> "الأيام" العرب اللندنية:

​ما تزال القفزات النوعية المسجّلة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران من دون تأثير يذكر على ملف الصراع في اليمن، رغم أنّه يعتبر بإجماع المراقبين، أحد أبرز الملفات الخلافية بين البلدين ومن ضمن الأسباب الرئيسية التي دفعت بالعلاقات بين طهران والرياض نحو مستوى غير مسبوق من السوء خلال السنوات القليلة الماضية.

وسجّل مسار المصالحة بين الرياض وطهران خلال الأيام الأخيرة قفزة جديدة بتخطيه تطبيع العلاقات الدبلوماسية وعودة التواصل السياسي على أعلى مستوى، إلى التنسيق والتشاور في المجال الدفاعي، حيث قاد رئيس أركان الجيش السعودي فياض الرويلي الأحد وفدا عسكريا في زيارة إلى طهران أجرى خلالها محادثات مع نظيره الإيراني محمّد باقري تعلّقت بـ“تطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي”، وفق ما أوردته وسائل إعلام إيرانية.

وجاء ذلك فيما واصلت القيادتان السعودية والإيرانية مدّ جسور التواصل بينهما من خلال مكالمة هاتفية جرت بين ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قدّم فيها الأخير اعتذاره على عدم تمكنه من تلبية الدعوة لحضور قمّة الرياض العربية الإسلامية غير العادية لكثرة مشاغله بحسب وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية إرنا.

وحين انطلق مسار المصالحة بين السعودية وإيران من العاصمة الصينية بيكين في مارس 2023 برزت توقّعات كثيرة بأن يفضي ذلك المسار إلى إنهاء الصراع في اليمن، بالنظر إلى ما هو معروف من علاقة وثيقة لإيران بالحوثيين التي لا تقتصر فقط على تزويدهم بالسلاح الذي استخدم قسم منه في استهداف أراضي السعودية وبعضا من منشآتها الحيوية، ولكنّها تمتّد إلى التحكّم بقرار السلم والحرب لديهم، ما يعني أنّها قادرة على دفعهم إلى إنهاء الحرب والانخراط في المسار السلمي الذي تبذل الرياض جهودا كبيرة بالتعاون مع الأمم المتّحدة لإطلاقه بين الفرقاء اليمنيين.

وعدا عن دخول الجماعة في تهدئة للقتال ما تزال قائمة إلى اليوم بشكل نسبي، ودخولهم في تواصل مباشر مع السعودية وقبولهم المبدئي والشكلي بخارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة دون تنفيذ مقتضياتها بشكل عملي، ما يزال الحوثيون يخوضون معارك جزئية متقطعة ضدّ القوات اليمنية المدعومة سعوديا، ويوجهون خطابا عدائيا تجاه الرياض.

لكنّ أبرز مظهر على عدم انصياع الحوثيين للسلام بات يتمثّل في انخراطهم في الصراع ضدّ إسرائيل تحت عنوان نصرة القضية الفلسطينية وذلك باستهدافهم خطوط الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وقصفهم بالصواريخ والطائرات المسيّرة لمواقع داخل العمق الإسرائيلي، رافعين بذلك من حدّة التوتّر في المنطقة وغير بعيد عن حدود السعودية ومحيطها القريب الذي ترغب في إرساء أكبر قدر ممكن من الهدوء والاستقرار داخله حتى توفّر المناخ الملائم لإنجاز مشاريعها الكبيرة ضمن رؤيتها التنموية الطموحة التي تسعى لتجسيدها في أفق سنة 2030.

ويفسّر متابعون لشؤون المنطقة عدم تأثر الملف اليمني بتطور العلاقات السعودية الإيرانية بوجود وفاق بين الطرفين بفصل الملف عن مسار المصالحة بينهما، في نطاق رؤية معمول بها دوليا في إنهاء الخلافات والصراعات بين الدول وتقوم على استثناء الملفات الصعبة والخلافية ومحاولة تجاوزها أو تأجيلها إلى حين والتركيز على الملفات الأسهل في الحلّ وتنمية الرؤى المشتركة بشأنها تحقيقا للمصلحة المشتركة.

ويبدو أنّ مصلحة مستجدّة لإيران بدأت تدفعها نحو تسريع مصالحتها مع السعودية وتوسيع نطاقها، وتتمثّل في الاستعداد لضغوط أميركية شديدة عليها يتوّقع أن تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة.

وجاء استقبال طهران للرويلي مباشرة بعد انتخاب ترامب لفترة رئاسية جديدة تبدأ في يناير القادم، وكان في فترته الرئاسية الأولى قد تخلى عن سياسة اللين التي انتهجها سلفه الديمقراطي آنذاك باراك أوباما تجاه طهران، وبادر إلى إلغاء الاتفاق النووي معها وفرض عليها عقوبات اقتصادية شديدة في نطاق ما عرف بسياسة الضغوط القصوى والتي يخشى الإيرانيون عودتها بعودة صاحبها إلى الحكم في الولايات المتّحدة.

ويتساءل مراقبون إنْ كانت مخاوف القيادة الإيراني من الدخول في مشاكل جديدة مع واشنطن من شأنها أن تقود بلدهم مجدّدا إلى دوامة العقوبات التي لم تعد إيران تمتلك وسائل الصمود في وجهها لفترة أطول، ستدفع تلك القيادة إلى تخفيف تشدّدها المعهود إزاء عدّة ملفات في المنطقة ومن بينها الملف اليمني شديد الحساسية بالنسبة للسعودية.

ولا يبدو إلى حدّ الآن ما يشير إلى ذلك بشكل عملي حيث يواصل الحوثيون سياستهم التصعيدية ويتمادون في خطابهم عالي النبرة تجاه إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمعين الإقليمي والدولي ككل، وهو أمر لا يمكن أن يكون من دون ضوء أخضر من داعمتهم إيران التي تعتبرهم ضمن أهم أذرعها لخوض الصراعات والحروب بالوكالة.