> عماد عبد الحافظ*:
يعتقد البعض أنّ الحركات الإسلامية قد انتهت بعدما سقط بعضها من الحكم وفشل في العودة إليه مرة أخرى بل إلى المشهد برمّته، وبعدما فشل البعض الآخر في تحقيق أهدافه من خلال استخدام العنف والقوة المسلحة، كما يرى البعض أنّ أفكار تلك الحركات قد اندثرت وذهبت بها الريح إلى غير رجعة، وأنّها فقدت بريقها وتأثيرها. ولا شك أنّ تلك الحركات قد تأثرت كثيراً بما تم اتخاذه ضدها من إجراءات ترتب عليها تفكيك قواعدها التنظيمية وإضعاف قدرتها على الاستقطاب والتجنيد بصورة كبيرة، لكن هل تحققت النتيجة نفسها بالنسبة إلى الأفكار؟
على الرغم من التحولات التي حدثت خلال الأعوام الـ (10) الأخيرة في الحالة الدينية، وفي الموقف من الدين الذي تأثر سلبًا، بسبب تجربة تلك الحركات وما كشفت عنه من عيوب وما ترتب عليها من آثار، إلا أنّ العديد من الإحصائيات يشير إلى أنّ نسبة الإقبال على الدين قد ازدادت بين الشباب في الأعوام الأخيرة. وعلى جانب آخر يوجد عدد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي لشخصيات مؤثرة يتابعها عشرات الآلاف، بعض تلك الشخصيات ينتمي إلى تنظيمات إسلامية وبعضها لا ينتمي، ولكنّه يحمل الفكر السلفي، ومنها من يتبنّى أفكار التيار الجهادي – مع الإشارة إلى وجود جذور فكرية مشتركة بين كل الحركات والتنظيمات الإسلامية – وتقوم هذه الشخصيات ببث أفكارها عبر العديد من الوسائل وتؤثر في الكثير من المتابعين الذين ينظرون إليها على أنّها المدافعة عن الدين ضد أعدائه. والسؤال هنا هو ما الأثر والنتيجة التي يمكن أن تترتب على تلاقي تلك الرغبة في التدين لدى شريحة متزايدة من الشباب مع وجود فاعلين على وسائل التواصل يقدمون الفكر الديني بهذا الشكل؟ مع الوضع في الاعتبار عدم قدرة المؤسسات الدينية الرسمية على ملء المساحة الدينية وتلبية الطلب على التدين وإشباع الرغبة في ذلك لدى كلّ المقبلين عليه لأسباب مختلفة.
دراسة: لم يعد الدين بالنسبة إلى الشباب يخدم أغراضًا سياسية أو إيديولوجية، بل يركّز بدلًا من ذلك على الرفاهية الشخصية والانضباط الذاتي، ممّا يجعله يبدو كقناة للروحانية، ولم يعد مرتبطًا باليوتوبيا الاجتماعية الجماعية
بعض تلك الصفحات أيضًا لا يقتصر محتواها فقط على بعض المنشورات والفيديوهات بالصورة التقليدية، لكنّها تعمل على إقامة تواصل مع المتابعين من خلال استنساخ بعض الوسائل التي كانت تمارسها جماعة الإخوان، مثل إقامة لقاءات رياضية ومعسكرات يتم خلالها ترسيخ بعض الأفكار بطرق مختلفة، كما يقوم بعضها بتنظيم دورات لتعليم العلوم الشرعية وتحفيظ القرآن وتناول بعض الموضوعات الاجتماعية من منظور ديني، وربما تكون هذه سياسة تهدف إلى تطوير العمل حتى يكون هناك نوع من التواصل والتفاعل الذي يهدف إلى تكوين مجموعات يتم غرس قيم وأفكار معينة فيها، وإخراج جيل جديد يحمل هذه الأفكار، ليس بالشكل التقليدي للعمل التنظيمي، ولكن بطريقة جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة والسياق السياسي، وأيضًا تتناسب مع طبيعة الشباب الذي تترسخ فيه النزعة الفردانية، والذي لديه رغبة في التدين لكن دون قيود التنظيمات الإسلامية التقليدية، وبذلك تحقق تلك الآليات الجديدة عدة نتائج مجتمعة.
وفي هذا السياق، يعلق الدكتور حمادة شعبان الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في تصريح لـ"حفريات" قائلًا: "إنّ من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي استخدامها وسيلة لترويج الفكر المتطرف، وقد رأينا في الأعوام الـ (10) الأخيرة كيف استُخدمت هذه المواقع في استقطاب آلاف الشباب والفتيات وغسل أدمغتهم وضرب هويتهم الوطنية، وإضفاء العنف على القيم الدينية، والدين منها براء، ومن الملاحظ في الأعوام سالفة الذكر انتشار دعاة على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي لا نعرف هويتهم ولا منابع تعليمهم، ولهم متابعون بالآلاف معظمهم من فئة الشباب، وبعض هؤلاء الدعاة لم يتلقوا أيّ تعليم في المدارس العلمية الأصيلة في عالمنا العربي والإسلامي مثل الأزهر الشريف في مصر، وتمارس بعض هذه الصفحات - عن عمد أو بحسن نية - خطابًا متشددًا ومنفّرًا يركّز على قضايا بعينها، ومن يتعرّض لهذا الخطاب بالتحليل، يُصدم أوّلًا بطريقة العرض والطرح، التي هي في حدّ ذاتها قد تؤدي إلى أضرار بالغة تضرّ بالإنسان والأوطان".
ومن أخطر أنواع المحتوى الذي تركز عليه هذه الصفحات، وفق شعبان، هو العلاقة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين، فمعظم هذه الصفحات يقصر العلاقة بين المسلم والمسيحي على التهنئة بأعياد الميلاد، ولا تملّ هذه الصفحات من الحديث عن هذا الموضوع وإثارته في بداية كل عام. والملفت للنظر في طرح هذا الموضوع على تلك الصفحات هو طريقة العرض المنفّرة، التي يتنمّر فيها المتحدث أحياناً على من يهنئون جيرانهم من المسيحيين، ويُطنب في الكلام عن حرمة التهنئة بصورة تنسف الإيمان بالمواطنة والحقوق والحريات، بل واحترام الجيران في نفوس الشباب، مع تجاهل كامل للآثار السلبية التي قد تنجم عن هذا الأمر، ولا شكّ أنّ مثل هذه الأمور تضرّ بمبدأ التعايش والمواطنة الذي هو وفقًا للأزهر الشريف مصطلح أصيل في الإسلام شعت أنواره الأولى من دستور المدينة المنورة، وما تلاه من كتب وعهود للنبي، صلى الله عليه وسلم، يحدد فيها علاقة المسلمين بغير المسلمين.
ولذلك فإنّ استدعاء المواطنة وترسيخها في المجتمع إنّما هو، بحسب الباحث شعبان، استدعاء لأول ممارسة إسلامية لنظام الحكم طبقه النبي في أول مجتمع إسلامي أسسه، وهو مجتمع المدينة، كما يلفت النظر أيضًا في هذه الصفحات خلوها من الحديث عن القيم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية مثل التعايش والسلام والتعدد والاختلاف، كما أنّها لا تقدّم أيّ طرح أو رؤية للصورة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة بين المواطنين في المجتمعات التعددية مثل مجتمعنا المصري، وربما لا يعرف هؤلاء أنّ هناك من مسلمي العالم من يُعاني بسبب البعض من معتنقي الأديان الأخرى الذين يحملون أفكارهم نفسها، ويستخدمون أدواتهم نفسها، فماذا لو أنّ جماعات وأحزاب اليمين المتطرف في الغرب آمنت بالمواطنة والتعدد والاختلاف في إطار من التسامح؟ أليس ذلك سيسمح للمحجبات المسلمات على سبيل المثال بالتحرك بحرية في الغرب؟ إنّ بعض أصحاب هذه الصفحات التي نتحدث عنهم لا ينظرون إلّا إلى تحت أقدامهم، ولا يعيرون اهتمامًا للمصلحة العامّة التي تفيد المسلمين.
* "كاتب مصري - حفريات"
على الرغم من التحولات التي حدثت خلال الأعوام الـ (10) الأخيرة في الحالة الدينية، وفي الموقف من الدين الذي تأثر سلبًا، بسبب تجربة تلك الحركات وما كشفت عنه من عيوب وما ترتب عليها من آثار، إلا أنّ العديد من الإحصائيات يشير إلى أنّ نسبة الإقبال على الدين قد ازدادت بين الشباب في الأعوام الأخيرة. وعلى جانب آخر يوجد عدد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي لشخصيات مؤثرة يتابعها عشرات الآلاف، بعض تلك الشخصيات ينتمي إلى تنظيمات إسلامية وبعضها لا ينتمي، ولكنّه يحمل الفكر السلفي، ومنها من يتبنّى أفكار التيار الجهادي – مع الإشارة إلى وجود جذور فكرية مشتركة بين كل الحركات والتنظيمات الإسلامية – وتقوم هذه الشخصيات ببث أفكارها عبر العديد من الوسائل وتؤثر في الكثير من المتابعين الذين ينظرون إليها على أنّها المدافعة عن الدين ضد أعدائه. والسؤال هنا هو ما الأثر والنتيجة التي يمكن أن تترتب على تلاقي تلك الرغبة في التدين لدى شريحة متزايدة من الشباب مع وجود فاعلين على وسائل التواصل يقدمون الفكر الديني بهذا الشكل؟ مع الوضع في الاعتبار عدم قدرة المؤسسات الدينية الرسمية على ملء المساحة الدينية وتلبية الطلب على التدين وإشباع الرغبة في ذلك لدى كلّ المقبلين عليه لأسباب مختلفة.
- الحالة الدينية للشباب
- ماذا تتضمن تلك الصفحات؟
دراسة: لم يعد الدين بالنسبة إلى الشباب يخدم أغراضًا سياسية أو إيديولوجية، بل يركّز بدلًا من ذلك على الرفاهية الشخصية والانضباط الذاتي، ممّا يجعله يبدو كقناة للروحانية، ولم يعد مرتبطًا باليوتوبيا الاجتماعية الجماعية
بعض تلك الصفحات أيضًا لا يقتصر محتواها فقط على بعض المنشورات والفيديوهات بالصورة التقليدية، لكنّها تعمل على إقامة تواصل مع المتابعين من خلال استنساخ بعض الوسائل التي كانت تمارسها جماعة الإخوان، مثل إقامة لقاءات رياضية ومعسكرات يتم خلالها ترسيخ بعض الأفكار بطرق مختلفة، كما يقوم بعضها بتنظيم دورات لتعليم العلوم الشرعية وتحفيظ القرآن وتناول بعض الموضوعات الاجتماعية من منظور ديني، وربما تكون هذه سياسة تهدف إلى تطوير العمل حتى يكون هناك نوع من التواصل والتفاعل الذي يهدف إلى تكوين مجموعات يتم غرس قيم وأفكار معينة فيها، وإخراج جيل جديد يحمل هذه الأفكار، ليس بالشكل التقليدي للعمل التنظيمي، ولكن بطريقة جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة والسياق السياسي، وأيضًا تتناسب مع طبيعة الشباب الذي تترسخ فيه النزعة الفردانية، والذي لديه رغبة في التدين لكن دون قيود التنظيمات الإسلامية التقليدية، وبذلك تحقق تلك الآليات الجديدة عدة نتائج مجتمعة.
- أين تكمن المشكلة؟
وفي هذا السياق، يعلق الدكتور حمادة شعبان الباحث بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في تصريح لـ"حفريات" قائلًا: "إنّ من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي استخدامها وسيلة لترويج الفكر المتطرف، وقد رأينا في الأعوام الـ (10) الأخيرة كيف استُخدمت هذه المواقع في استقطاب آلاف الشباب والفتيات وغسل أدمغتهم وضرب هويتهم الوطنية، وإضفاء العنف على القيم الدينية، والدين منها براء، ومن الملاحظ في الأعوام سالفة الذكر انتشار دعاة على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي لا نعرف هويتهم ولا منابع تعليمهم، ولهم متابعون بالآلاف معظمهم من فئة الشباب، وبعض هؤلاء الدعاة لم يتلقوا أيّ تعليم في المدارس العلمية الأصيلة في عالمنا العربي والإسلامي مثل الأزهر الشريف في مصر، وتمارس بعض هذه الصفحات - عن عمد أو بحسن نية - خطابًا متشددًا ومنفّرًا يركّز على قضايا بعينها، ومن يتعرّض لهذا الخطاب بالتحليل، يُصدم أوّلًا بطريقة العرض والطرح، التي هي في حدّ ذاتها قد تؤدي إلى أضرار بالغة تضرّ بالإنسان والأوطان".
ومن أخطر أنواع المحتوى الذي تركز عليه هذه الصفحات، وفق شعبان، هو العلاقة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين، فمعظم هذه الصفحات يقصر العلاقة بين المسلم والمسيحي على التهنئة بأعياد الميلاد، ولا تملّ هذه الصفحات من الحديث عن هذا الموضوع وإثارته في بداية كل عام. والملفت للنظر في طرح هذا الموضوع على تلك الصفحات هو طريقة العرض المنفّرة، التي يتنمّر فيها المتحدث أحياناً على من يهنئون جيرانهم من المسيحيين، ويُطنب في الكلام عن حرمة التهنئة بصورة تنسف الإيمان بالمواطنة والحقوق والحريات، بل واحترام الجيران في نفوس الشباب، مع تجاهل كامل للآثار السلبية التي قد تنجم عن هذا الأمر، ولا شكّ أنّ مثل هذه الأمور تضرّ بمبدأ التعايش والمواطنة الذي هو وفقًا للأزهر الشريف مصطلح أصيل في الإسلام شعت أنواره الأولى من دستور المدينة المنورة، وما تلاه من كتب وعهود للنبي، صلى الله عليه وسلم، يحدد فيها علاقة المسلمين بغير المسلمين.
ولذلك فإنّ استدعاء المواطنة وترسيخها في المجتمع إنّما هو، بحسب الباحث شعبان، استدعاء لأول ممارسة إسلامية لنظام الحكم طبقه النبي في أول مجتمع إسلامي أسسه، وهو مجتمع المدينة، كما يلفت النظر أيضًا في هذه الصفحات خلوها من الحديث عن القيم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية مثل التعايش والسلام والتعدد والاختلاف، كما أنّها لا تقدّم أيّ طرح أو رؤية للصورة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة بين المواطنين في المجتمعات التعددية مثل مجتمعنا المصري، وربما لا يعرف هؤلاء أنّ هناك من مسلمي العالم من يُعاني بسبب البعض من معتنقي الأديان الأخرى الذين يحملون أفكارهم نفسها، ويستخدمون أدواتهم نفسها، فماذا لو أنّ جماعات وأحزاب اليمين المتطرف في الغرب آمنت بالمواطنة والتعدد والاختلاف في إطار من التسامح؟ أليس ذلك سيسمح للمحجبات المسلمات على سبيل المثال بالتحرك بحرية في الغرب؟ إنّ بعض أصحاب هذه الصفحات التي نتحدث عنهم لا ينظرون إلّا إلى تحت أقدامهم، ولا يعيرون اهتمامًا للمصلحة العامّة التي تفيد المسلمين.
* "كاتب مصري - حفريات"