> محمود أبكر:
في انقلاب جديد للموقف الصومالي تجاه مطالبة إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري في السواحل الصومالية، أعلن الرئيس حسن شيخ محمود الأسبوع الماضي أن حكومته لا تعارض رغبة أديس أبابا في الوصول إلى البحر، لكنها لا توافق على الأساليب التي تستخدمها لتحقيق هذا الهدف.
وأعرب الرئيس الصومالي خلال حديثه في مؤتمر مجتمع شرق أفريقيا (EACON 2024) الذي عقد في العاصمة الصومالية مقديشو، عن استيائه من عملية التفاوض الإثيوبية بصورة مباشرة مع إقليم أرض الصومال، من خلال تجاوز حكومته مؤكدًا أنه لن يمانع وصول إثيوبيا إلى البحر لكنه لن يسمح لها بإنشاء قاعدة عسكرية في أراضي الصومال تحت أي ظرف من الظروف.
ويعد هذا الموقف المتفهم للمطالب الإثيوبية هو الأول من نوعه لدى الرئيس الصومالي الذي قاد حملة سياسة ودبلوماسية واسعة خلال الأشهر الستة الماضية ضد المطلب الإثيوبي، معتبرًا أن أية مطالب تتعلق بحصول إثيوبيا على منافذ في الشواطئ الصومالية يعد انتهاكًا للسيادة الصومالية وبمثابة إعلان حرب.
وعلى رغم الدعم الكبير الذي وجده الصومال في جامعة الدول العربية وبعض الدول الأوروبية، فإن الجانب الأميركي بدا متفهمًا للموقف الإثيوبي ولمذكرة التفاهم التي وقعتها أديس أبابا مع الإقليم الصومالي الذي يطالب بالانفصال، والتي نصت على منح إثيوبيا منفذًا ساحليًا في الشواطئ الصومالية المطلة على المحيط الهندي، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال ما يعرف بجمهورية أرض الصومال، إذ تهدف أديس أبابا التي تعد أكبر دولة حبيسة في أفريقيا الاستفادة من المنفذ الساحلي في بناء اقتصادها، إلى جانب إقامة قواعد عسكرية تمكنها من المشاركة في الاستراتيجيات الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبخاصة بعد إعلانها تأسيس القوات البحرية.
- عرض براغماتي
ويرى المتخصص في الشأن الصومالي عيدي محمد أن الرئيس الصومالي بهذا الإعلان أحبط الحجج التي بنى عليها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد رؤيته المتعلقة بالتنمية والكثافة السكانية، إذ برر الأخير موقف حكومته بالعامل الاقتصادي والتنموي في ظل تضاعف التعداد السكاني، معتبرًا أن بقاء بلاده وهي أكبر دولة حبيسة في العالم من دون منافذ بحرية مع تزايد الحاجة إلى تطوير اقتصادها قد يدخل الأجيال المقبلة في حرب محتملة.
وقال عيدي إن ضمان منفذ ساحلي لإثيوبيا من أجل أغراض تنموية واقتصادية عبر اتفاق واضح يبرم بين أديس أبابا ومقديشو، يبطل كل الحجج التي تقف خلف المطلب الإثيوبي، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيس لأديس أبابا هو محاولة الاندماج في الاستراتيجيات الدولية بالمنطقة، وبخاصة المتعلقة بالملفات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية إذ تطرح أديس أبابا نفسها كحارس للمصالح الغربية في المنطقة من جهة، ولمواجهة الاستراتيجيات الإقليمية من جهة أخرى ومن بينها استراتيجية الأمن القومي العربي في مضيق باب المندب ذي الصلة الوطيدة بقناة السويس.
و رأى عيدي أن شيخ محمود رمى بالكرة في الملعب الإثيوبي من خلال عرض براغماتي يحقق من خلاله هدفين رئيسين أولهما ضمان منفذ بحري لإثيوبيا تحت السيادة الصومالية، والثاني إبطال جميع المساعي لأي وجود عسكري إثيوبي يستهدف وحدة الأراضي الصومالية، بما في ذلك الاعتراف بما يسمى جمهورية صوماليلاند غير المعترف بها، مما يسهم في إحراج الداعمين الدوليين للمطلب الإثيوبي، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ويرى عيدي في الخطوة الصومالية "توريطًا للجانبين الإثيوبي والأميركي"، إذ لم يترك أية حجة سياسية أو اقتصادية. مرجحًا ألا تتعاطى أديس أبابا مع العرض، فهدفها الرئيس يتعلق ببناء أكبر قوة بحرية في هذه المنطقة الملتهبة خدمة لأهداف محلية وإقليمية ودولية، وهو ما يتسق مع الموقف الأميركي المتماهي مع نظيره الإثيوبي.
ورجح المتخصص الصومالي خروج بعض الأصوات المعارضة لهذا العرض، إذ تحتفظ الذاكرة الصومالية بتواريخ دامية بين الدولة الإثيوبية والصومال.
- خطوة نحو الأمام
وبدوره قال المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غداون، إن العرض الذي أعلن عنه الرئيس الصومالي أخيرًا يعد خطوة نحو الأمام، وعلى رغم الاشتراطات المتعلقة بعدم ممارسة أية أنشطة عسكرية فإن الاعتراف بحق إثيوبيا في منفذ بحري بالدول المجاورة يعد انتصارًا للاستراتيجية الإثيوبية، ويمكن البناء عليه لاحقًا للوصول إلى اتفاقات أشمل تسمح لأديس أبابا ببناء قواعد عسكرية وأمنية، خصوصًا أن هذه المنطقة تعج بقواعد عسكرية أجنبية.
ورأى بيهون أن أديس أبابا تبقي على مذكرة التفاهم الموقعة مع صوماليلاند مجمدة من دون إلغائها بصورة نهائية، إذ تعد وسيلة مهمة لممارسة مزيد من الضغط على مقديشو، مقدرًا أن الإعلان الصومالي الأخير يعد انتصارًا للإرادة الإثيوبية بصورة لا لبس فيها، ففضلاً عن أنه أول اعتراف رسمي من حكومة دولة مجاورة بأحقية إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري فإنه سيسهم في تطوير الاقتصاد الإثيوبي.
وأضاف أن هذا العرض يكشف أهمية مذكرة التفاهم المبرمة في يناير الماضي مع حكومة صوماليلاند، فلولا ذلك الاتفاق لما اضطرت مقديشو لقبول مبدأ توفير منفذ بحري لإثيوبيا، وبالتالي فإن الاستراتيجية الإثيوبية حققت الآن انتصارًا جزئيًا ينبغي البناء عليه.
وفي قراءته لعدم رد أديس أبابا حتى الآن على الخطوة الصومالية رأى غيدوان أن إثيوبيا ليست في عجلة من أمرها، فهي تعد الخطوة مهمة وتتويجًا لحملتها الواسعة من أجل ضمان المنفذ البحري، وستستفيد من هذه الخطوة في المحاججة لاستعادة أحد موانئها في إريتريا.
وأضاف أن الموقف الأخير الذي أعلنه الرئيس الصومالي يسهم أيضا بصورة غير مباشرة في فك الارتباط بين الموقفين الإريتري والصومالي، ويسمح لإثيوبيا بالتعاطي مع مقديشو بصورة مباشرة.
- سيناريوهات محتملة
ومن جهته يرى عيدي أن ثمة سيناريوهات عدة للتعاطي الإثيوبي مع الموقف الذي فرضه الرئيس الصومالي، الأول أن يتجاهل النظام الإثيوبي عرض مقديشو ويمضي في اتجاه توفير الأرضية السياسية والدبلوماسية لتمرير مذكرة التفاهم الموقعة مع هرجيسا، باعتبارها الوثيقة الوحيدة التي تحقق أهدافه الاستراتيجية والعسكرية.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في التعاطي إيجابًا مع عرض مقديشو وهذا يفترض إلغاء أو تجميد مذكرة التفاهم، وبذا يكون الصومال حقق من خلال هذه السيناريو أهم أهداف رؤيته، سواء المتعلقة بإبطال محاولات حصول صوماليلاند على الاعتراف الدولي الأول أو الوجود العسكري الأجنبي في الصومال، فضلاً عن أن توقيع اتفاق بين مقديشو وأديس أبابا لتأجير مناطق معينة في الشواطئ الصومالية سيحقق لمقديشو موارد مالية واقتصادية إضافية، ويدعم رؤية حسن شيخ محمود الطموحة للنهوض بالاقتصاد الصومالي.
ويتعلق السيناريو الثالث بقبول العرض مع إبقاء شروط مذكرة التفاهم المبرمة مع هرجيسا، وهذا السيناريو هو الأسوأ لمقديشو إذ قد يقود في نهاية المطاف إلى مواجهة مسلحة بين الطرفين من خلال الاستفادة من علاقات أديس أبابا مع هرجيسا والتنسيق الأمني والعسكري معها.
"اندبندنت عربية"