> «الأيام» القدس العربي:

​خرج عبد الملك الحوثي عن أطواره، في خطابه المصور الأخير هدد للمرة الأولى في السنتين الأخيرتين بمهاجمة موانئ ومطارات وبنوك في السعودية إذا "خضعت" الرياض لتوجيهات الولايات المتحدة، التي تستهدف - حسب قوله - تحطيم اقتصاد اليمن. موقع الأخبار الرسمي التابع للحوثيين، "المسيرة"، نشر بعد خطاب الزعيم صورًا جوية لعدد من المطارات والموانئ في السعودية.

وقد أرفقت بشعار "جربونا". في خطابه المتصلب، أكد الحوثي بأن الأمريكيين يدفعون النظام السعودي نحو أفعال غبية وعدائية لن نوافق عليها. إذا اقتنع النظام في السعودية بالتورط مع الأمريكيين وقدم المساعدات المالية والدعائية لليهود، فهو خياره، لكن النتائج ستكون خطيرة. لن تكون أيدينا مقيدة أمام الخطوات الهستيرية… وعملنا بـ "منظومة الدعم" في غزة (هذا وصف لنظرية وحدة الساحات)، لا تعني أننا لن نفعل شيئًا ضد الأفعال الهستيرية. سنرد بشكل مشابه. الموانئ ضد الموانئ، المطارات ضد المطارات، والبنوك ضد البنوك”.

جاء غضب الحوثي على خلفية قرار الحكومة الرسمية في اليمن التي تحصل على الدعم من السعودية وتعمل من مدينة عدن، إعطاء التعليمات للبنوك العاملة في صنعاء، التي احتلها الحوثيون في 2014، بإنهاء نشاطاتها هناك ونقلها إلى عدن.

بعد سنتين على وقف إطلاق النار، الذي تحقق بوساطة الأمم المتحدة وبضغط من الولايات المتحدة، بات التهديد المباشر للسعودية، حليفة الحكومة الرسمية في اليمن، تطورًا خطيرًا يضع الرياض مرة أخرى على مرمى هدف الحوثيين. هذا رغم أن السعودية والإمارات ومصر والأردن، التي تضررت بشكل مباشر بسبب وقف التجارة في البحر الأحمر، غير مشاركة في التحالف الأمريكي.

لكن الحوثي يتهم السعودية بالخضوع لضغط الولايات المتحدة وإسرائيل، ويطلب من الرياض الضغط على حكومة اليمن الرسمية لإلغاء تعليمات البنك المركزي، التي قد تفصل صنعاء والحوثيين عن منظومة البنوك القطرية والدولية. وهكذا، يقوم أيضًا بتحدي العلاقة الغضة لإيران مع السعودية، اللتين استأنفتا العلاقات بينهما في السنة الماضية بوساطة الصين عقب وقف إطلاق النار في اليمن والبدء في محادثات المصالحة بين الرياض والحوثيين.

التقارب بين الطرفين رسخ الافتراض بأن السعودية خرجت من دائرة التهديد الإيراني وتهديد الحوثيين. لذلك، فإن مشاركة الحوثيين في “وحدة الساحات” تعتبر معركة منفصلة لا يتوقع أن تهدد الرياض.

لكن خلافًا لحزب الله الذي يقوم بتنسيق وثيق مع إيران ويعمل كامتداد عسكري لها بل ومرساة سياسية حيوية تربط بين مصالح طهران في المنطقة وخارجها وبين المعركة المحلية، فإن للحوثيين مصالح مستقلة، لا تتساوق دائمًا مع مصالح إيران.

تهديد السعودية، فضلًا عن تنفيذه، يعرض للخطر إيران بشكل مباشر وطموحها الاستراتيجي في الانضمام للدول العربية في الشرق الأوسط. بعد استئناف العلاقات بينها وبين الإمارات والسعودية، تحاول طهران الآن استئناف علاقاتها مع مصر.

حلقة النار التي أسستها إيران مع الحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق ومع حزب الله، تهدد الآن بإشعال نظرية إيران الاستراتيجية، التي باتت تخشى ألا يمتثل الحوثيون لتعليماتها بشكل كامل ويتنازلون عن تهديد السعودية. هذا التهديد يحول التحالف بين السعودية وأمريكا إلى أمر أكثر إلحاحًا خلافًا لطموحات إيران في إحباطه.

في الوقت نفسه، وجدت واشنطن نفسها في معضلة كبيرة، توضح أن حلف الدفاع الذي هدف إلى إقامة درع إقليمي واق ضد إيران قد يورطها في حرب "ثانوية" ضد الحوثيين من أجل حماية السعودية إذا ما نفذوا تهديدهم. وسيكون محل الاختبار هو استعداد الولايات المتحدة للعب دورها في حلف الدفاع المستقبلي. هذا التطور إذا حدث، فلن يكون مرهونًا بالحرب في غزة وبالعلاقة مع "وحدة الساحات". هذه ستكون ساحة جديدة ومستقلة قد تحيي الحرب في اليمن وتحبط العملية الدبلوماسية التي هدفت إلى إنهائها.