> هشام سرحان:
تتخلص شركات وصيدليات يمنية من أدوية منتهية الصلاحية دون تفعيل البروتوكول الآمن، ما يهدد حياة مَن يجمعونها من الشوارع وقد يعيدون بيعها، في بلد يمرّ بفوضى رقابية، أسفرت عن وفاة 18 طفلًا، جراء دواء للسرطان من تلك النوعية.
- همّ الطفل اليمني محمد عزي، ذو التسعة أعوام، بالتهام أقراص دواء تشبه الحلوى، عثر عليها في حاوية مخلفات، وسط منطقة بير باشا، بمدينة تعز، جنوب غرب البلاد، في الثامن من أكتوبر 2023، قبل أن يباغته صوت زميله الأكبر سنًا، محذرًا من خطورتها، كونهما لا يعرفان مكوناتها، بالإضافة إلى أنها منتهية الصلاحية، كما بدا على العلبة، ليتركها عائدًا إلى البحث عن عبوات بلاستيكية يبيعانها إلى تجار الخردة.
وبعد شهر من تلك الواقعة، عثر أفراد من قسم شرطة الجديري، التابع للحكومة الشرعية في تعز، نهاية ديسمبر 2023 على 2280 باكت من الأدوية المنتهية الصلاحية، تضم 21 صنفًا، بينها دواء الأنسولين، إلى جانب كرتون فياغرا، وكلها محملة على متن شاحنة، بحسب محضر جرد حصل عليه "العربي الجديد"، ويحمل توقيع رئيس شرطة القسم، ومندوب فرع الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في تعز، وتؤكده إفادة الدكتور محمد علي الصوفي، مدير عام الهيئة، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن أفراد الشرطة أوقفوا الشاحنة واحتجزوا السائق، بعدما ساورهم الشك في الحمولة.
فوضى التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية
يجري التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية، عبر رميها في الشوارع وحاويات المخلفات ومجاري السيول، أو وضعها مع نفايات منزلية ينقلها عمال النظافة إلى المكبات، دون الرجوع إلى الجهات المختصة، بحسب ما يوثقه معد التحقيق بالصور، إذ رصد ثلاث عمليات تخلص من أدوية منتهية الصلاحية في مدينة تعز بطريقة غير آمنة، وقعت خلال الفترة بين 8 أكتوبر وحتى 18 نوفمبر 2023، وفي واقعة أخرى جرى التخلص من أدوية منتهية الصلاحية ورميها إلى جوار حوش في منطقة المنصورة بمدينة عدن جنوب البلاد في فبراير 2022، بحسب مصدر في إدارة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة العامة والسكان التابعة للحكومة الشرعية (طلب عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالحديث للإعلام)، مؤكدًا لـ"العربي الجديد" أن معظم عمليات التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية تكون بطريقة عشوائية.
و"يعود سبب التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية بالطرق السابقة، لكونها مهربة، وبالتالي لا يمكن استعادة قيمتها من قبل الشركات المصنعة"، كما يوضح الدكتور أحمد عبده القباطي، مدير دائرة البحوث والإعلام الدوائي في الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في عدن، وبالإضافة إلى ما سبق فإن عدم تنظيم الجرد السنوي عبر برنامج إلكتروني، وضعف الرقابة على شركات الأدوية والمنشآت الصيدلانية من قبل الجهات المختصة يؤدي إلى استسهال شركات الأدوية للتخلص من مخزونها بحسب ما لاحظه الصيدلاني بكيل اليماني، المعيد في كلية 22 مايو للعلوم الطبية والتطبيقية الخاصة بمدينة تعز.
وتلقت الهيئة العليا للأدوية في تعز خمسة بلاغات عن وجود أدوية منتهية الصلاحية في المدينة خلال الفترة من بداية فبراير 2022 وحتى أول يناير 2024، بحسب وثائق حصل عليها "العربي الجديد"، وتشير إلى تورط شركات وتجار جملة في الأمر، ومن بينها مذكرة (رقم 98) موجهة من الدكتور الصوفي إلى شرطة تعز في 17 أغسطس 2022، تفيد "بالعثور على أدوية منتهية أمام مدرسة نعمة رسام في الاجينات (حي وسط مدينة تعز) تخص شركة إخوان بعوم للأدوية والمستلزمات الطبية وهي المرة الثالثة التي تتلقى فيها الهيئة بلاغاً مشابهاً، عن هذه المنشأة غير المرخصة من هيئة الأدوية في تعز".
وفي الثامن عشر من أكتوبر 2023، وجه الدكتور الصوفي، مذكرة (رقم 322) إلى مباحث الأموال العامة في تعز، أفاد فيها بأنه "أبلغ عن وجود أمبولات أمام مطعم العبسي، على طريق الحصب الجامعة جنوب تعز، والصنف الموثق بالصور يتبع شركة سماء النيل الطبية، التي لا يوجد لها فرع في تعز، والتي أشارت إلى وجود موزع سابق لها (مكانه غير معروف) في المدينة، ويجري توزيع أصنافها حالياً من قبل صيدلية النيل في منطقة المسبح وسط تعز".
- لماذا تقع المخالفات؟
بعد تلقي البلاغات حول الأدوية المنتهية الصلاحية يجري جرد الأصناف التي يعثر عليها ملقاة، وجرى التخلص منها بطريقة غير آمنة، وتتشابه مع المخصصة للأصناف الموجودة في المخازن الطبية، والتي يطلب أصحابها من الهيئة العليا للأدوية إتلافها، ويجري تسجليها في محضر، كما يوضح الدكتور الصوفي.
لكن المؤسسات المخالفة لا تلتزم بتلك الإجراءات، وتنكر علاقتها بالأمر، إذ تواصل معد التحقيق مع المدير التنفيذي لشركة إخوان بعوم للأدوية، مرات عدة، عبر "واتساب"، لمنحه حق الرد، على الوقائع الموثقة في تعز، إلا أنه اكتفى بالقول: "ليس لنا أي علاقة بهذا الموضوع"، بينما رد فتحي الشجاع، المسؤول في صيدلية النيل: "لا يمكنني التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية بطريقة غير آمنة، لأنها مقيدة على حسابي، وسيتم تسجيل عجز في حالة رميها. كما أن مكان العثور على الأدوية بعيد عن الصيدلية"، لكنه لا ينفي وقوع تخلص غير آمن من الأدوية المنتهية الصلاحية من قبل جهات أخرى، ويردف بالقول: "هذا السلوك حاصل فعلًا، وسمعنا أن شركات أدوية تلجأ لهذا التصرف، هربًا من ابتزاز الجهات الرسمية التي تفرض مبالغ مالية كبيرة مقابل الإتلاف".
ولا تقل تكاليف إتلاف أقل كمية من الأدوية المنتهية الصلاحية عن 200 ألف ريال يمني (378 دولارًا أميركيًا وفق سعر الصرف في مناطق سيطرة الحوثيين و117 دولارًا بمناطق الحكومة الشرعية)، حسب الصيدلاني محمد آدم (اسم مستعار حتى لا يفقد عمله في صيدلية تقع بوسط العاصمة)، مؤكدًا لـ"العربي الجديد" أن كميات الأدوية التي تنتهي صلاحيتها، وتكون قليلة، يفضل صاحب الشركة أو الصيدلية التخلص منها، من خلال إلقائها في حاويات النفايات، تجنبًا لعمل محضر، ودفع قيمة الإتلاف.
ويخالف ما سبق القرار الإداري رقم 3 لسنة 2014 بشأن اللائحة الضبطية للرقابة والتفتيش الدوائي وإنفاذ الأنظمة، والذي لم ينص على مبالغ محددة للتخلص من الأدوية، إذ جاء في مادته الثالثة والأربعين أن "التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية، أو التالفة، بسبب سوء التخزين، أو المناخ، أو غير المطابقة للمواصفات المعتمدة، عبر الإدارة المختصة بالهيئة، يجري بواسطة لجنة تكلفها الهيئة من الإدارة المختصة، ويكون في عضويتها ممثلون عن نيابة المخالفات، والإدارة العامة لصحة البيئة، ووزارة التجارة والصناعة، وأي جهة أخرى لها علاقة، وبحضور تاجر الأدوية أو من يمثله في المكان المخصص لذلك، وتكون تكاليف الإتلاف على صاحب المنشأة".
أتلفت الهيئة العليا في تعز عشرة أطنان من الأدوية المنتهية الصلاحية إلا أن التخلص من الأدوية بتلك الطريقة "يُمكن النباشين من الوصول إليها في مكبات النفايات، والعمل على بيعها"، بحسب ما ورد في "الآلية الفنية والقانونية للتخلص الآمن والسليم بيئياً وصحياً من المستحضرات الصيدلانية والأدوية المنتهية الصلاحية"، الصادرة عن الإدارة العامة للسلامة الكيميائية والنفايات الخطرة في وزارة المياه والبيئة بصنعاء في ديسمبر 2020، وهو ما يؤكده علي الذبحاني، مدير عام الإدارة، مضيفًا لـ"العربي الجديد" أن "أفضل خيار بيئي لتدمير المستحضرات الصيدلانية والأدوية يجري عبر محرقة مصممة خصيصًا لهذا الغرض، وبدرجة حرارة أعلى من 1200 درجة مئوية، مع آلية مناسبة لتنقية الغازات المنبعثة من الاحتراق من أي عناصر سامة".
وتصنف "الأدوية المنتهية الصلاحية ضمن المخلفات الطبية الخطرة"، حسب دراسة في جغرافية البيئة، أعدها د. محمد مرشد ردمان مدهش، أستاذ مساعد في قسم الجغرافيا بكلية الآداب في جامعة تعز الحكومية، بعنوان "النفايات الطبية في مدينة تعز وأثرها على الإنسان والبيئة".
وتوضح الدراسة التي نُشرت في مجلة العلوم التربوية والدراسات الإنسانية (علمية محكمة تصدر عن جامعة تعز) في مارس 2020، أن "التعامل الخاطئ مع المخلفات الطبية الخطرة قد يؤدي إلى التسمم والإصابات البدنية والجروح، وينقل أمراضًا قاتلة للمصابين".
"العربي الجديد".