في بيتنا العدني ذاك المجاور للساحل والبحر والشاطئ والرملة والجبل وقوارب الصيادين وأحياء وحوافي الإنسان والانضباط.. هناك في تلك الضاحية الجبلية البركانية نهلنا أول الدروس عن الأوطان والإنسان والدار والأهل والمدينة والمدنية ومؤسسات الدولة والمدرسة.
كان ذلك قبل أن تأتي إلينا مناهج ومواقع التحرير والربيع والحرية والتلفزة الفضائية، لتعلمنا بأن الوطن هو ذلك الظلام الممتد على مساحات وزوايا الأرض.
عدن أجمل أرض بالمعمورة في نظر كل الذين شربوا من مياهها، واستقروا فيها، وتجاوروا، وتعايشوا، وتحابوا، وتواصوا وتوانسوا، واستأنسوا ببيئة لا تشبهها بيئة في العالم.
كالفتاة الجميلة ذات الخمسة عشر عامًا تفوح منها رائحة الورد والياسمين، وهي تكتسي ثوبها السماوي بلون البحار التي تحتضنها، وهي تركض بعفوية بأقصى سرعة ( الجير السابع ) لا يوقفها حاقد، ولا ثائر بلطجي، ولا منقذ كذاب، ولا كتائب عسكرية، ولا قاطع طريق، فتسير مثل ملكة إلى كل الأمكنة، لترسل رسائل السلام والتسامح، وقبول الأعراق، والأديان، والألوان، والأفكار، وأعياد الفرح.
كان ذلك قبل أن يأتي إليها زعامات الحرية والديمقراطية، ومنظومة العالم الحر، فيقيدونها من رجليها بقفل ( البند السابع.. وعواصف السهم اللامع، وسنين ثمان عجاف، وسقوط واسع) فيقتلعونها ويحولونها إلى بيئة للفناء والهلاك، وزحف مهول من كل الاتجاهات، وتعطيل كل سبل المعيشة الآدمية.
فقط أريد أن أنام، وأستعيد أنفاسي المذبوحة..
مجرد أمنية.