> هشام عطيري:

  • ​قبيلة الكرود وإسهاماتها التاريخية منذ عهد السلطنة العبدلية
  • استيطان الحوطة وتأسيس حوش بخصوصية مميزة
  • احتفظوا بعاداتهم وتقاليدهم في الحوش الذي كان يغلق في وقت معين
> تعد قبيلة الكرود جزءًا من النسيج المجتمعي اللحجي، ولهم مساهمات جليلة في مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والعلمية والأدبية والزراعية منذ ما قبل السلطنة العبدلية وحتى اليوم. والكثير من أبناء لحج يعرفون أن للكرود حوشا في المدينة يدعى "حوش الكرود"، وله مدخلان، الباب الكبير والباب الصغير الذي يعرف بـ "النجلة". في هذا الحوش، تجمعت الأسر الكردية بعد خروجها من الرعارع.

من أين أتى هؤلاء الكرود الذين عاشوا في لحج ولهم تاريخ يكتب بماء الذهب؟ هناك أسرار حول أسباب قيام الكرود في تلك الفترة الزمنية بإحاطة منازلهم المبنية من الطين بهذا السور الذي اندثر بعد توسع المدينة وزيادة عدد الأسر الكردية وتحول بعضهم إلى "حيط الكرود".

الحاج ناصر عبدالله كرد
الحاج ناصر عبدالله كرد

يقول الكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي، الشيخ هاني كرد، بالنسبة للأكراد في لحج، هناك خلاف؛ هل هم من بقايا الدولة الأيوبية في اليمن، مثلهم مثل أكراد بيت فيروز وأكراد ذمار، أم أنهم من بقايا الدولة العثمانية التي سيطرت على المناطق الساحلية مثل عدن والسهلية مثل لحج وغيرها عام 1536م (الموافق 1036 هجرية) بقيادة سليمان باشا عندما صلب عامر بن عبد الوهاب في سواحل عدن؟

ويشير إلى أن الأكراد استوطنوا الرعارع ثم انتقلوا إلى حوطة بلجفار، وكان للأكراد دورا كبيرا في النهضة العلمية والثقافية والزراعية والدينية.

يوضح الأديب والشاعر أحمد صلاح أن الكرود، بحسب المصادر التاريخية، انتقلوا من الرعارع إلى الحوطة في القرن السابع الهجري حيث تم إنشاء الحوش ليسكن فيه مجموعة من الأسر ما بين 20 إلى 30 أسرة. وهذا الحوش قديم وكان يوجد فيه بئر مياه. ويضيف صلاح أن الكرود موجودون منذ القدم، وهم أسرة واحدة، وبعضهم انتقل إلى "حيط الكرود".

ويقال إن الكرود ينتسبون إلى صلاح الدين الأيوبي، مستذكرًا قصيدة قالها الشاعر عبد الله هادي سبيت في رثاء محسن ناصر كرد يقول فيها: "يا نجل صلاح الدين...".

ويعتقد أحمد صلاح أن تاريخ لحج محفوظ في حوش الكرود، الذي يعد أقدم من السلطنة العبدلية، وهناك روايات تقول إن زوجة سعيد باشا، صبولة الصومالية، كانت تجلس مع العجائز في الحوش لتبادل الحديث. ويوضح أحمد صلاح أن للكرود تاريخا مشرفا في مختلف المجالات حتى اليوم.

المنصب فضل محمد سعيد كرد
المنصب فضل محمد سعيد كرد

يكشف الشاب وسيل فضل كرد أن الحوش له بابان من الخشب، باب كبير يعد المدخل الرئيسي، وباب صغير لدخول وخروج الأطفال. وفي فترة ما بعد الاستقلال، تم انتزاع الباب من موقعه ونقله إلى المتحف، ليبقى الحوش بدون باب، مما دفع بعض شباب الكرود في تلك الفترة لوضع باب حديدي على مدخل الحوش، بالإضافة إلى باب صغير للجانب الآخر.

تشير الناشطة المجتمعية جنات كرد إلى أن حوش الكرود يعد أشهر منطقة في حارة واحدة بمدينة الحوطة، وقبيلة الكرود من أشهر القبائل التي قطنت لحج.

ويقال إن أصولهم تعود إلى شمال العراق، وآخرون يقولون من تركيا، وهناك مؤرخون يشيرون إلى أن أصل قبيلة الكرود يعود للعهد الأيوبي حيث سكن ثوران شاة في تبن. وتوضح جنات كرد أن حوش الكرود يضم كل الأسر الكردية، فهم أقرباء، وأعطي لهذه الأسر مساحة آمنة خارجة عن أي أعراف أخرى، لهم ثقافتهم الخاصة، ولهم سيادة قبلية خاصة تعتمد على "المنصب" ومجموعة من العقلاء وكبار العقلاء. وتتابع جنات قائلة إن حوش الكرود كان منطقة مستقلة بحد ذاتها في فترة من الزمن، لأنهم جاؤوا من منطقة مختلفة، فأثروا أن يحيطوا أنفسهم بسور يمنع الدخول للأقرباء للحوش.

العاقل سعيد محمد كرد
العاقل سعيد محمد كرد

وكان الكرود قديما يمنعون من خارج القبيلة بهدف رئيسي وهو الحفاظ على النسيج الاجتماعي لإبقاء الضوابط والروابط بين أفرادها. وتبين جنات كرد أن الحوش سابقا كان يحتوي على مبان قديمة أثرية مبنية من الطين، بالإضافة إلى بئر مياه، وعدد من المنتديات الفنية بقيادة سنباطي لحج أحمد صلاح كرد.

وتشير إلى أن وضع حوش الكرود حاليا يختلف كثيرا عن السابق، حيث انتهت فكرة الزواج من غير الأقارب، وفي فترة معينة تم الاستيلاء على الباب الأثري، والمباني حاليا قد تغيرت لتضم مباني حديثة قد لا تتلاءم مع الطراز السابق للحوش، وهذا يدل على التغيرات التي تمر بها المناطق.

الباب الكبير المدخل الرئيسي
الباب الكبير المدخل الرئيسي

يوضح هشام محمود كرد، شيخ آل كرد، أن حوش الكرود أو حافة الكرود من أشهر المناطق في حارة واحدة وسكنها عائلة آل كرد، وهي عائلة يقال إنها تعود إلى أكراد شمال العراق وآخرين يقولون من أكراد تركيا، لكنهم لحوج أصلا ونسبا أبا عن جد. واستقروا أولا في الرعارع، ثم أخذوا أرضا زراعية وزرعوها وغرسوا فيها أشجار الفواكه بمختلف أنواعها، وكذلك أشجار الرياحين مثل الفل والكاذي والحنون والورود، وسميت هذه المساحة الخضراء والجميلة بـ "حيط الكرود".

تغنى بها الكثير من الشعراء والفنانين وكتب عنها الكتاب والصحفيون. وكان "حيط الكرود" من أشهر البساتين، وكان محاصيله من أجود المحاصيل. تغنى به باني نهضة لحج وشاعرها الكبير الأمير القمندان.

ويوضح هشام أن عائلة آل كرد ظلت مهتمة بالزراعة وسكنت في "حيط الكرود"، وحفرت بئرا ولا تزال موجودة حتى اليوم، ولا تزال آثار منازلهم باقية في حيط الكرود وفي الرعارع، وظلت عائلة آل كرد محافظة على عاداتها وتقاليدها التي ورثتها عن آبائها وأجدادها.

حوش الكرود يضم ما يقارب سبعين منزلا، وفيه أكثر من مئة عائلة. وكان كبير وعاقل الحوش ومرجعها في ذلك الزمان هو الشيخ المنصب محمد سعيد كرد، طيب الله ثراه، ومن بعده ولده الشيخ المنصب فضل محمد سعيد كرد، رحمه الله. ويذكر شيخ آل كرد أن حوش الكرود كان يحتوي على مقر للندوة اللحجية الموسيقية التي كان يقودها الفنان المرحوم صلاح كرد. ومن حوش الكرود خرج الأطباء والمهندسون والمثقفون والأدباء والشعراء والفنانون والمسرحيون والسياسيون والتربويون الذين أثروا الحياة العامة في لحج بإبداعاتهم الجميلة. ويظل حوش الكرود يفتخر ويعتز بهم حتى يومنا هذا، وأي تطور شهدته لحج في مختلف مناحي الحياة تجد عليه بصمات أحد أبناء كرد من حوش الكرود بمدينة الحوطة.