> استطلاع/ أحمد يسلم
مع انبلاج الصباح كان قرارانا بالتوجه صوب جبل السنيدي موفجة التاريخي، هذا الجبل الأشهر من نار على علم الذي من على قمته جرت تحولات تاريخية، ويطل موفجة على جبل غراب أو (أرراب) الذي قيل أنه معقل علي بن الفضل 303 هجرية، وعن الجبل ذاته تزمل شاعر لحج الأشهر القمندان:
عزب وسلامي ومولى المنصرة
وانته تخبر على بن هرهرة
غارة معي بالجيوش المكبرة
مضينا باتجاه باتيس مرورا بوادي ثنهة، وفي عقبتها تناولنا وجبة الإفطار من الخبز البلدي المرصع بالجلجل، وقطعنا الركب الذي صار سهلا بسرعة غير متوقعة، وصولا إلى امسدارة، وإلى نقيل فلاحة صعودا إلى سرار عاصمة المديرية، حيث أمضينا بعض الوقت، للتزود بالمياه والعصائر وبالتالي التوجه صوب عظمان نقطة الصعود إلى موفجة. أمسك قائد الرحلة أخونا عادل السنيدي مقود سيارته الأنيقة ذات الدفع الرباعي بكلتا يديه، وبدأ يسود الصمت بيننا، وبالصدفة كان مسجل السيارة يشدو بأغنية ساكت ولا كلمة، صابر ولا رحمة، وفي لحظة ممانعة السيارة عن الصعود يلجأ عادل إلى استخدام نظام الدفع الاحتياطي ( السابع ) وصلنا إلى قرية المجزع التي يسكنها آل بن هيثم الكلدي، ومنها تجاوزنا إلى قرية القود حيث يسكنها آل بن عبد الباقي موطن الشاعر الحكيم وقاضي الأحكام العرفية المتمكن الشيخ محمد بن ناصر مجمل -رحمه الله- القائل في قصيدته المشهورة
يقول بن ناصر مجمل ياراسي الليلة تزمل
طاب السمر والهاجس أقبل
وهز فوج السامرية

وفي منعطفات الطريق نلحظ رصف بعضا من مقاطعها بالحجارة المسطحة وهذا مايريحنا ويريح سيارتنا وقائدها، لكن هذا مجرد فاصل، لندخل في مسار من غير رصف يجعلنا نعيد حساباتنا، ونسدي بالنصائح والملاحظات لأخينا عادل، لمطالبته بمزيد من التركيز كون الوضع لايحتمل ليرد بقوله "ربشتوني"
كل هذا عندما ندخل في منعطفات صعبة جرفها السيل ولكن ما إن نمضي حتى يأتي الفرج، بالوصول إلى مقطع مرصوف ينسينا جل مخاوفنا، حيث وصلنا إلى حاجب آل مخير صعودا إلى القرية الجميلة الخشناء التي تبدو على غير معناها، ويسكنها آل بن علي جراش الكلدي الجلادي، ومن معالمها مدرسة حديثة من تسعة فصول مبنيه بالحجر المقصوص وحديد التسليح، يشير مؤشر السيارة إلى أننا أمام الخشناء قطعنا أربعة كيلومترات صعودا، بدأ مسار الطريق الآن يخفف من صعوده إلى بعض الاستواء التدريجي، الذي معناه في عرف الطبوغرافيا حسب دليلنا ورفيق رحلتنا عمنا العميد متقاعد قسرا سعيد أحمد محسن السنيدي أحد أبرز قادة سلاح المدفعية والصواريخ في جيش الجنوب، لاحت الآن قرية جرادة التي يسكنها آل النسري الكلدي، وهيَ على مايبدو تتقاسم أعلى نقاط الارتفاع في جبل موفجة مع قمة عمران، وجرادة تزدان قمتها بأريلات اتصالات شركتي سبأفون وشركة يو M.T.N سابقا، لتغطي دائرة اتصالات واسعة تصل إلى معظم مناطق يافع وأجزاء من لحج وأبين، وبالمناسبة تعد مناطق ومديريات يافع من مناطق الاستثمار الواعدة لشركات الاتصالات بأنواعها.

اعتدل مسار الطريق في شبه استواء وهذا يعني وصولنا، عندها أطلق العميد عبدالناصر السنيدي تنهيدة وزفرة من الأعماق فقال لحظتها نحن الآن في القمة. وهنا صافحتنا نفحات النسيم العليل تشعرنا بالانتعاش ومغادرة مربع القلق ومتاعب الطريق.
استقبلنا أهلنا في عمران والقرى المجاورة بزخات الرصاص والألعاب النارية، وبمجرد نزولنا من السيارة حتى تبدت لنا مناظر بانورامية غاية في الجمال والتنوع والإبهار، تستطيع أن تجول بنظرك بزاوية 360 درجة دون عوائق لترى شرقا شقرة والعرقوب صعودًا إلى مكيراس والظاهر، وشمالًا المفلحي ولبعوس، وغربا لحج والحبيلين والعسكرية، وجنوبًا ساحل أبين والعاصمة عدن.

تناولنا وجبة الغداء الشهية وهناك أمضينا يومين وليلتين في منزل الشقيقين عبدالحكيم نصر أبو صالح السنيدي وشقيقه الشاعر المعروف عبدالفتاح، اللذين احتفلا بزواج نجليهما الشابين الرائعين نصر وبدر عبدالفتاح، وقد أحاطونا وكل ضيوفهم المدعوين ومعهم كل أهلنا في عمران بكرم الضيافة والجود، وهم يغمرونا جميعا بمشاعر نقية فياضة، كنقاوة هواء ونسيم عمران السلسبيل الصافي.
وفي مقيل المساء كان محور حديث و اهتمام الناس هناك ينصب على الإعجاب بخطوة نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي قائد قوات العمالقة أبي زرعة المحرمي بسفلتة 7 كيلو متر جديدة من طريق الحلم باتيس- رصد - لبعوس الاستراتيجي، أملا في تحريك عجلة المشروع إلى الأمام، مع التطرق إلى هموم الوضع السائد وطول المعاناة التي لمسناها من خلال انطفاء محطة كهرباء مديرية سرار، التي تمد مديرية سرار وكل قرى موفجة بالكهرباء.
في صبيحة اليوم التالي كانت لنا فرصة منتظرة، لننطلق في رحلة راجلة لمعرفة مزيد من معالم جبل موفجة، حيث يعد قصر أو حصن المقدم أبرز المعالم اللافتة من خلال موقعه المطل المتميز، إكليلا مرصعا بالوقار والكبرياء والنخوة والشموخ يتوج موفجة.

قدم لنا أهلنا فضل محمد ناصر، الشيخ زيد شائف، الشيخ صالح سعيد، ونجله حمود، يسلم محمد شيخ، محمد حسين الحاج، همام وخالد الجيلاني، وأنيس علوي ناصر مدير مدرسة عمران، التربوي القدير عبدالرحمن حسين، والشيخ حمود فاضل إجابات شافية عن معظم أسئلتنا الفضولية، حيث قالوا لنا إن قصر المقدم (بضم الميم ) بُني قديما كقلعة حصينة، يقي من الخطر والبرد، يتكون من أربعة أدوار، مسقوفة بخشب السدر الصلبة، وبناه أشهر ممتهني حرفة البناء في يافع آل بن صلاح، ويعد معلما بارزا من معالم يافع بلاجدال.
رافقنا أخوتنا وشبابنا فارس وفهد بدر، عبدالعليم علوي، ومحمد جمال وعمر ومحسن الساكت وأخرون إلى مسجد ولي الله الصالح (العراقي سعيد) وهو عبارة عن ضريح قديم جدا، مسقوف بطريقة عجيبة على طريقة العقود الحجرية - طبعا من غير أخشاب- وهذه طريقة مستخدمة في كافة معالم يافع الدينية حتى ماقبل الإسلام ويحيط بالعراقي برك مياه، ومبناه مطلي بالنورة من الخارج والداخل، وبقايا غرفة المحتفلين بيوم 27 رجب من كل عام، إلى ما قبل بضعة سنين، ويتم عادة عند ضريح العراقي ذبح أبقار وأغنام، وبالمناسبة توجد في موفجة قرى ومعالم تحمل ذات الأسماء في حوطة لحج ونواحيها، ومنها مزار الولي العراقي، وبيت الحبيل، والمعزبة وعمران وغيرها، وبيت الحبيل، وامرشح في موفجة مسقط رأس، لقائدين عسكريين شهيرين، يعدان من أبرز قادة القوات المسلحة الجنوبية، هما اللواء محمد علي النمر، الذي عمل قائدا للواء 14 ثم لواء الوحدة ورئيس شعبة في قيادة الأركان العامة، واللواء بدر صالح السنيدي أركان سلاح المدرعات، وقائد اللواء الخامس مدرع إلى عام 1994م -رحمهما الله- وعمران وبيت الحبيل وامصفحة وامرشح والبوال، والمحراس، الحجار، قرى متقاربة يسكنها آل سنيد الجبل ومنهم من سكن سرار، امصدارة، رخمة، رصد، الساحل، ومن قرى موفجة التي رأيناها آل علي، ويسكنها آل علي الفارس ويسكنه الجرادمة، الجيهلي ويسكنه المناصر، والقفل والقفلة لآل السميطي، العلاة، يسكنها آل طالب وال سنيد وال عطية، الشنابك ويسكنها آل عمر والشنابك وال هرهرة وهناك قرى متناثرة باتجاه حبلة لجرور، وصولا إلى سطحان وخيرة التابعتين للمناصرة.

في صبيحة الإثنين كانت قرى موفجة على موعد موكب زفاف العريسين، حيث اعتمد العرس على مراسيم الزواج التقليدية القديمة، من خلال الانطلاق بالزامل والبراعة اليافعية، سيرا على الأقدام وفي قرية جرادة موطن العروسين، كان هناك موكب المستقبلين المماثل إلى أن اختلط الموكبان، ورددا معا زوامل الترحيب، وتجديد الصهارة إلى أن حان موعد زف العروسين بالزغاريد ومباخر الدخون ورشات العطور وإطلاق زخات الرصاص، إلى أماكن معلومة خالية من السكان مصحوبة بالألعاب النارية.
عدنا من جرادة ومعنا أهالي العروسين كتقليد ينم عن المودة والمحبة، ليتناول جميع الحاضرين وجبة الغداء المكونة من اللحوم الدسمة والعصيد المترع بالعسل وسليط السمسم والخبز البلدي.
إشارات سريعة

موفجة جبل يزدان بالمدرجات الزراعية من كافة الاتجاهات ومنتجاته من حبوب الذرة الرفيعة والدخن والدجر، وبقية أصناف الخضار والفواكه والحبوب، تمتاز بالجودة والمذاق العالي.
- منتجات موفجة من الفرسك أو الخوخ، تنافس قديما منتجات مكيراس وتتفوق عليها بالجودة، ولكنها فاكهة منقرضة للأسف، والسبب حشرة المن الأسود العسال الذي قضى على 99 % من أشجار الفرسك المثمرة.

لموفجة حاليا أربع طرق جبلية عظمان - عمران، العلاة - عمران، عمران رخمة، العوارض، رهوة المنقل شقت على نفقة الأهالي، لكنها تتعرض للجرف في مواسم الأمطار.
ومسؤولية الدولة والسلطة المحلية إعداد خطة لرصفها وحمايتها من الانجراف، وبإنجاز أعمال الرصف، سيجعل من موفجة مزارا سياحيا صيفيا من الدرجة الأولى، خاصة لو تم تنفيذ كامل طريق باتيس-رصد -معربان - لبعوس الاستراتيجي.

إطلاق مشروع الحفاظ على المدرجات الزراعية لما يمثله هذا المشروع من الحفاظ على التربة وصيانة تلك المدرجات والحفاظ عليها وتشجيع السكان بعدم الهجرة من الريف إلى المدينة.
هناك تجارب يجريها الأهالي في إنجاح زراعة التفاح والمانجو وكافة أنواع الفواكه تقريبا وبجودة عالية، إضافة إلى زراعة الهيل والشاي والزنجبيل، هذا سيشجع مراكز الأبحاث على إيجاد مشاتل لهذه الأصناف، لإنتاج أصناف تمتاز بجودة عالية جدا.