> د. محمد الميتمي:
بعد مرور أكثر من ستة عقود من قيام الثورتين اليمنيتين عجزت الإرادة والإدارة في اليمن عن توفير الحد الأدنى من احتياجات السكان والتنمية من الطاقة والكهرباء. ففي بلد تتجاوز مساحته أكثر من 550 ألف كيلومتر مربع ويسكنه أكثر من 35 مليون نسمة فإن ما ينتجه ويستهلكه من الطاقة لهو أقل بعشرة مرات مما يستهلكه الحرم المكي بالمملكة العربية السعودية الشقيقة.
وفي الصيف الحارق يكتوي سكان المناطق الساحلية بالقيض القاتل بسبب الانقطاعات الطويلة والمتكررة للكهرباء ويموت العديد منهم بتلك النقمة، بينما تغرق معظم المدن والأرياف ولسنوات طويلة متلاحقة في الظلام الدامس، ويلحق بالاقتصاد وحياة السكان الشلل التام.
افتقار اليمن إلى الرؤية التي تتمحور في كون الطاقة الكهربائية المرتكز الأساسي لعملية التنمية ومحركها الأول ونقطة العبور الهامة إلى حقوق المواطن اليمني الاقتصادية والاجتماعية جعل هذا البلد الغني بموارده الطبيعية والأحفورية على وجه التحديد والوفير بموارده البشرية يتخبط في الظلام والفوضى العارمة والعوز والإملاق لعقود طويلة متلاحقة.
هناك أوجه شبه بين حال اليمن وحال لبنان في الثلاثين السنة الأخيرة في ما يتعلق بأزمة قطاع الطاقة الكهربائية التي قادته إلى وضع مأساوي وأسهم مع عوامل أخرى من بينها غياب الإرادة السياسية والإدارة الحكومية الكفؤة النزيهة إلى جعلها دولة فاشلة، بعد أن كانت جوهرة الشرق الأوسط.
اختلفت الكتلتان الاشتراكية والرأسمالية في القرن الماضي والمتناقضتان في كل شيء واتفقتا في شيء واحد وهو أهمية الطاقة والكهرباء للتقدم والرخاء. لقد لخص لينين زعيم البلشفية ذلك قائلا إن الشيوعية تعني التصنيع وكهربة البلاد، كما لخص الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت برنامجه المعروف “بالنيوديل” لانتشال الولايات المتحدة من أزمة الكساد العظيم أن ذلك يعني في المقام الأول إمداد كل الولايات المتحدة – الحضر والريف – بالطاقة الكهربائية.
الطاقة هي مصدر الحياة ونبض الكون. فالضوء والكهرباء كشكل من أشكال الطاقة هما أحد أهم معالم هذا الكون الفسيح وبهما ومن خلالهما نستدل على وجوده. تموت النجوم والمجرات وينطفئ لمعانها عندما تفقد طاقاتها. جميع الكائنات الحية على الأرض بدءا من وحيدة الخلية والأحياء الدقيقة وحتى الثدييات والأشجار العملاقة تعتمد في بقائها وتطورها على استهلاك الطاقة.
تقول الأسطورة اليونانية إن حياة الإنسان على الأرض بدأت عندما قام بروميثيوس بسرقة النار من الآلهة وإعطائها للبشر، فعوقب على ذلك بالعذاب الأبدي.
وكلمة بروميثيوس تعني “بعيد النظر”، فقد كان هذا الحكيم التيتاني يؤمن بقدرة الإنسان على تطويع النار لمصلحة البشرية وتطورها. وفي هذه الأسطورة دلالة على المغزى الوجودي والفلسفي للطاقة بالنسبة إلى الحضارة الإنسانية. فدون الطاقة لا مكان لبقاء الإنسان على قيد الحياة ولا مكان للتنمية.
إن اكتشاف النار والسيطرة عليها من قبل البشر غدا الحد الفاصل في التطور بين الإنسان وبين سائر الكائنات الحية الأخرى على الأرض.
ويوضح تأريخ العلم أن السمات المميزة للتطور البيولوجي لجميع الكائنات الحية على الأرض بما فيها النباتات يتمثل في تنوع الطرق والوسائل التي تستخرج بها تلك الكائنات الطاقة وكيفية استخداماتها لها. فتنوع تلك الوسائل والطرق بدءا من استخراج الطاقة وتخزينها واستخدامها يبين الخصائص المميزة لتلك الكائنات ويحدد مرتبتها داخل التسلسل الهرمي التطوري.
وينطبق ذلك بالمثل على الشعوب والدول والحضارات. فمن يمسك بزمام الطاقة يتيسر له الإمساك بزمام التاريخ والتحكم بصيرورته. إن معظم المؤامرات والحروب والنزاعات في العصر الحديث بين الدول التي راح ضحيتها الملايين من البشر حدثت وما برحت تحدث بفعل الرغبة والسيطرة على مصادر الطاقة.
لقد أصبح من المعلوم علميا والمسلّم به عمليا أن تأمين إمداد كافٍ ومستدام من الطاقة شرط ضروري لبقاء كافة الكائنات الحية على قيد الحياة على اختلاف أنواعها ومسمياتها وشرط لتطور الأمم والدول.
وهذا الأمر يتطلب الرؤية والقدرة والكفاءة والأدوات لاستغلاها الاستغلال الأمثل، وللتحول من مورد إلى آخر من موارد الطاقة عندما يتعرض أحد تلك الموارد للنضوب. فحالما تمكن الإنسان قبل نحو 6 آلاف عام من استخدام طاقة الرياح للإبحار بالسفن الشراعية أو تحريك المطاحن بالرياح أو بتيارات المياه المندفعة فإنه بتلك التحولات التكنولوجية لاستخراج واستغلال الطاقة خلق المقدمات والظروف الملائمة لإنشاء حضارات قديمة عظيمة متقدمة كالحضارة اليمنية، والحضارة المصرية، والصينية، وغيرها.
لا شك أن الوصول إلى موارد الطاقة وتأمين معروضها، وارتفاع تكاليفها، وغياب المنافسة والشفافية في أسواقها، وعدم كفاية وكفاءة الاستثمارات في مجال الطاقة التقليدية منها والمتجددة والتباطؤ القاتل في صياغة وإيجاد الحلول الجذرية لمشكلة الطاقة والكهرباء في اليمن هي من المشاكل الحادة المعروفة والمزمنة التي رسمت وجه اليمن المعاصر.
وبالنتيجة هي من تقرر قدرة اليمن على البقاء والنمو والتطور وتحديد مكانته بين دول العالم وإيجاد موضع يليق بشعبه في سلم الحضارة المعاصرة.
لقد شكّل انعدام الكهرباء والطاقة في اليمن حتى مطلع ستينات القرن العشرين أبرز معالم العزلة والتخلف لذلك البلد سيء الحظ في جنوب جزيرة العرب. فقد كانت جميع المدن والأرياف تغرق في الظلام الدامس مع غروب الشمس وتستعيد حياتها البائسة مع شروقهاِ، في ما عدا منازل معدودة تعد بعدد أصابع اليد الواحدة للأسرة الحاكمة من بيت حميد الدين وبيوت بعض السلاطين في جنوب البلاد.
كانت الحمير والبغال والثيران بالإضافة إلى القوة العضلية للإنسان هي أشكال الطاقة المتاحة أمام اليمني لإنتاج قُوتِه ومصادر عيشه في القطاعات الاقتصادية المختلفة بما في ذلك عملية النقل والتنقل.
لم تدخل الكهرباء اليمن إلا بعد قيام الثورتين 1962 و1963، باستثناء مدينة عدن التي عرفت الكهرباء عام 1926 وذلك لتغطية احتياجات القاعدة العسكرية للمستعمر البريطاني بإنشاء محطة بخارية طاقتها لا تتعدى 3 ميغاواط. كانت أول بعثة استكشافية لاستخراج النفط في الجزيرة العربية هي تلك التي قدمت إلى اليمن عام 1925م، لكن جهل الإمام يحيى بن حميد الدين وتخلفه المريع وخوفه المزمن والمركب من الأجنبي الذي قد يفضحه أمام شعبه من العزلة الشديدة التي فرضها عليه وسد كل المنافذ والطرق للالتحام بمسار عصر الحديث وإيقاعاته المتواترة، هو ما دفعه إلى رد هذه البعثة خائبة على أعقابها.
وفي الصيف الحارق يكتوي سكان المناطق الساحلية بالقيض القاتل بسبب الانقطاعات الطويلة والمتكررة للكهرباء ويموت العديد منهم بتلك النقمة، بينما تغرق معظم المدن والأرياف ولسنوات طويلة متلاحقة في الظلام الدامس، ويلحق بالاقتصاد وحياة السكان الشلل التام.
افتقار اليمن إلى الرؤية التي تتمحور في كون الطاقة الكهربائية المرتكز الأساسي لعملية التنمية ومحركها الأول ونقطة العبور الهامة إلى حقوق المواطن اليمني الاقتصادية والاجتماعية جعل هذا البلد الغني بموارده الطبيعية والأحفورية على وجه التحديد والوفير بموارده البشرية يتخبط في الظلام والفوضى العارمة والعوز والإملاق لعقود طويلة متلاحقة.
هناك أوجه شبه بين حال اليمن وحال لبنان في الثلاثين السنة الأخيرة في ما يتعلق بأزمة قطاع الطاقة الكهربائية التي قادته إلى وضع مأساوي وأسهم مع عوامل أخرى من بينها غياب الإرادة السياسية والإدارة الحكومية الكفؤة النزيهة إلى جعلها دولة فاشلة، بعد أن كانت جوهرة الشرق الأوسط.
اختلفت الكتلتان الاشتراكية والرأسمالية في القرن الماضي والمتناقضتان في كل شيء واتفقتا في شيء واحد وهو أهمية الطاقة والكهرباء للتقدم والرخاء. لقد لخص لينين زعيم البلشفية ذلك قائلا إن الشيوعية تعني التصنيع وكهربة البلاد، كما لخص الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت برنامجه المعروف “بالنيوديل” لانتشال الولايات المتحدة من أزمة الكساد العظيم أن ذلك يعني في المقام الأول إمداد كل الولايات المتحدة – الحضر والريف – بالطاقة الكهربائية.
الطاقة هي مصدر الحياة ونبض الكون. فالضوء والكهرباء كشكل من أشكال الطاقة هما أحد أهم معالم هذا الكون الفسيح وبهما ومن خلالهما نستدل على وجوده. تموت النجوم والمجرات وينطفئ لمعانها عندما تفقد طاقاتها. جميع الكائنات الحية على الأرض بدءا من وحيدة الخلية والأحياء الدقيقة وحتى الثدييات والأشجار العملاقة تعتمد في بقائها وتطورها على استهلاك الطاقة.
تقول الأسطورة اليونانية إن حياة الإنسان على الأرض بدأت عندما قام بروميثيوس بسرقة النار من الآلهة وإعطائها للبشر، فعوقب على ذلك بالعذاب الأبدي.
وكلمة بروميثيوس تعني “بعيد النظر”، فقد كان هذا الحكيم التيتاني يؤمن بقدرة الإنسان على تطويع النار لمصلحة البشرية وتطورها. وفي هذه الأسطورة دلالة على المغزى الوجودي والفلسفي للطاقة بالنسبة إلى الحضارة الإنسانية. فدون الطاقة لا مكان لبقاء الإنسان على قيد الحياة ولا مكان للتنمية.
إن اكتشاف النار والسيطرة عليها من قبل البشر غدا الحد الفاصل في التطور بين الإنسان وبين سائر الكائنات الحية الأخرى على الأرض.
ويوضح تأريخ العلم أن السمات المميزة للتطور البيولوجي لجميع الكائنات الحية على الأرض بما فيها النباتات يتمثل في تنوع الطرق والوسائل التي تستخرج بها تلك الكائنات الطاقة وكيفية استخداماتها لها. فتنوع تلك الوسائل والطرق بدءا من استخراج الطاقة وتخزينها واستخدامها يبين الخصائص المميزة لتلك الكائنات ويحدد مرتبتها داخل التسلسل الهرمي التطوري.
وينطبق ذلك بالمثل على الشعوب والدول والحضارات. فمن يمسك بزمام الطاقة يتيسر له الإمساك بزمام التاريخ والتحكم بصيرورته. إن معظم المؤامرات والحروب والنزاعات في العصر الحديث بين الدول التي راح ضحيتها الملايين من البشر حدثت وما برحت تحدث بفعل الرغبة والسيطرة على مصادر الطاقة.
لقد أصبح من المعلوم علميا والمسلّم به عمليا أن تأمين إمداد كافٍ ومستدام من الطاقة شرط ضروري لبقاء كافة الكائنات الحية على قيد الحياة على اختلاف أنواعها ومسمياتها وشرط لتطور الأمم والدول.
وهذا الأمر يتطلب الرؤية والقدرة والكفاءة والأدوات لاستغلاها الاستغلال الأمثل، وللتحول من مورد إلى آخر من موارد الطاقة عندما يتعرض أحد تلك الموارد للنضوب. فحالما تمكن الإنسان قبل نحو 6 آلاف عام من استخدام طاقة الرياح للإبحار بالسفن الشراعية أو تحريك المطاحن بالرياح أو بتيارات المياه المندفعة فإنه بتلك التحولات التكنولوجية لاستخراج واستغلال الطاقة خلق المقدمات والظروف الملائمة لإنشاء حضارات قديمة عظيمة متقدمة كالحضارة اليمنية، والحضارة المصرية، والصينية، وغيرها.
لا شك أن الوصول إلى موارد الطاقة وتأمين معروضها، وارتفاع تكاليفها، وغياب المنافسة والشفافية في أسواقها، وعدم كفاية وكفاءة الاستثمارات في مجال الطاقة التقليدية منها والمتجددة والتباطؤ القاتل في صياغة وإيجاد الحلول الجذرية لمشكلة الطاقة والكهرباء في اليمن هي من المشاكل الحادة المعروفة والمزمنة التي رسمت وجه اليمن المعاصر.
وبالنتيجة هي من تقرر قدرة اليمن على البقاء والنمو والتطور وتحديد مكانته بين دول العالم وإيجاد موضع يليق بشعبه في سلم الحضارة المعاصرة.
لقد شكّل انعدام الكهرباء والطاقة في اليمن حتى مطلع ستينات القرن العشرين أبرز معالم العزلة والتخلف لذلك البلد سيء الحظ في جنوب جزيرة العرب. فقد كانت جميع المدن والأرياف تغرق في الظلام الدامس مع غروب الشمس وتستعيد حياتها البائسة مع شروقهاِ، في ما عدا منازل معدودة تعد بعدد أصابع اليد الواحدة للأسرة الحاكمة من بيت حميد الدين وبيوت بعض السلاطين في جنوب البلاد.
كانت الحمير والبغال والثيران بالإضافة إلى القوة العضلية للإنسان هي أشكال الطاقة المتاحة أمام اليمني لإنتاج قُوتِه ومصادر عيشه في القطاعات الاقتصادية المختلفة بما في ذلك عملية النقل والتنقل.
لم تدخل الكهرباء اليمن إلا بعد قيام الثورتين 1962 و1963، باستثناء مدينة عدن التي عرفت الكهرباء عام 1926 وذلك لتغطية احتياجات القاعدة العسكرية للمستعمر البريطاني بإنشاء محطة بخارية طاقتها لا تتعدى 3 ميغاواط. كانت أول بعثة استكشافية لاستخراج النفط في الجزيرة العربية هي تلك التي قدمت إلى اليمن عام 1925م، لكن جهل الإمام يحيى بن حميد الدين وتخلفه المريع وخوفه المزمن والمركب من الأجنبي الذي قد يفضحه أمام شعبه من العزلة الشديدة التي فرضها عليه وسد كل المنافذ والطرق للالتحام بمسار عصر الحديث وإيقاعاته المتواترة، هو ما دفعه إلى رد هذه البعثة خائبة على أعقابها.
اختارت الشركة بعد مرور عقد من الزمن ونيف التوجه إلى الملك عبد العزيز آل سعود الذي رحب بعقله المتوقد وبصيرته النافذة بمشروع استخراج النفط في المملكة العربية السعودية لتصبح بعد ذلك التاريخ أكبر منتج للنفط في العالم لينعم شعبها بخيرات الطاقة المكتشفة وثمارها المتنوعة، وتؤسس لدولة هي الأقوى في الجزيرة العربية. في ما انزلق اليمن إلى ظلمات الحروب والصراعات المتلاحقة حتى هذه اللحظة، التي حكمت على شعبها بالفقر والتخلف والإملاق بالرغم ما يمتلكه اليمن من موارد طبيعية هائلة ومتنوعة وشعب مكافح لا يلين، لينزلق إلى مكانة الدولة الأضعف والأفقر في جزيرة العرب بعد أن كان بلدا مؤسساً لحضارات الشرق القديم ومنبع اللغة العربية، بل وأصل العرب كما يقول المؤرخون.
عن "العرب اللندنية"