> صنعاء "الأيام" القدس العربي:
هل وصلت أطراف الحرب في اليمن إلى الاقتناع بضرورة طي صفحتها بعدما صارت «وجع رأس» حد وصف أحد الباحثين، وصار من الضروري وضع حد لتداعياتها غبر المقبولة؟
- لحظة فارقة
يرى رئيس المركز، الباحث ماجد المذحجي، أن المشهد اليمني الآن في لحظة فارقة، وقال «منذ تسع سنوات والبلد يشهد حربًا، وقد كان خلالها اليمن يشهد لهجة عالية في الحديث عن الحسم العسكري، بينما الآن انتقلنا إلى لغة تبشر بالسلام، وبين اللغتين تتجلى الحقائق على الأرض».
واعتبر زيارة الحوثيين الأخيرة للرياض «قفزة كبيرة في مسارات الحديث السياسي عن السلام، أو اختراق إذا صح الوصف لواحد من الخطوط الحُمر الذي وسم العلاقة بين السعودية وصنعاء».
وقال: لطالما كانت هناك زيارات للحوثيين إلى السعودية، لكن لم تكن معلنة، ولم تكن بهذه الصيغة، وهذا الاحتفاء. وما بين زيارة السفير السعودي، محمد آل جابر، إلى صنعاء وزيارة وفد الحوثيين برئاسة محمد عبد السلام إلى الرياض، تشهد نقاشات السلام حراكًا على مسارين: الأول المسار الاقتصادي وتحديدًا الموارد والرواتب، والثاني حول الأولويات السياسية والأمنية وموضوع الحدود».
- انحسار الحرب
هنا يعتقد الباحث في الملف اليمني في مجموعة الأزمات الدولية، أحمد ناجي، أن ما يحصل ليس نهاية الصراع، كما أنه ليس أيضًا لحظة سلام، وقال إن المفاوضات ما بين جماعة «أنصار الله» والسعودية هي عبارة عن مشهد من مشاهد انحسار الحرب طالت لفترة معينة، وكان لمصلحة جميع الأطراف أنها تطول، والذي ساهم في إطالة هذا الجهود هو التوافقات الإقليمية التي حصلت. ولكن من الناحية الأخرى باعتقادي أنها لحظة منحت الجميع رؤية الواقع كما هو. يعني قبل سنة ونصف كان خطاب معظم الأطراف مختلفا كليًا عن الخطاب اليوم. الناس ربما يغضون الطرف على كثير من الاستحقاقات، ولكن في لحظة الهدوء بكل تأكيد هناك أمر آخر مختلف كليًا. النقطة الأخرى لها علاقة بفكرة أنه انهزام، باعتقادي أن هذه الجولة الممتدة لثمان سنوات من الحرب أوجدت حالة من الفشل الذريع لكل الأطراف.
وتابع: كان «أنصار الله» يحاولون السيطرة على كل اليمن، وكانت الحكومة المعترف بها دوليًا تتحدث عن الحسم العسكري، والمجلس الانتقالي الجنوبي يفرض صيغة معينة. لكن كل الأطراف اليوم تجد نفسها في مأزق المعادلات الصفرية، وبالتالي اللحظة التي نشهدها الآن تفرض على الجميع أن يذهبوا إلى مستوى آخر، وهو كيف يمكن أن نصنع تسويات سياسية بالمعنى المنطقي الذي يتناسب مع الواقع الجديد الذي نعيشه والذي أوجدته الحرب؟
واستطرد: عودة للسؤال الرئيسي ما الذي يحدث الآن؟
باعتقادي أنها محاولة لتحسين الوضع ما بين طرفين رئيسيين، هما الطرفان اللذان آلت لهما القوة في توازن الحرب إن صح التعبير، هما المملكة العربية السعودية وحركة الحوثيين، والآن يتركز الحديث على المسائل الإنسانية؛ لأنها الحاجة الحالية، مثلما كنا نقول قبل سنة ونصف هي الدافع الرئيسي الذي جعل كل الأطراف تذهب للهدنة، بما في ذلك، بكل تأكيد، السعودية والإمارات والحوثيين هي الحاجة لتهدئة. الكل أُرهق. الآن الدافع هو نوع من التحسين، يعني السعودية تبحث عن مستوى مختلف من التهدئة، بحيث لا تكون لمدة معينة، بمعنى أن يكون وقف إطلاق نار دائما. بالنسبة للحوثيين يبحثون بكل تأكيد عن الجانب الاقتصادي.
اختم هنا بسؤال: هل يمكن أن تنجح هذه الجولة؟ بقراءة بسيطة جدا لدوافع الأطراف المنخرطة، هناك مؤشرات إيجابية أن الاتفاق حول الجوانب الإنسانية بالذات دفع الرواتب وفتح مطار صنعاء وبقية الأمور الإنسانية قد تتم؛ لأن الحوثيين بحاجة لتخفيف الضغط الموجود. بالنسبة للسعودية هو لمصلحتها أيضا أن توجد صيغة من خلالها تعود إلى المربع التقليدي الخاص بها في التعامل مع الملف اليمني. وبالنسبة للمجلس الرئاسي وكل مكوناته، يبدو لي أن المسألة إعادة تصدير النفط، وإعادة الموارد التي كانت تتدفق للبنك المركزي. يبقى موضوع، كيف يمكن أن تتعامل السعودية مع المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات في حال نتج عن هذه التفاهمات أو المفاوضات اتفاق غير مقبول بالنسبة لهم؟
- وجع رأس
من وجهة نظر الباحث في ملف اليمن والخليج في معهد تشاتام هاوس في لندن، فارع المسلمي، من الصعب قراءة التحولات في اليمن خارج إطار التحولات التي تجري في المنطقة، باعتبار أن الحرب في اليمن في النهاية هي حرب أهلية وحرب إقليمية بالوكالة وحرب بمستويات أخرى، وقال: ما يجري الآن هو أن الاحتدام الإقليمي بمستواه الأوسع المتعلق بالاحتدام السعودي الايراني قد تراجع، وأخذ مستوى معاكس عما كان في السنين الماضية.
وهذا جاء ضمن تفاهمات إقليمية دولية برعاية الصين. وتراجع التنافس الإيراني السعودي انعكس إيجابيًا على اليمن، كما لا يجب أن ننسى أن هناك أولوية مختلفة لمحمد بن سلمان في السعودية متعلقة برؤية 2030 ويوجد هناك ترتيب إقليمي جديد، ومحاولة إعادة ترتيب للبيت الخليجي. وهذا بالتأكيد مرة ثانية ينعكس على اليمن بصفته «وجع رأس» أو هكذا تبدو بعد تسع سنوات من حرب يعتقد الكثيرون أنها- الآن على الأقل- لم تكن من الضروري أن تتم بالأساس، ولكن أعتقد أيضًا في التحول الإقليمي هناك ثغرة، وإن كانت ثغرة إيجابية حصلت أيضًا، أو إطار دبلوماسي سمح بكسر الحاجز الأولي.
واستطرد: السياسة في منطقتنا العربية لا تزال في جزء منها سيكولوجية أو شخصية أكثر مما نحب أو نعتقد أو مما يمكننا على التتبع والتفسير، الحوثيون كانوا قد زاروا الرياض أكثر من مرة في السابق بشكل غير معلن، لكن قدومهم إلى الرياض في إطار ما قد يبدو كأنه محاولة وساطة هو بالأخير يحفظ ماء وجه السعودية، أنا أتحدث عن أن هذه السيكولوجية للأسف لعبت في الواقع دورًا في الاحتدام، وبالنسبة للسعودية تحديدًا لابد أيضًا من الإدراك بشكل غير عاطفي أنها خاضت الحرب في اليمن لأسباب كثيرة ليست ذات الأسباب التي خاض بها اليمنيون الحرب مع الحوثيين. لكن في نفس الوقت صارت السعودية تنظر أن هذه الحرب صارت بالنسبة لها عبئًا وتحديًا على المستقبل الذي تتصوره، لهذا لا يجب التفاجؤ بشكل عام من زهدها في اليمن.
وتابع: أي تفاهمات ستنعكس إيجابًا على حياة الناس بمزيد من الطرقات وفتح مطارات ودفع رواتب، هذا لا يمكن إلا أن يكون جيدا لعموم اليمنيين خاصة بعد تسع سنين من الحرب، وخاصة اليمنيين الذين في الداخل.
- خلاصة