> "الأيام" العرب اللندنية:

​في ظروف بالغة التعقيد تتخللها تحديات جسيمة، ينطلق العام الدراسي الجديد في اليمن، سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا، وسط انقسام سياسي انعكس على واقع التعليم في البلاد.

ويعاني البلد العربي صعوبات وتحديات كانت سببا في حرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعليم نتيجة تداعيات الحرب المستمرة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ أكثر من عشر سنوات.

وفي 28 يونيو الماضي، بدأ العام الدراسي في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، بينما من المقرر أن يبدأ في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة بعد حوالي شهر.


وأعلن وكيل وزارة التربية والتعليم بصنعاء هادي عمار "استكمال كافة الاستعدادات والتجهيزات اللازمة لبدء العام الدراسي الجديد".

كما تحدث عن تهيئة الظروف المناسبة لاستقبال أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة في المرحلتين الأساسية والثانوية بمختلف مدارس التعليم الحكومي والأهلي”، حسب وكالة أنباء “سبأ” التابعة للحوثيين.

ويعاني المعلمون في مناطق سيطرة الحوثيين عدم تسلم رواتب منتظمة منذ 2016، إذ يتم منحهم حوافز رمزية في بعض الأشهر فقط.

في المقابل، يواجه المعلمون في مناطق نفوذ الحكومة تحديات كبيرة أبرزها التراجع الكبير في قيمة رواتبهم التي باتت أقل من عشر المبلغ الذي كانوا يتسلمونه قبل الحرب، وذلك بفعل انهيار العملة المحلية إذ بات سعر الدولار الواحد قرابة 2800 ريال بدلا من 215 نهاية 2014.

ويأتي العام الدراسي الجديد بينما ملايين الأطفال اليمنيين باتوا محرومين من حقهم في التعليم نتيجة تداعيات الحرب بين القوات الحكومية والحوثيين.

وقبل نحو أسبوعين، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وجود قرابة 3.7 ملايين طفل يمني في سن التعليم خارج مقاعد الدراسة.

وبلغت الأزمة التعليمية في اليمن مستويات كارثية، حيث تعاني البنية التحتية أضرارا جسيمة كما توقف صرف رواتب المعلمين منذ 2016، ما أدى إلى هجرة جماعية لهم، وفق البيان الذي لم يحدد الوجهات التي قصدها المعلمون.

في محافظة تعز وسط البلاد، يقول المواطن هائل الحيدري الذي يعمل في مهنة البناء إنه يعاني ظروفا معيشية قاسية بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب فرص العمل، ما انعكس سلبا إزاء قدرته على تسجيل أطفاله بالمدارس.


ويصف المواطن اليمني الوضع هذا العام بأنه “صعب للغاية، ففي العام الماضي كانت رسوم التسجيل في المدارس الحكومية 1500 ريال (نحو 3 دولارات)، أما هذا العام فلم نتمكن من تسجيل أطفالنا، ولا نعلم حتى كم الرسوم حاليا.”

وأضاف أنه مطالب بدفع “نحو 6 آلاف ريال (حوالي 12 دولارا) لتغطية تكاليف الحوافز والمستلزمات الدراسية لأبنائي الـ3، وهو مبلغ لا أستطيع تحمله بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.”

وأشار إلى أن فرص العمل تضاءلت بشكل كبير، وأنه يذهب يوميًا إلى سوق “حراج العمال” في مديرية ماوية (مكان يتجمع فيه عمال صباح كل يوم للبحث عن عمل) على أمل أن يجد فرصة، لكنه كثيرًا ما يعود خالي الوفاض، كما هو حال العديد من العمال الآخرين.

وختم الحيدري حديثه بمناشدة للمنظمات الإنسانية قائلا، “لم يعد أمامنا سوى أن تتدخل المنظمات لمساعدة أبنائنا في الحصول على المستلزمات الدراسية والكتب، لأننا لم نعد قادرين على تأمينها بأنفسنا.”

ودمرت الحرب معظم القطاعات في اليمن، وتسببت في إحدى أكثر الأزمات الإنسانية كارثية في العالم، حسب الأمم المتحدة.

والاثنين، شهدت مدينة تعز الواقعة تحت سلطة الحكومة اليمنية مسيرة شارك فيها المئات من المعلمين والمعلمات، للمطالبة بصرف رواتب مايو ويونيو 2025.

في السياق، قال عبدالله الحمادي، وهو معلم منذ 25 عاما في تعز، إن العام الدراسي الجديد يُعد من أصعب الأعوام التي يواجهها المعلمون نتيجة لتحديات متعددة.

وأضاف أن “راتب المعلم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة أصبح لا يتجاوز 30 دولارا، بعد أن كان متوسطه قبل الحرب يزيد على 300 دولار.”

وتابع الحمادي، “حاليًا نتسلّم عُشر ما كنا نتقاضاه قبل الحرب، وهذا المبلغ لا يكفي حتى لشراء الدقيق.”

وأكد أنه شارك في تظاهرات متعددة للمطالبة بتحسين أوضاع المعلمين، إلا أن تلك المطالب لم تلقَ استجابة، بسبب الظروف الصعبة والتدهور الاقتصادي الذي يعانيه اليمن.


وتوقّع المعلم اليمني أن يكون العام الدراسي قاسيا، خصوصا في ظل تأخر صرف الرواتب رغم ضآلتها وبساطتها.

الأمين العام لنقابة المعلمين اليمنيين (تشمل كل البلاد) عبدالرحمن المقطري، قال إن العملية التعليمية في البلاد، سواء في مناطق الحكومة الشرعية أو الحوثيين، تعاني تحديات جسيمة.

وأضاف، “في مناطق الحكومة الشرعية، أدى الغلاء الفاحش وانهيار العملة المحلية إلى تدهور القدرة الشرائية للمعلمين والطلاب والمواطنين عموما.”

وتابع: “فقدت رواتب المعلمين قيمتها الحقيقية، وأصبحت لا تساوي أقل من عُشر ما كانت عليه مطلع 2014، ولم تعد تكفي حتى لتوفير أساسيات الغذاء والشراب، فضلا عن باقي الاحتياجات.”

وأشار إلى أنه “في مناطق الحوثيين، بات الوضع أكثر سوءا، إذ حُرم المعلمون من رواتبهم 8 سنوات، حتى تم صرف نصف راتب كل ستة أشهر، وحوافز متقطعة منذ عام ونصف العام تقريبا.”

واستدرك المقطري، “لكنها لا تغطي أدنى متطلبات المعيشة، وكثير من المعلمين عاجزون عن سداد ديونهم أو توفير احتياجات أسرهم بهذا الدخل الضئيل.”

وعن أوضاع الطلاب، قال إنهم “يواجهون أوضاعا مأساوية، خاصة في مناطق التماس أو التي تعرضت مدارسها لتدمير كلي أو جزئي، فضلًا عن تدمير معامل العلوم والحاسوب، وانعدام الوسائل التعليمية.”

واعتبر النقابي اليمني أن “الطلاب يعانون انعدام الأمن، وضغوطا نفسية، وغياب الكتاب المدرسي الذي يصل سعر نسخه أحيانًا إلى 6 آلاف ريال للمادة الواحدة، إضافة إلى رسوم شهرية تبلغ 5 آلاف ريال.”

“هذه الظروف، إلى جانب النزوح المستمر والفقر المدقع، تسببت في عزوف ملايين الطلاب عن التعليم، ولجأ بعضهم إلى العمل إن توفر أو إلى الهجرة أو حتى إلى القتال أو الحاجة إلى المال،” وفق النقابي.

ونبّه إلى أنه في مناطق الحكومة الشرعية، لا تتوفر من الكتب المدرسية سوى 13 بالمئة من الاحتياجات الفعلية، مع وجود عجز كبير في أعداد المعلمين والمعلمات نتيجة توقف التوظيف منذ أكثر من 12 عاما.

وفي محافظة تعز مثلًا، وحدها، خرج أكثر من 8 آلاف معلم من الخدمة بسبب بلوغهم سن التقاعد أو النزوح، دون تعيين بدائل لهم، حسب المقطري.

ووفقا لتقارير أممية، فإن عدد المدراس في اليمن يتجاوز 16 ألف مدرسة، بينما يبلغ عدد طلاب المرحلة الأساسية والثانوية حوالي 11 مليونا.