> موفق نيربية*
استطاع الحوثيون لفت أنظار العالم عندما أدّى موقفهم ممّا يجري في غزة ودعمهم لـ«حماس» في إطار «محور المقاومة»، وحين قاموا بتهديد حركة التجارة العالمية في البحرين الأحمر والعربي، إلى دفع الولايات المتّحدة وحلفاءها إلى حشر أساطيل مكتملة العتاد في المنطقة لمواجهة ذلك التهديد. بذلك أصبح الحوثيون بؤرة حدث عالمي مُكلف وخطير.
في ما يلي أتناول بعض ملامح الحوثيين وعلاقاتهم الداخلية والخارجية.
دعا عضو المكتب السياسي في حركة الحوثيين في اليمن، محمد البخيتي، الثلاثاء، جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وتحديداً حزب الإصلاح، إلى وحدة الصف وإنهاء الصراع بينهما (حزب الإصلاح والحوثيين)، وقوبلت دعوته بالرفض. وكانت هذه الدعوة قد تكررت مرارا لعدة سنوات من قبل الحوثيين، وقوبلت دوما بتمنّع الإصلاح.
ولكن، بعد أسبوعين تماما من الدعوة المذكورة، زار وفد مشترك مكون من حركة الحوثي والتجمع اليمني للإصلاح مكتب حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في صنعاء، معلنين تضامنهم مع الحركة في معركة طوفان الأقصى. ورحب القائم بأعمال حركة «حماس» وممثلها في اليمن بالوفد المشترك الزائر، معتبراً أن الزيارة تمثل تطلعات الأمة إلى الوحدة والسير نحو هدفها الأساسي، ومؤازرتها في معركتها الراهنة، مؤكّداً أن صورة الوحدة في الوفد المشترك «ترفع معنويات شعبنا وعزيمته في المعركة ضد هذا العدو الصهيوني المجرم»، و"توجب على جميع أبناء أمتنا التوحد أيضا من أجل قضاياها المركزية». وهنا إضفاء الإبهام على مفهوم «الأمة» كما اعتاد الطرفان دائمًا.
لن نناقش هنا من ذلك السياق إلّا موضوع تركيز الحوثيين على دعوة «الإخوان»، بشكل محدّد، لنرى من خلاله مصلحتهم في اعتبار الصراع زيديا شافعيّا، أو شيعيا سنيا، وحسب. هذا ليس غريباً، إذ عايشه السوريون مثلاً وما زالوا مع نظام يصرّ على أنه يواجه «الإرهاب»، من خلال مواجهته السنة، في حين أنه لجأ إلى دعوة الإخوان مراراً إلى المصالحة. وفعلت القيادة الإيرانية مثل ذلك أيضًا.
فهل يعبّر هذا عن أن الصراع قائم فعلًا في حقل طائفي محض؟! أم إنه قائم أيضًا في حقل قبلي محض؟! أم إن للتاريخ مكره وأقنعته لواقع الحال، ولتعدّدية الأسباب ومدى تجوهر بعضها أكثر من بعضها الآخر، ولكلّ موقعه؟!
كانت بدايات العام 2011، موعداً مع الربيع العربي، الذي لبّت نداءه اليمن في الحادي عشر من شباط، مع أنّ شروط انتصاره لم تكن مُؤمّنة تماماً، كما ظهر لاحقاً، لكنّ السيل كان قد بلغ الزبى، كما كان الأمر في تونس ومصر وليبيا وسوريا في تلك الأيام. عندئذٍ، بلغت الأزمة الاقتصادية والعَوَز الاجتماعي والانسداد السياسي ذروتها في اليمن، مع عجز النظام ببنيته الفاسدة عن حلّ حتى مسألة أسعار الوقود، وتخبّط في قراراته المحدودة بسقف المصالح العاجلة. وكما كان العديد من «القادة» العرب يهيئون لتوريث أبنائهم السلطة، قام صالح أيضاً بكلّ ما من شأنه تسهيل خلافة ابنه أحمد له، الأمر الذي استفز بدوره الناس بما يكفي.
نجح شباب اليمن في نَصب خيام اعتصامهم في صنعاء، وزحفت الجموع في تعز وغيرها، تطلب التغيير الجذري والحاسم. لكن سلطات علي عبدالله صالح استهدفت الشباب بالرصاص، وخصوصاً في جمعة الكرامة. كرّرت السلطات سلوكها القمعي في أكثر من مكان في اليمن، ثمّ انقضّت تحت الظلام وأحرقت خيام الاعتصام في تعز، التي انطلق شبّانها في مسيرة طويلة راجلة أسموها «مسيرة الحياة» باتّجاه صنعاء احتجاجاً على القمع وتصميماً على مطالبهم.
كانت «الوساطات» الأممية والعربية تتزاحم لحلّ «الموضوع» سلمياً»، حتى ظهرت «المبادرة الخليجية»، التي تضمّنت استقالة صالح وتخلّيه عن السلطة.
أتخذت الحركة الحوثية منذ بدايتها في 1992 واجهة "إزالة الظلم الواقع على الهاشميين منذ الثورة الجمهورية عام 1962 على الإمامية"، والتي تقادمت كثيراً، وركّزوا معارضتهم في تلك الفترة على فساد السلطة وأسرة صالح خصوصًا. في العام 2004 قتلت قوات عبدالله صالح زعيم الحركة حسين الحوثي، وتركّزت الأضواء على أخيه عبد الملك، الذي ما زال قائداً للحركة حتى الآن.
حين كان العداء لنظام صالح يطغى على التناغم مع الموقف الإيراني والإقليمي، وقف الحوثيون مع ثورة فبراير، لكنّهم لجؤوا إلى التحالف مع صالح بعد تركه للسلطة وسيطرة أنصار الله على صنعاء عام 2014.
آنذاك أيضاً أصبح نفوذ النظام الإيراني في ذروته، وهو يخوض الآن إحدى أهم معاركه الكبرى في غزة، رغم أنه يغسل يديه منها رسميًا ولا يريد التورّط مباشرة فيها، لعدم حاجته إلى ذلك ما دامت «حماس» (رغم وجهها الفلسطيني الأصيل) و«حزب الله» (رغم وجهه اللبناني) والحوثيون (رغم وجههم اليمني) خصوصًا يكفونه الأمر.
* كاتب سوري /المصدر "القدس العربي"
في ما يلي أتناول بعض ملامح الحوثيين وعلاقاتهم الداخلية والخارجية.
دعا عضو المكتب السياسي في حركة الحوثيين في اليمن، محمد البخيتي، الثلاثاء، جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وتحديداً حزب الإصلاح، إلى وحدة الصف وإنهاء الصراع بينهما (حزب الإصلاح والحوثيين)، وقوبلت دعوته بالرفض. وكانت هذه الدعوة قد تكررت مرارا لعدة سنوات من قبل الحوثيين، وقوبلت دوما بتمنّع الإصلاح.
ولكن، بعد أسبوعين تماما من الدعوة المذكورة، زار وفد مشترك مكون من حركة الحوثي والتجمع اليمني للإصلاح مكتب حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في صنعاء، معلنين تضامنهم مع الحركة في معركة طوفان الأقصى. ورحب القائم بأعمال حركة «حماس» وممثلها في اليمن بالوفد المشترك الزائر، معتبراً أن الزيارة تمثل تطلعات الأمة إلى الوحدة والسير نحو هدفها الأساسي، ومؤازرتها في معركتها الراهنة، مؤكّداً أن صورة الوحدة في الوفد المشترك «ترفع معنويات شعبنا وعزيمته في المعركة ضد هذا العدو الصهيوني المجرم»، و"توجب على جميع أبناء أمتنا التوحد أيضا من أجل قضاياها المركزية». وهنا إضفاء الإبهام على مفهوم «الأمة» كما اعتاد الطرفان دائمًا.
لن نناقش هنا من ذلك السياق إلّا موضوع تركيز الحوثيين على دعوة «الإخوان»، بشكل محدّد، لنرى من خلاله مصلحتهم في اعتبار الصراع زيديا شافعيّا، أو شيعيا سنيا، وحسب. هذا ليس غريباً، إذ عايشه السوريون مثلاً وما زالوا مع نظام يصرّ على أنه يواجه «الإرهاب»، من خلال مواجهته السنة، في حين أنه لجأ إلى دعوة الإخوان مراراً إلى المصالحة. وفعلت القيادة الإيرانية مثل ذلك أيضًا.
فهل يعبّر هذا عن أن الصراع قائم فعلًا في حقل طائفي محض؟! أم إنه قائم أيضًا في حقل قبلي محض؟! أم إن للتاريخ مكره وأقنعته لواقع الحال، ولتعدّدية الأسباب ومدى تجوهر بعضها أكثر من بعضها الآخر، ولكلّ موقعه؟!
كانت بدايات العام 2011، موعداً مع الربيع العربي، الذي لبّت نداءه اليمن في الحادي عشر من شباط، مع أنّ شروط انتصاره لم تكن مُؤمّنة تماماً، كما ظهر لاحقاً، لكنّ السيل كان قد بلغ الزبى، كما كان الأمر في تونس ومصر وليبيا وسوريا في تلك الأيام. عندئذٍ، بلغت الأزمة الاقتصادية والعَوَز الاجتماعي والانسداد السياسي ذروتها في اليمن، مع عجز النظام ببنيته الفاسدة عن حلّ حتى مسألة أسعار الوقود، وتخبّط في قراراته المحدودة بسقف المصالح العاجلة. وكما كان العديد من «القادة» العرب يهيئون لتوريث أبنائهم السلطة، قام صالح أيضاً بكلّ ما من شأنه تسهيل خلافة ابنه أحمد له، الأمر الذي استفز بدوره الناس بما يكفي.
نجح شباب اليمن في نَصب خيام اعتصامهم في صنعاء، وزحفت الجموع في تعز وغيرها، تطلب التغيير الجذري والحاسم. لكن سلطات علي عبدالله صالح استهدفت الشباب بالرصاص، وخصوصاً في جمعة الكرامة. كرّرت السلطات سلوكها القمعي في أكثر من مكان في اليمن، ثمّ انقضّت تحت الظلام وأحرقت خيام الاعتصام في تعز، التي انطلق شبّانها في مسيرة طويلة راجلة أسموها «مسيرة الحياة» باتّجاه صنعاء احتجاجاً على القمع وتصميماً على مطالبهم.
كانت «الوساطات» الأممية والعربية تتزاحم لحلّ «الموضوع» سلمياً»، حتى ظهرت «المبادرة الخليجية»، التي تضمّنت استقالة صالح وتخلّيه عن السلطة.
أتخذت الحركة الحوثية منذ بدايتها في 1992 واجهة "إزالة الظلم الواقع على الهاشميين منذ الثورة الجمهورية عام 1962 على الإمامية"، والتي تقادمت كثيراً، وركّزوا معارضتهم في تلك الفترة على فساد السلطة وأسرة صالح خصوصًا. في العام 2004 قتلت قوات عبدالله صالح زعيم الحركة حسين الحوثي، وتركّزت الأضواء على أخيه عبد الملك، الذي ما زال قائداً للحركة حتى الآن.
حين كان العداء لنظام صالح يطغى على التناغم مع الموقف الإيراني والإقليمي، وقف الحوثيون مع ثورة فبراير، لكنّهم لجؤوا إلى التحالف مع صالح بعد تركه للسلطة وسيطرة أنصار الله على صنعاء عام 2014.
آنذاك أيضاً أصبح نفوذ النظام الإيراني في ذروته، وهو يخوض الآن إحدى أهم معاركه الكبرى في غزة، رغم أنه يغسل يديه منها رسميًا ولا يريد التورّط مباشرة فيها، لعدم حاجته إلى ذلك ما دامت «حماس» (رغم وجهها الفلسطيني الأصيل) و«حزب الله» (رغم وجهه اللبناني) والحوثيون (رغم وجههم اليمني) خصوصًا يكفونه الأمر.
* كاتب سوري /المصدر "القدس العربي"