> "الأيام" القدس العربي:

​لم يحمل خبر الاجتماع الطارئ لمجلس القيادة الرئاسي، 12 يوليو، في طرف الحكومة اليمنية المعترف بها، وما صدر عن نائب وزير الخارجية في حكومة «أنصار الله» (الحوثيون) 13 يوليو، إلا ما يؤشر لمزيد من التعقيد يشهده الوضع اليمني على خلفية تصعيد الحرب الاقتصادية بين طرفي الصراع، وأبرز مظاهرها الأخيرة قرارات البنك المركزي في عدن، وآخرها سحب تراخيص ستة بنوك تتمركز إداراتها في مناطق سيطرة الحوثيين.

وقال نائب وزير الخارجية في حكومة «أنصار الله» حسين العزي، «أبلغنا مبعوث الأمين العام (للأمم المتحدة الخاص لليمن) رفضنا القاطع لمحاولة تبييض صفحة الخارج الأمريكي وتصوير العدوان الخارجي وكأنه شأن داخلي». وأضاف: «كما أكدنا بأن استعمال لغة التأجيل والترحيل في مسائل تتصل بحقوق شعبنا اليمني العزيز أمر غير مقبول».

من خلال هذه التدوينة يتضح أن الحوثيين رفضوا عرض المبعوث الأممي بتأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي الأخيرة إلى أغسطس، على أن يلتقي الطرفان في حوار مفتوح يناقش الشأن الاقتصادي.

فيما كان الموقف الحكومي من خلال خبر الاجتماع الطارئ لمجلس القيادة الرئاسي قد «أكدّ تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي» مشترطًا «استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال». ونوه المجلس بقرارات البنك المركزي اليمني في عدن؛ بالإضافة إلى أخبار غير رسمية تتحدث عن موافقة «الرئاسي» الضمنية على تجميد القرارات.

وبرفض الحوثيين وإصرار الحكومة- رسميًا- على قراراتها يدخل المشهد اليمني مرحلة متقدمة من التصعيد، الأمر الذي قد يُفضي بالأوضاع إلى احتمال الانهيار الشامل للهدنة غير الرسمية القائمة بين الطرفين واستئناف الحرب التي لن تكون هذه المرة كسابقتها، بل ستعمّ كل اليمن، وسيحرص كل طرف على أن يفرض سيطرته، على كامل الأراضي اليمنية إدراكًا منه إنها فرصته الأخيرة لفرض نفسه كقوة وحيدة في اليمن، وعلى امتداد البلد.

ولن يكون الإقليم بمنأى عن ذلك؛ بل إن تدخل التحالف بجانب الحكومة سيزيد من تعقيد الوضع، وستتسع دائرة الحرب، وسيكون الوضع، حينها، قد خرج عن السيطرة. كما لا يمكن للحكومة خوض المعركة بدون التحالف؛ ولا يمكن للتحالف في ذات الوقت أن يكرر ما كان منه سابقًا في ظل حرص الرياض على ردم فجوات الصراع في المنطقة.

في الموقف الحكومي طرأ انقسام بين مؤيد لظاهر الموقف كما ورد في الخبر الحكومي للاجتماع الطارئ باعتباره كان واضحًا، وبين رافض وناقم على ما اعتبرها موافقة حكومية في الكواليس على مقترحات المبعوث الأممي، وفي مقدمتها تأجيل تنفيذ قرارات البنك المركزي إلى آب/اغسطس، وشن هؤلاء هجومًا حادًا على المبعوث الأممي.

وفي بيان للتحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية، الثلاثاء، قالت الأحزاب الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا، «إن تصرفات المبعوث الأممي تنتقص من السيادة اليمنية، وتنتهك قرارات مجلس الأمن، وتقوض حياد الأمم المتحدة وتشجع جماعة الحوثي على رفض السلام والسخرية من المجتمعين اليمني والدولي».

وما زال المشهد اليمني كما هو عليه في هذا الانقسام غير الواضح على صعيد ما تم في هذا السياق: هل تم رفض مقترحات المبعوث أم ما زال الحوار جاريًا للاتفاق على العمل بها من خلال صيغة يتوافق عليها الطرفان خصوصا وأن موقف الرياض سيكون الحاسم في موقف الحكومة؟

وعلى كل حال؛ فالمبعوث الأممي تفرض عليه التزاماته أن يبذل جل جهده لنزع فتيل الحرب في أي مرحلة يقترب فيها الطرفان من اشعاله؛ فهو مبعوث لتحقيق السلام؛ كما أن استئناف الحرب سيقضي على كل الجهود التي بذلها منذ تعيينه مبعوثًا أمميًا لليمن عام 2021 وعودة الأوضاع إلى نقطة الصفر. كما أن العودة للحرب يفترض ألا تكون على طاولة أي طرف؛ فالحرب ليست الغاية مثلما السلام غاية ووسيلة في آن.

حتى الآن لم يتم الإعلان عن خطوة للأمام من الطرفين؛ ما يعني أن ثمة تجميدا حقيقيا يتم العمل عليه بصدد القرارات أو أن ثمة معالجات أخرى يُعد لها لاستيعاب الوضع ونزع فتيل استئناف الحرب؛ لاسيما مع تصاعد نبرة خطاب «أنصار الله» باتجاه الرياض.

جهود المبعوث الأممي فشلت حتى الآن بلاشك في الحصول على موافقة الحوثيين على التجميد المؤقت للقرارات، ما يعني أن جهوده مع الحكومة لن تؤتي أكلها ما دام الحوثيون رافضين، علاوة على التصعيد الحكومي غير الرسمي ضد المبعوث الأممي، وبالتالي فالحل سيكون في المضي بخطوات عملية للتوقيع على خريطة طريق السلام بنوايا تنحاز للشعب وحقوقه في مستقبل يحفظ حقوقه وكيان دولته الواحدة، وذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال نزع فتيل الحرب الشاملة ووجود نوايا حقيقية لتأسيس دولة يمنية مدنية تؤكد على المواطنة والعدالة والحرية.. فهل ينشد ذلك الطرفان والرعاة؟!