> طرابلس «الأيام» بي بي سي:
تتكدس آلاف الجثث في مدينة درنة، بعضها لفظه البحر والبعض أخرج من تحت الأنقاض، وعدد غير معلوم مازال تحت المباني المهدمة بفعل السيول وأخذ في التحلل بفعل الزمن.
لماذا لم تدفن الجثث حتى الآن؟
- نقص في الإمكانيات
تحدثنا إلى الدكتور القويني وقال إن أحد أكبر المشاكل التي تواجههم هي التعرف على هويات أصحاب الجثث.
فهناك نقص كبير في فرق التحليل الجيني التي تأخذ عينات دي-إن-أيه من الجثث حتى يتم التعرف على أصحابها لاحقًا.
وتعاني المستشفيات أيضًا من نقص في عدد ثلاجات حفظ الموتى التي تحتاجها لهذا العدد الهائل من الجثث، بالإضافة إلى نقص في أكياس نقل الجثامين.
- تضرر البنية التحتية
ورغم توافد فرق إنقاذ دولية وتكثيف الجهود، ما زال الوصول إلى من هم تحت الأنقاض، أحياءً كانوا أم أمواتًا، بطيئًا متعثرًا بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للمدينة.
ونظرًا لعدم توفر سيارات مخصصة تكفي عدد الجثث، تنقل غالبًا في عربات عادية لأشخاص متطوعين.

وقد بدأ هذا الازدحام يصعّب مهمة المنقذين والفرق المتخصصة العاملة على انتشال الجثث والناجين من تحت الأنقاض.
- "الاطمئنان" زاد الوضع سوءًا
فوقوع كارثة بهذا الحجم في ليبيا كان صادمًا جغرافيًا، تعتبر ليبيا آمنة نسبيًا من الكوارث الطبيعية.
ولما عصفت "دانيال" بالبلاد وبدأ منسوب المياه في الارتفاع، بدأ السكان في المدينة يراقبون البحر خوفًا من فيضان مياهه على بيوتهم لكن السدود كانت لهم بالمرصاد أيضا.
وإن الطواقم الطبية والصحية غير مدربة لمواجهة مثل هذه الكارثة في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها مئة وعشرين ألفا كانوا يتعاملون مع عدد بسيط من الموتى يوميا ولم يتخيلوا أبدا أن يصلهم هذا العدد في يوم واحد.
وينقل عن مواطنيه وصفهم لما يحدث بالقول إن "درنة قامت قيامتها".
ويقول دكتور الزني، وشهود عيان في درنة إن عسكريين بعرباتهم جرفتهم المياه عندما هبوا للتدخل في البداية. وإن عددا كبيرا مات لعدم وجود فرق إنقاذ متخصصة.
- شروط دينية للدفن وفتوى للتخفيف
أول القواعد الإسراع في دفن الميت إكراما له، ويستوجب الدفن غسلا بطريقة محددة للجثة وتكفينا في قماش جرت العادة أن يكون أبيض، لكن في ظل كارثة بهذا الحجم وأعداد جثث بلغت الآلاف، يتعذر اتباع هذه القواعد.
وقد انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا نداءات تطوع لغسل جثث الموتى، خاصة النساء.
وتحتاج الجثامين أيضا إلى أكفان، وهو في العادة قماش أبيض تلف به الأجساد بعد الغسل ولا يوجد منه ما يكفي آلاف الجثامين الآن في درنة.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم #لا_تنتظروا_الأكفان، يدعو من خلاله الناس إلى دفن موتاهم بدون أكفان.
ويسأل آخرون عن أحكام تسهل شروط غسل موتى الفيضانات.
"إذا نزل الأمر الفظيع وكثر الموتى جدا لا بأس أن يقبروا بغير غسل إذا لم يوجد من يغسلهم".
وعن الأكفان تقول الفتوى دار الإفتاء إنها قد تكون "من القماش أو غيره، جديدًا أو قديمًا، أبيض أو غير ذلك"، وإنه "يجوز عند الضرورة أن يكفن عدد من الأموات في كفن واحد وأن يدفنوا في قبر واحد ولو كانوا رجالا ونساء".
وقد تساعد هذه الفتوى في تخفيف أزمة دفن الجثث التي أخرجت من البحر أو من تحت الأنقاض وعرفت هويات أصحابها، لكن أعدادًا أكبر بكثير تحتاج إلى أكثر من غسل وكفن.
- "تجار الأزمات"
أخبرتني الصحفية الليبية نيفين الهوني، التي فقدت هي أيضًا أفرادًا من عائلتها، أن سعر قماش الكفن في ليبيا وصل إلى مئتي دينار أو أكثر، أي نحو أربعة أضعاف سعره في الأيام العادية.
وتجاوبًا مع هذه النداءات نفذت الشرطة الليبية حملات تفقد لبعض محلات القماش أغلقتها وصادرت محتوياتها.