مقدمات المشهد تنبئ بمآلات الانفجار الآتي، فكما تم تلغيم مؤتمر الحوار الوطني اليمني عند نهايته بمقترح الرئيس (الكارثة) عبد ربه منصور هادي وحلفائه جماعة الإخوان. يعود اللغم المتفجر مرة أخرى عبر ذات الأدوات الإخوانية، التي وضعت لغمًا في حضرموت قد يعيد سنوات الحرب إلى المربع الأول.

فمع حالة الحرب واللاحرب الناشئة مع تشكيل مجلس الرئاسة، وإعلان الهدنة مع جماعة الحوثي تحاول القوى الدولية الدفع باتجاه فتح مسار لمفاوضات الحل السياسي، على قاعدة واضحة لوقف الحرب نهائيًا.

في عام 2014 وبعد صياغة مسودة الدستور، صيغت فكرة الأقاليم الستة التي حشرت الحوثيين في إقليم أزال ما جرّ البلاد إلى انقلاب ضرب قواعد اللعبة السياسية كلها، حزب التجمع اليمني للإصلاح كان هو الذي أشار على الرئيس السابق هادي بالفكرة، فلقد تحالف الطرفان نكاية في الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح لتصفية حسابات سياسية سابقة، دفع اليمن والإقليم ثمنها حربًا أعادت البلاد أكثر من نصف قرن إلى الوراء، وها هم جماعة الإخوان يعودون مجددًا عبر ذراعهم في حضرموت ليمرروا لغمًا متفجرًا آخر.

المناكفة السياسية مفهومة بإعلان ما سمي "المجلس الحضرمي الوطني"، ومع ذلك فإن الشكل الإداري لحضرموت غير مفهوم، فلا هو إدارة ذاتية ولا هو حكم محلي واسع الصلاحيات، فما تم إعلانه بعد وضع أحجار حزمة مشاريع خدمية عمومية لا يوجد له إطار قانوني واضح، طبعًا يجري كل هذا في إطار المكايدة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي كان قد وضع ميثاقًا وطنيًا جامعًا امتد لعامين ونصف العام.

والمفارقة أن رئيس المجلس الرئاسي نفسه أعلن عن مباركته وتأييده للخطوات الجنوبية، ثم جاء إلى حضرموت ومنحها إطارًا فضفاضًا بلا ملامح واضحة، معتبرًا إياها نموذجًا سيسعى لاستنساخه في باقي المحافظات.

إخوان حضرموت الذين يحتمون بنفوذ المال والسلطة دخلوا في مشهد سياسي كانوا يلعبون فيه من وراء الكواليس، لقد اعتادوا أن يكونوا حاضرين لحماية ما حصلوا عليه من صفقات كبرى، أبرمت من بعد حرب صيف عام 1994، فهم كانوا وما زالوا شركاء مع القوى التي فرضت سياسة الأمر الواقع، ومكنت لجماعات الإسلام السياسي الاستفادة من ثروات الجنوب، وتوظيفها لمصالح وأجندات ذات ولاءات دينية، متسترة بالأعمال التجارية والجمعيات الخيرية، المشهد مكشوف ولا يحتاج إلى كثير من الجهد للنظر إليه، فهذا الفريق دخل بغباء وبأدوات معروفة وبمشروع يمكن الإشارة إليه دائمًا "اللا مشروع".

الإشكالية منذ سنوات ما زعم أنه "الربيع العربي" أن الجماعة لا تريد أن تغادر مفهومها حول الوطن البديل، الضربات القاسية ضيقت الخيارات أمام الإخوان فلقد كانوا يريدون اليمن كاملًا وفشلوا ثم أرادوا الجنوب ففشلوا، والآن عيونهم على حضرموت أو تفجير الموقف عسكريًا، الاستقواء بالمنطقة العسكرية الأولى، وشيطنة النخبة الحضرمية، محاولة للدفع بالنسيج الحضرمي لنقطة الاشتباك، فهذا خيارهم الذي من الواضح أنه صعب، غير أنه سيظل قائمًا، فالأموال المتدفقة ستعمل على تحقيق هذا الاحتمال ذي الفرصة الضئيلة.

اللغم الحضرمي يبدو أن الانتقالي الجنوبي يتعامل معه بحكمة وانتباه، فالدعوة إلى الحوار -باعتباره مكونًا جنوبيًا- صحيحة ولا شك، ومع ذلك فإن منهجية الاحتواء يجب أن تتوازى بالطلب الصريح من القوى الإقليمية، لتأييد قرار حظر نشاطات جماعة الإخوان، فهذا هو الضامن الأوحد وإلا فإن العواقب لا يمكن احتسابها، فلطالما بقيت هذه الجماعة تعمل، فهي ستكيد المكايد وتفخخ المواقف مرة بعد أخرى، الاحتقان السياسي في بلد اعتاد التنفيس عن أزماته بالقفز إلى الحرب المباشرة، يستدعي كثيرًا من الحكمة البالغة، فما يتشكل من أزمة ستذهب إلى مواجهة لا يمكن أن ينجو منها أحد، ولذلك فإن الأجدر نزع فتيل لغم حضرمي يراد به شر، فهل من حكيم يستجيب ويتقدم بشجاعة لانتزاع اللغم وإنقاذ البلاد والعباد.
"العين الأخبارية"