة النظر وتستلهم من دروس الحرب اليمنية في ستينات القرن الماضي.

وفيما يلي نص التقرير المنشور أمس بصحيفة "القدس العربي" اللندنية:

منذ إبريل يجري الحوثيون مفاوضات مع الحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية، إلا أنهما وجدا صعوبة بالتوصل لاتفاق حول التبادل، علاوة على وقف الحرب التي دمرت البلد وقتلت مئات الآلاف من اليمنيين وأنتجت أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

وينبع عدم التقدم من الطرفين المتحاربين، فالسعودية التي دعمت الحكومة اليمنية تريد إبقاء اليمن في وضع ضعيف حتى لا يهدد حدودها الجنوبية، وبالمقابل يرفض الحوثيون وقف إطلاق النار إلا حالة أوقفت السعودية ومن طرف واحد الحرب وسحبت قواتها وأنهت الحصار الجوي والبحري والتزمت بعملية تعويض طويلة لحكومة الحوثيين. فباختصار، تريد السعودية من الحوثيين التخلي عن السلطة، أما الحوثيون فيريدون من السعودية تقديم البلد إليهم على طبق من الفضة.
  • شرعية مفقودة
إن الموضوع الأهم في الحرب الدائرة في اليمن منذ تسع سنوات هو مسألة "الشرعية" التي يفتقدها الطرفان المتحاربان. وما عليك إلا النظر للطريقة التي يتعامل فيها اليمنيون مع السعودية، ففي إبريل عندما وصل وفد سعودي - عماني إلى صنعاء لعقد محادثات مع الحوثيين، لم يتم استقبالهم كصناع سلام، وبدلا من ذلك صورهم إعلام الحوثيين بالمعتدين في النزاع وتم وصف الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بأنه يتم التلاعب بها من حكومة أجنبية جارة شنت حربا وحشية لخدمة أهدافها.

ولا يحظى الحوثيون بالشرعية نفسها، فمنذ سيطرتهم على السلطة عام 2015 أقاموا حكما ديكتاتوريا اتهم بالقمع الواسع وخرق حقوق الإنسان إلى جانب الفساد المستشري والتمييز المفتوح. وأكثر من هذا، فقد قبل الحوثيون مثل الحكومة اليمنية دعم القوى الأجنبية مثل حزب الله اللبناني وتحديدا دعما من الحكومة الإيرانية، وما يجمع طرفي النزاع الحالي في اليمن هو شيء واحد، أي عدم ترحيب اليمنيين بهما وأنهما أصبحا عالقان مع تحالفات إقليمية.

وفي الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى في تاريخ اليمن يجد البلد نفسه أسيرا لفصائل غير محبوبة وتابعة للقوى الأجنبية، واحتاج الأمر طرفا ثالثا لإخراج البلد من الحرب الأهلية التي تبعت إنشاء الجمهورية في الستينات من القرن الماضي، وهو الذي قام بإنشاء إدارة مستقرة وإنهاء العنف والحصول على الشرعية الشعبية.

ولو أرادت الحكومة الحالية والمتمردون الحوثيون التوصل لتسوية، فعليهما التعلم من الدروس التاريخية للصراعات اليمنية القديمة بستينيات القرن الماضي، وشمل قادة يتمتعون بشرعية في المحادثات بينهما.

ففي عام 1962، عندما أطاح الثوريون اليمنيون بحكم الإمامة الزيدية وأعلنوا عن الجمهورية العربية اليمنية، دولة قومية عربية في الجزء الشمالي من اليمن المعاصر، وجدوا أنفسهم أمام أطراف معارضة من القبائل التي ظلت على ولائها للإمام المعزول، وهي من تدعم الحوثيين اليوم. وعندما لم يكن الثوريون الجدد قادرين على الدفاع عن الدولة الناشئة، ناشدوا مصر التي لبت وأرسلت ثلث قوتها من الطيران و70.000 جندي، حيث وجد جمال عبد الناصر في النزاع فرصة لتعزيز سجله كمدافع عن القومية العربية.

ومن جانبهم، طلب الملكيون الدعم من السعودية التي خافت من دور ناصر المزعزع لاستقرار شبه الجزيرة العربية، ولهذا فتحت لهم حدودها وأمدتهم بالدعم المالي. وبحلول عام 1963 كان قادة اليمن الجدد يكافحون لاحتواء التمرد الذي دعمته السعودية وزاد طلبهم من مصر للمساعدة، وكلما زاد الحضور المصري في اليمن، كلما تآكل الدعم الشعبي للجمهوريين. ولأن المسؤولين المصريين لم يثقوا بالساسة اليمنيين ولا بقادتهم العسكريين تحملوا مسؤولية العمليات العسكرية وإدارة الشؤون المالية للبلد، وبعبارات أخرى، حول المصريون عرض الدعم العسكري الأول إلى ما وصل إلى إدارة استعمارية، وبثمن كارثي بات يؤثر على اقتصاد مصر وموقفها الدبلوماسي في العالم النامي.

وفي الوقت نفسه، كان لدى السعوديين حساباتهم الخاصة حول التورط مع قبائل شمال اليمن، فقد التزموا بسياستهم من البلد التي اتبعوها منذ الثلاثينات في القرن الماضي، حيث كانت الحكومة السعودية مهتمة بمنع انتصار مصري ولكنها لم تكن راغبة بعودة الإمامة نظرا لتاريخها في النزاع مع السعودية. ولهذا اقتصر الدعم السعودي للقبائل من أجل فرض حالة الجمود على ساحة المعركة وليس التأكد من هزيمة المصريين.

ومع استمرار تدخل القوى الخارجية بالبلد آنذاك، شعر اليمنيون بالخيبة من الطرفين اللذين وقعا تحت تأثير القوى الخارجية وانفصلا عن احتياجات اليمنيين. ونتيجة لهذا، وبحلول 1965، ظهرت قوة معارضة متنامية وإن كانت صغيرة عرفت بالقوة الثالثة في داخل الجمهورية اليمنية. وكان أنصارها يريدون زيادة استقلالية اليمن ووقف التدخلات الخارجية في البلد.

وبعد عام دعا ناصر 50 سياسيا بارزا يدعم القوة الثالثة إلى القاهرة للتفاوض حول توقيت انسحاب القوات المصرية من اليمن. وعندما وصل الوفد إلى نادي الضباط في القاهرة جرى اعتقالهم ومنعهم من العودة إلى اليمن. الأمر الذي أدى إلى تحييد معارضة داخلية في صنعاء للجمهورية اليمنية التي تقودها مصر ومنع أي إمكانية لانقلاب تقوم به القوة الثالثة.

وكجزء من الاتفاق المصري - السعودي في الخرطوم بشهر سبتمبر 1967، وافق الطرفان على وقف الأعمال العدائية، وبعد شهر أطلق سراح قادة القوة الثالثة وعادوا إلى صنعاء وأطاحوا بالقيادة المؤيدة لمصر وعينوا القاضي عبد الرحمن الأرياني كرئيس للبلاد.

وبنهاية نوفمبر خرج آخر جندي مصري من اليمن تاركين الجمهورية في يد القوة الثالثة. وبعد خروجه من الحصار الطويل على صنعاء، أعلن الأرياني عن انتصار الجمهورية وتفاوض على تسوية مع قادة الشمال ومنحهم تمثيلا متساويا في مجلس النواب وبقية مؤسسات الدولة. وفي عام 1970 أرسل آخر أئمة اليمن وعائلته الممتدة إلى المنفى أسوة بما حدث للقادة الموالين لمصر عند عودة القوة الثالثة عام 1967. وعليه فقد ولدت جمهورية اليمن الحديثة برئيس متفق عليه على رأسها وبعد خروج القوى الأجنبية وفك ارتباطها بالكامل من البلد.
  • التاريخ يعيد نفسه
وبعد خمسين عاما يواجه اليمن وضعا مشابها لفترة الستينات، ومرة أخرى تقاتل حكومة جمهورية قبل الشمال المعارضة وفي ساحة المعركة، ورغم اختلاف الحلفاء إلا أن كل طرف تدعمه قوة خارجية. ويواجه المتحاربون نفس التحديات التي واجهها من سبقوهم. ومثل الحرب بين الحكومة التي دعمتها مصر والقبائل التي مولتها السعودية، فالحكومة اليمنية الحالية في المنفى والحوثيون في صنعاء لم يستطيعا تحقيق النصر الحاسم ضد بعضهما البعض. وكلاهما متهم بالموالاة للقوة الخارجية ويعاني من مشكلة الشرعية التي لا تدعم قدرتهما على بناء سلام دائم. ورغم ما لديهم من عيوب إلا أن الطرفين هما الوحيدان اللذان تتم دعوتهما لطاولة المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، ولهذا السبب لا يوجد تقدم. وما تم تجاهله من دروس "القوة الثالثة"، أهمية جلب الجماعات التي تمثل مصالح واهتمامات السكان.

وهناك عدة جماعات في اليمن غير مرتبطة بالطرفين ويمكن أن تكون أصواتا مهمة في عملية التحول من الحرب إلى السلم، وفي إبريل 2022 شكلت السعودية مجلسا رئاسيا مكونا من ثمانية أعضاء وضم عددا من الرموز اليمنية البارزة، إلا أن مجلس القيادة الرئاسي فشل في بناء قيادة موحدة، بل زاد من حدة الأزمة بين الفصائل المتنافسة بشأن استمرار سيطرة السعودية على سياسة الجمهورية اليمنية وهي تحاول تأمين خروج يحفظ ماء الوجه.

ومن بين القوى المهمة داخل المجلس، المجلس الجنوبي الانتقالي، ومقارنة بحكومة المنفى يحظى الانتقالي بشرعية أكبر بين اليمنيين، فقد رفض رئيس المجلس عيدروس الزبيدي فكرة سيطرة الحوثيين على مصادر البلاد في الجنوب. وناقش أن الهوية اليمنية يجب ألا تتشكل من صنعاء بل ويجب أن يكون الجنوب ممثلا وأن يكون له الحظ الأكبر من القيادة في البلاد. ومنحت السعودية في العام الماضي عضوية للعيدروس في مجلس القيادة الرئاسي، لكن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يمنح بعد مقعدا على طاولة المفاوضات مع الحوثيين ما جعلها عقيمة عن تقديم الحل.

وهناك مرشح آخر وهو فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت والذي ضم لعضوية المجلس الرئاسي كما يشغل منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي. وظلت محافظة حضرموت الصحراوية واحة استقرار وهدوء في ظل النزاع نظرا لقوة المحافظ والميليشيا المحلية. ونظرا لتجارتهم التاريخية عبر المحيط الهندي، فقد عرف الحضارمة باستقلاليتهم عن صنعاء وأبعدوا أنفسهم عن التنافس السياسي فيها.
  • خلاصة
على أية حال، فلدى اليمن فرصة هامة للاستفادة من الجماعات ذات الحضور الأعلى سياسيا وعسكريا والعثور على شخصية قد تكون مرشح تسوية. وعلى القائد المقبل لليمن وبعد نهاية الحرب إظهار أنه ليس أداة بيد القوى الخارجية التي عليه تحقيق مصالحها.

وعلى السعودية وإيران تحمل المسؤولية في مرحلة ما ومساهمتهما بالأزمة الإنسانية التي قادت لمقتل مئات الآلاف من اليمنيين ودمرت اقتصاد وبنى البلاد، وربما اتخذت التعويضات شكل إعادة إعمار ما دمرته الحرب والذي يحتاجه البلد.

وطالما ظل البلد موزعا بين قوتين ملوثتين بالتبعية الأجنبية، فلن يحصل هذا، وربما جاء الوقت الذي يتوصل فيه المدنيون والمعتدلون والوسطاء أن الوقت قد حان للتقدم أماما وخلق قوة ثالثة.