لي دائما تأكيد لا أسمح لنفسي أن أتجاوزه أبدا، وهو أن تراثنا هو هويتنا وذاكرتنا الجمعية التي تخصنا وحدنا عن باقي المجتمعات الإنسانية، التي تعيش على كوكبنا كوكب الكرة الأرضية، وهي دون أدنى شك ذاكرة وطنية خالصة تنبض بالحياة كأدب شعبي، بطيف ألوان متعدد الفروع والمشارب والغايات، حصيلة ثقافة شعبية متوارثة لا تموت أبدًا.
ومن تعدد ذاك الطيف في أدبنا الشعبي تكون العادات والتقاليد هي العنوان الأبرز، الذي تستضيء به هويتنا الوطنية، وتمنحها استحقاق الزهو والفخر لدى العامة والخاصة على حد سواء، وتمارس علانية وفي وضح النهار بما اكتسبته عبر الأيام من خلال التجربة والخبرة من مظاهر القوة والعنفوان، غير أننا وفي مجتمعنا اللحجي و الجنوبي نجد أن كثيرا من هذه الثقافة الشعبية إما اندثرت تماما وإما أنها قد تراجعت ولفها النسيان، ولهذا أو ذاك العديد من الأسباب التي لا يسمح حيز هذا المقال من تناولها جملة وتفصيلا، وأكتفي بالقول وبمرارة أن السياسة قد كان لها اليد الطولى في ذلك للأسف الشديد.
ومن هذه العادات والتقاليد التي لم تشتهر بها لحجنا الجميلة فقط، بل كان لها حضور في عدن الحبيبة وأعني هنا عادة آخر "ربوع" في صفر، ويقصد بها يوم الأربعاء الأخير من الشهر الهجري صفر. فيا ترى ماهي خلفية هذه المناسبة؟ و بالأحرى ماهي الرواية الشعبية المتوارثة والأكثر تداولا لهكذا عادة وتقليد، شهدتها وعشتها بكل جوارحي في طفولتي وحتى سبعينيات القرن الماضي.
وبعيدا عن أي تفسيرات غارقة في جهالتها والتي يطلع بها علينا نفر من الغوغاء الأدعياء، ممن يحلو لهم تشويه موروثنا الجميل، وما يرمز له في إطار الثقافة الشعبية.
أقول وبحسب رواية كبار السن أن شهر صفر هو الشهر الذي تخرج فيه من مكامنها من يطلق عليهم في لحج وعدن اسم "الجبرت"، فقد كانت جداتنا وقبل المغرب يهرولن إلى الساحات العامة للحارات، محذرات لنا ونحن صغار من الدخول إلى البيوت وعدم البقاء للعب أكثر من ذلك الوقت، لأن ما يسمى بالجبرت سيأتون و يأخذوننا معهم إلى جهة غير معلومة، فلم يكن منا كأطفال صغار ومن الجنسين، إلا أن نسرع في العودة وقد ارتعدت كل فرائصنا من شدة الخوف.
وجبرت شهر صفر حقيقة أكد عليها رحالة فرنسي زار عدن فترة الاحتلال البريطاني لها. وللأسف لم يحضرني اسمه غير أني أذكر أني قرأت ذلك في عدد من أعداد دورية "فنار عدن"، ولا أعرف أين ضاع مني ذلك العدد، ومما قاله ذلك الكاتب عن هؤلاء الجبرت، أنهم مجموعة من المجندين المرتزقة، الذين جلبوا من إحدى الدول الأفريقية المجاورة لعدن، وقد سكنوا أحد الجبال المطلة على ميناء عدن، وأن هؤلاء كانوا يستخدمون من قبل جنرالات الجيش البريطاني لأغراض شتى، ومن بينها ترويع أهالي عدن والمناطق المجاورة، وأيضا يتم حشرهم وسط المساجين على ذمة قضايا مختلفة، بهدف المراقبة، وأيضا تنفيذ ما يصدر لهم من توجيهات بحق أولئك السجناء. كما تسنى لي الاستماع إلى روايات أخرى، تخص أولئك الجبرت، أنهم كانوا يقومون بخطف من يجدونه أمامهم في الخلاء داخل المدينة أو في عدن، وكذلك لحج وإدخاله في شوال من الحجم الكبير، أي عملية اختطاف والذهاب به إلى تلك المنطقة الجبلية، والقيام بأخذ أعضاء من جسده وحفظها في ثلاجات المستعمر الإنجليزي، استعدادا لحدوث أي طارئ لجنودهم، أي جنود الجيش البريطاني، وغيرها من الروايات الشفاهية المشابهة، وبعض منها تم الزيادة عليها بإضفاء الجانب الديني عليها، وهذا له حديث آخر لا تعنيه هذه السطور.
أما ما يعنينا هنا كباحثين في شأننا الثقافي، هو ما جاء في العنوان عن ماهية آخر ربوع في صفر، الذي عشته كحقيقة واقعة، هي احتفالية الأربعاء الأخير من شهر صفر في لحج، وتحديدا في بساتينها التي اشتهرت بها، وفي مقدمتها بساتين الحسيني، إذ كانت العديد من العائلات العدنية تأتي إلى أقاربهم ومعارفهم في لحج، ومن ساعات الصباح الأولى ليكون التجمع والترحال الجماعي إلى الحسيني، لقضاء أجمل وأطيب الأوقات فيه، بغرض الترفيه والتنفيس عن أرواحهم بجلسات وحلقات الطرب والموسيقى، وأداء الرقصات الشعبية وقبلها يكون التحضير الجماعي المشترك لوجبة الغداء، والتي كثيرا ما تكون وجبات غذائية دسمة جدا جدا.
ومن تعدد ذاك الطيف في أدبنا الشعبي تكون العادات والتقاليد هي العنوان الأبرز، الذي تستضيء به هويتنا الوطنية، وتمنحها استحقاق الزهو والفخر لدى العامة والخاصة على حد سواء، وتمارس علانية وفي وضح النهار بما اكتسبته عبر الأيام من خلال التجربة والخبرة من مظاهر القوة والعنفوان، غير أننا وفي مجتمعنا اللحجي و الجنوبي نجد أن كثيرا من هذه الثقافة الشعبية إما اندثرت تماما وإما أنها قد تراجعت ولفها النسيان، ولهذا أو ذاك العديد من الأسباب التي لا يسمح حيز هذا المقال من تناولها جملة وتفصيلا، وأكتفي بالقول وبمرارة أن السياسة قد كان لها اليد الطولى في ذلك للأسف الشديد.
ومن هذه العادات والتقاليد التي لم تشتهر بها لحجنا الجميلة فقط، بل كان لها حضور في عدن الحبيبة وأعني هنا عادة آخر "ربوع" في صفر، ويقصد بها يوم الأربعاء الأخير من الشهر الهجري صفر. فيا ترى ماهي خلفية هذه المناسبة؟ و بالأحرى ماهي الرواية الشعبية المتوارثة والأكثر تداولا لهكذا عادة وتقليد، شهدتها وعشتها بكل جوارحي في طفولتي وحتى سبعينيات القرن الماضي.
وبعيدا عن أي تفسيرات غارقة في جهالتها والتي يطلع بها علينا نفر من الغوغاء الأدعياء، ممن يحلو لهم تشويه موروثنا الجميل، وما يرمز له في إطار الثقافة الشعبية.
أقول وبحسب رواية كبار السن أن شهر صفر هو الشهر الذي تخرج فيه من مكامنها من يطلق عليهم في لحج وعدن اسم "الجبرت"، فقد كانت جداتنا وقبل المغرب يهرولن إلى الساحات العامة للحارات، محذرات لنا ونحن صغار من الدخول إلى البيوت وعدم البقاء للعب أكثر من ذلك الوقت، لأن ما يسمى بالجبرت سيأتون و يأخذوننا معهم إلى جهة غير معلومة، فلم يكن منا كأطفال صغار ومن الجنسين، إلا أن نسرع في العودة وقد ارتعدت كل فرائصنا من شدة الخوف.
وجبرت شهر صفر حقيقة أكد عليها رحالة فرنسي زار عدن فترة الاحتلال البريطاني لها. وللأسف لم يحضرني اسمه غير أني أذكر أني قرأت ذلك في عدد من أعداد دورية "فنار عدن"، ولا أعرف أين ضاع مني ذلك العدد، ومما قاله ذلك الكاتب عن هؤلاء الجبرت، أنهم مجموعة من المجندين المرتزقة، الذين جلبوا من إحدى الدول الأفريقية المجاورة لعدن، وقد سكنوا أحد الجبال المطلة على ميناء عدن، وأن هؤلاء كانوا يستخدمون من قبل جنرالات الجيش البريطاني لأغراض شتى، ومن بينها ترويع أهالي عدن والمناطق المجاورة، وأيضا يتم حشرهم وسط المساجين على ذمة قضايا مختلفة، بهدف المراقبة، وأيضا تنفيذ ما يصدر لهم من توجيهات بحق أولئك السجناء. كما تسنى لي الاستماع إلى روايات أخرى، تخص أولئك الجبرت، أنهم كانوا يقومون بخطف من يجدونه أمامهم في الخلاء داخل المدينة أو في عدن، وكذلك لحج وإدخاله في شوال من الحجم الكبير، أي عملية اختطاف والذهاب به إلى تلك المنطقة الجبلية، والقيام بأخذ أعضاء من جسده وحفظها في ثلاجات المستعمر الإنجليزي، استعدادا لحدوث أي طارئ لجنودهم، أي جنود الجيش البريطاني، وغيرها من الروايات الشفاهية المشابهة، وبعض منها تم الزيادة عليها بإضفاء الجانب الديني عليها، وهذا له حديث آخر لا تعنيه هذه السطور.
أما ما يعنينا هنا كباحثين في شأننا الثقافي، هو ما جاء في العنوان عن ماهية آخر ربوع في صفر، الذي عشته كحقيقة واقعة، هي احتفالية الأربعاء الأخير من شهر صفر في لحج، وتحديدا في بساتينها التي اشتهرت بها، وفي مقدمتها بساتين الحسيني، إذ كانت العديد من العائلات العدنية تأتي إلى أقاربهم ومعارفهم في لحج، ومن ساعات الصباح الأولى ليكون التجمع والترحال الجماعي إلى الحسيني، لقضاء أجمل وأطيب الأوقات فيه، بغرض الترفيه والتنفيس عن أرواحهم بجلسات وحلقات الطرب والموسيقى، وأداء الرقصات الشعبية وقبلها يكون التحضير الجماعي المشترك لوجبة الغداء، والتي كثيرا ما تكون وجبات غذائية دسمة جدا جدا.