> توفيق الشنواح:

مع كل ضربة تطاول قيادات الصف الأول والثاني لـ "حزب الله"، يبدي الحوثيون حذراً متزايداً، نظراً إلى علاقتهم الوثيقة بالجماعة اللبنانية وبقية الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية.

وتدرك الجماعة المتمردة في اليمن حتمية المصير المشترك بالكيان اللبناني الذي أوكلت إليه طهران مهمة بناء قدرات ذراعها في اليمن منذ ما قبل سيطرتها على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، سواء بالتقنيات العسكرية أو البشرية، وهو ما تراقبه وتحلل فصوله ومآلاته بقلق ملحوظ.

وإزاء هذه التطورات غير المسبوقة، أضحى الحوثي وفقاً لمراقبين أمام كابوس سيناريو خسارتين متوقعتين، الأولى توقف عمليات الدعم العسكري واللوجستي الذي ظل يقدمه "حزب الله" للجماعة الآتية من جبال مران ورازح وضحيان بمحافظة صعدة، وتشمل عمليات التمويل والتدريب اللوجستي والتكتيكي لأنهم لا يمتلكون أبسط القدرات العسكرية ولا خبرات التطوير والإنتاج، والثانية تعرض الجماعة لضربة معنوية في عمقها وخشيتها الملحوظة من مواجهة المصير ذاته، خصوصاً أن إسرائيل أعلنت صراحة أن "وقت جماعة الحوثيين سيأتي"، مما يعني أن قادتها دخلوا قائمة نيرانها المرصودة في المستقبل القريب وسط انكشاف أمني أدنى كثيراً مما كان لدى قادة "حزب الله".
  • يد الحوثي على قلبه
وحتى إن راح الحوثي يتوعد إسرائيل بالانتقام لمقتل "قادة المقاومة"، إلا أن ذلك لم يحجب حال الهلع التي اعترت الجماعة وكشفت عنه سلسلة من الإجراءات الأخيرة التي من ضمنها قمع مظاهر الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 في المناطق الخاضعة لسيطرتها وشنها حملة اعتقالات واسعة طاولت كل من تشك بولائه من سياسيين وأكاديميين وإعلاميين وناشطات وقادة عسكريين وغيرهم.

وعلى وقع الضربات الإسرائيلية التي يبدو أنها تتجه لطمس آخر معالم أركان الحزب اللبناني، لوحظت تأثيرات ارتداداتها على باقي الأذرع الإيرانية في المنطقة وفي مقدمتهم الحوثيون الذين لزموا الصمت على غير المعتاد، وسجلت مناوشاتهم في البحر الأحمر هدوءاً حذراً، تفسيراً لحال ارتباك الفصائل التي أنشأتها إيران ورعتها منذ عقود طويلة، خصوصاً بعد تحذيرات جيش الاحتلال الإسرائيلي للحوثيين نهاية الشهر الماضي.

ونقلت هيئة البث العبرية عن الجيش الإسرائيلي قوله إن وقت جماعة "الحوثيين" اليمنية سيأتي، لكن التركيز الآن على مواصلة الهجوم على حزب الله اللبناني، ليردّ عبدالملك الحوثي أن "العدو الصهيوني لن يحقق أمنه واستقراره باغتيال قادة المقاومة"، وتوعد بأن جماعته "لن تخذل الشعبين العزيزين ورفاق الدرب المجاهدين في لبنان وفلسطين".

يرى الباحث السياسي عبدالوهاب بحيبح أن الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، بدءاً من استهداف قيادات عسكرية بارزة في حزب الله واختراق أجهزة "البيجر" والاتصالات اللاسلكية وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله وقيادات الصف الأول السياسية والعسكرية تكتب فصلاً جديداً في المنطقة سيغير وجه المعادلات الإقليمية بما فيها مصير ميليشيات الحوثي ومستقبلها، مضيفاً أن "محور المقاومة" الإيراني، وفي مقدمته "حزب الله" لا يزال يتعرض لضربات إسرائيلية فادحة تؤكد أن المعركة على أشدها، مما ينبئ عن تطور مقبل سيعيد رسم خريطة المنطقة بأكملها.
  • هل تصبح اليمن "درة" إيران؟
بالانعكاسات المتوقعة على طبيعة المشهد اليمني، يعتبر بحيبح أن اغتيال نصرالله مثّل ضربة تاريخية في خاصرة ما يسمى "محور المقاومة" الذي كثيراً ما شكل ركنه الرئيس كوكيل إيران الأول في المنطقة العربية لتنفيذ استراتيجياتها سواء العسكرية أو نقل الأيديولوجيا الطائفية المتشددة وتقديم التدريب والدعم والمشورة والمشاركة في اليمن والعراق وسوريا والأثر الرهيب والكبير الذي تركه على هذه البلدان، موضحاً أن "قتله ومعه طابور من الصف الأول سيسبب ضربة معنوية وعسكرية للحوثي لها ما بعدها في حال استمرت وتيرة الأحداث على ما هي عليه اليوم".

وبقراءة لنتائج الضربات الإسرائيلية الرأسية التي لا تزال تعصف بقادة الحزب اللبناني واحتمالية توجهها لضرب قادة الحوثي في اليمن، ذهب مراقبون إلى الحديث عن بديل إيراني محتمل في المنطقة يتمثل في جماعة الحوثي، خصوصاً وهي تسيطر على العاصمة ومساحة شاسعة باتت موطئاً إيرانياً مثالياً محتملاً في حال واصلت إسرائيل والغرب عملية تجريف ما تبقى من الكيان الطائفي في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ووفقاً للباحث بحيبح "فإن الفراغ الفادح الذي تركه نصرالله لإيران سيدفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة وهنا يبرز دور الحوثيين الذين في حال عدم تعرضهم للمصير اللبناني ذاته قد يصبحون البديل الأنسب لطهران في ظل تراجع نفوذ حزب الله تحت نيران التصفية الإسرائيلية".

ويضيف أن "التحولات في لبنان ستؤثر في الحوثيين عسكرياً ومعنوياً، ولكنها قد تفتح الباب أمامهم لتعزيز دورهم كوكيل إيراني في المنطقة في حال استعدادهم لتحمّل أدوار أكبر، إذا ما أثبتوا قدرتهم على تنفيذ عمليات نوعية، سواء من خلال استهداف خطوط الملاحة الدولية أو تهديد أمن إسرائيل، مما يجعلهم وكيلاً مثالياً لطهران في الوقت الحالي".

ويورد مقارنة من وجهة نظر إيرانية "فالحوثي يعتبر أقل كلفة وأكثر قدرة على المناورة في ظل الوضع اليمني الحالي وبعدهم الجغرافي من إسرائيل، إضافة إلى موقع اليمن المهم الذي يعاني حالاً من الفوضى المستمرة"، وهذا الوضع يمكن الحوثيين "من العمل بصورة أوسع، خصوصاً في ظل دعم إيراني مستمر يهدف إلى تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي في المنطقة".

"إندبندنت عربية"