ليس الأمر بذلك الغموض الذي يحتاج إلى الإيضاح والشرح والتفصيل، وليست القضية بذلك التعقيد العصي على الفهم والإدراك والذي يتطلب التفكيك والتبسيط، إن الأمر الذي أعنيه والقضية التي أقصدها هو أمر وقضية "الأيام" – الصحيفة الجنوبية الأولى – وما مرت به من محن وابتلاءات منذ اجتياح الجنوب في صيف 94م وحتى تاريخ إيقافها القسري في 9 مايو2009م بفرمان عسكري غير خاضع لأية أسس من قانون أو مواد من تشريع، ومنذ متى – أصلا – في هذا الوطن المنكوب – الجنوب – كانت القوانين والأنظمة والتشريعات تقف سدًا ومانعًا لإرادة وغطرسة العسكر وغير العسكر القادمين من هناك في 94م بنشوة النصر الموهوم وبعقلية القبيلة وما تختزنه هذه العقلية من موروث جاهلي يحتم إذلال الخصم واستعباده ونهب أرضه وماله وحقوقه فيما يسمونه فيدًا وغنائم؟ !! أي قانون هذا أو تشريع ينتمي للعصر وللتمدن والتحديث سيخضع لمواده ولوائحه إنهم قادمون من أدغال عصور الجهالة والحروب القبلية والأعراف البالية...

أعراف التهجير والصلح القبلي بذبح كبش أو عجل أو ثور ويضيع الحق الشخصي والعام وينتهي كل شيء بما في ذلك ما يسمونه دستورًا أو أنظمة وتشريعات... أعراف العصبية القبلية وما تدخره من مشاعر الاستعلاء والتفوق الاجتماعي على الآخرين، أي قانون هذا أو نظام سيحترمه هؤلاء المشدودين إلى تاريخ العنف والجباية والإذلال؟! من هنا لا غرابة أو عجب أن يسعى هؤلاء لإسكات صوت الحقيقة.. صوت "الأيام" بفرمان عسكري بعيدًا عن أي قانون أو تشريع إلا قانون القوة وتشريع الغطرسة وهو أمر يتسق ويتفق مع ما صارت إليه أوضاع الجنوب بعد النصر المزعوم عام 94م من فوضى عارمة ومسارات كارثية يتجرع ويلاتها ومآسيها شعب الجنوب في كافة جوانب حياته العامة والخاصة، ومن هنا قلت إنه لا غموض في أمر إيقاف "الأيام" يتطلب إيضاحًا، ولا تعقيد في فهم ما تعرضت له من محن وبلاوي يحتاج تفكيكًا وتبسيطًا، وما تتناوله هذه الأسطر ليس إيضاحًا وتفكيكًا بقدر ما هو توصيفًا لبعض ما جرى ويجري على أرض الجنوب.

 و"الأيام" منبت جنوبي يجري عليها بالضرورة ما جرى ويجري للجنوب وشعبه. لا يمكن فصل محنة "الأيام" – الصحيفة – في مسيرتها الإعلامية بعيدًا عن محنة الجنوب وشعبه، كون "الأيام" مثلت منذ ما بعد الانتصار المزعوم الرئة التي يتنفس من خلالها ابن الجنوب، ووجد في سطور مقالاتها وتحقيقاتها وأخبارها صدى لما يعتمل في وجدانه وفي ذاته من مشاعر صادقة ومعبرة عن واقع الحال من خلال ما يشاهده ويلمسه ويعايشه في واقعه، كانت "الأيام" هي الصحيفة التي امتلكت الشجاعة في زمن عز فيه الشجعان – صحفًا وأفرادًا– فاحتضنت بعد الحرب مباشرة ذلك المقال الشجاع والجريء للكاتب الشجاع الفذ الملتزم بقضايا الإنسان وحقوقه الأستاذ والمفكر د. أبو بكر السقاف، وكان عنوان المقال المنشور في 30/11/94م "فتح الجنوب والاستعمار الداخلي"، وبقدر ما كان هذا العنوان عاكسًا لحقيقة الوضع في الجنوب، بقدر ما كان مستفزًا لقوى الفيد والغنيمة لتحيك منذ ذلك الوقت بدايات دسائسها للفتك بـ"الأيام" وناشريها، هذه القوى التي اعترف مؤخرًا أحد أقطابها بحقيقة احتلال الشمال للجنوب، لم يتجنَ يومها د. السقاف على الحقيقة حين كتب في ذات المقال " إن نهب عدن والمكلا في وضح التاريخ المعاصر يرقى إلى مستوى الفضيحة الوطنية القومية والدولية، فالذي حدث لم يقتصر على بعض الأثاث أو الحلي؛ بل شمل الطوفان كل شيء من كراريس الأطفال حتى خزائن الدولة ومنشئات وشركات النفط ومعداتها وأرشيف الهيئات الرسمية الذي ظل في مكانه أكثر من قرن ونصف والمتاحف. وإذا صرخ مواطن شجاع أن هذا سلوك غزاة قيل له على لسان رأس الدولة أنه يلحد في الوحدة..".

وكم كانت كلمات د. السقاف هذه قريبة إن لم تكن مندمجة إلى / مع وجدان الفرد الجنوبي، وكانت الضريبة التي دفعها د. السقاف يومها أنه تم اختطافه ومن ثم ضربه من قبل " مجهولين " في يناير عام 95م وفي نهاية ذات العام وبالتحديد في 22/12/95 " تم اختطافه مرة أخرى من أمام منزله حيث اقتيد بالقوة إلى مكان مهجور قرب مدينة الأصبحي من قبل عصابة مجرمة اعتادت ممارسة الإرهاب في وضح النهار مسلحة بأدوات التعذيب وهراوات الضرب التي انهالت بها على د. السقاف " حسب ما جاء في البيان التضامني مع د. السقاف يومها ونشرت نصه صحيفة "الأيام" في العدد رقم 238 – 3/1/96م، ولم ترهبه تلك الأفعال الإجرامية الخارجة عن التقاليد والقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية والاجتماعية بل استمر يكتب ويكتب في "الأيام" عن كل أفعال التوحش والتعذيب والظلم والإذلال الذي تعرض له شعب الجنوب وأرضه منذ عام الغدر 94م.

كانت "الأيام" هي الصحيفة القريبة إلى قلب أبناء عدن والجنوب عموما، والتي وجد فيها ملاذًا حرًّا ومنصفًا في وقت قل فيه مناخ الحرية وازداد فيه الكبت وعزًّ فيه المنصفون، ليبث إليه شكواه فيما يعيشه من مآسٍ في واقعه الجديد، ويعبر من خلاله عما ستؤول إليه أحوال هذا الواقع من مألات كارثية قادمة، هكذا كتب ابن عدن رسالة تحذير لأهالي عدن عبر "الأيام" الصادرة في  21/12/94م قال فيها : "تنبهوا واحذروا يا أهالي عدن... فهناك مخطط خبيث غير رسمي وغير معلن لشراء بيوتكم ومحلاتكم بمبالغ خيالية فلا تفرحوا بوريثة تباع بعدة ملايين ريال تتقسم بينكم وتنفقونها في أقل من عام وتتحسرون بعدها طوال العمر فتنقلبون من ملاك إلى مستأجرين.

أرجوكم تمسكوا بما تبقى من أطلال بيوتكم وتعاونوا على ترميمها وتوسيعها إن أمكن... وتراضوا فيما بينكم فالبيت أرض والأرض عرض.. ولا يغرنكم رخص إيجارات
المساكن وغيره في خارج عدن حاليًا فهذا والله طعم يعد لإخراجكم منها ومحو هويتكم وإضعاف أصواتكم في المستقبل وحتمًا سترتفع الإيجارات بعدما لم يبقَ لكم شيء..." نعم هكذا كتب ابن عدن في "الأيام" عام 94م، وكم في كلماته تلك من استشراف لمستقبل عدن، ومن حقيقة وصدق يثبته ويبرهن عليه اليوم واقع حال عدن خاصة والجنوب عموما! لم تكن "الأيام" وهي تختط لنفسها طريقا كشف الحقائق ونقل الصدق والوضوح فيما يجري على أرض وشعب الجنوب بمهنية صحفية متمرسة، لم تكن بهذا النهج المهني تعبر عن نفس " انفصالي" أو تكشف عن دعوة "انفصالية " أو ترفع شعارًا " انفصاليًا" كما يحلوا لأعدائها وأعداء الجنوب وصمها ونعتها بتلك النعوت، وهم في الحقيقة الانفصاليون الحقيقيون بممارساتهم وأفعالهم وتفكيرهم، بقدر ما كانت "الأيام" – الصحيفة – وما تنشره من تغطيات إخبارية أو مقالات أو تحقيقات صحفية تتعلق بمدن وقرى وناس الجنوب إلا معبرًا عن واقع الحال الجنوبي الجديد وإيضاحًا وكشفًا لحقيقة ما ظهر في حياة عدن خاصة والجنوب عمومًا من سلوكيات وممارسات غريبة عجيبة وقيم وأفكار وأعراف غاية في البلادة والتخلف والجهل، حاول القادمون الجدد أن يرسخونها في حياة أهل الجنوب كسلوكيات وقيم وأعراف وعادات وأصبحت معيارًا للمنتصرين في حرب 94 لفرز" الوحدوي " من " الانفصالي"، وكان على شعب الجنوب أن يقبلوا بهذا المعيار- غصبًا أو رضاء – حتى لا يتهموا بجرم "الانفصال" وتداعياته على المستوى الشخصي على الأقل، كان كل ما يجري على أرض وشعب الجنوب سياسيًا واجتماعيًا وتعليميًا وفكريًّا وثقافيًّا..إلخ أشياء قادمة من فنتازيا اللامعقول "الوحدوي " وكان على "الأيام" – الصحيفة – أن تقبل وتتكيف مع هذا اللامعقول... اللامنطقي.. مثلها مثل أي شيء في الجنوب وتنسى رسالتها الصحفية وقيم صاحبة الجلالة وبالغصب وإلا  فالتهمة لها جاهزة بالانفصالية والعمالة وخدمة أهداف غير وطنية وهلم جرا من خزعبلات وأوهام وتهم" الوحدويون بالحرب"، وما تستدعيه هذه التهم من إجراءات عقابية انتقامية ضد "الأيام" وضد كل فرد جنوبي رافض لهذا اللامعقول "الوحدوي"، وأبت "الأيام" الخضوع والانكسار والركوع مثلما أبى جل من في الجنوب الخضوع والركوع للجلادين الجدد، رفضت "الأيام" التكّيف مع آلة الزيف والكذب والخداع، رفضت الإغراءات والتقرب من قصر السلطان على حساب أنات ودموع أطهر وأنبل وأشرف رجال ونساء وشيوخ وأطفال شعب الجنوب من الذين لم ينحنوا للباطل وصبروا وصابروا حتى أتاهم هذا الحراك السلمي المبارك فانتفض كل الجنوب، وانتصرت "الأيام" لقيم عظيمة في عالم الصحافة والأعلام رسخها مؤسسها الأول المرحوم محمد علي باشراحيل، انتصرت لمنبتها الجنوبي، انتصرت لمعاناة ومآسي وكوارث بسطاء الجنوب في أمور حياتهم اليومية، انتصرت لكوادر الجنوب المشردين في المنافي الإجبارية والمطرودين من أعمالهم المدنية والعسكرية، انتصرت للقطاع العام ومنشئاته التي هي ملك كل شعب الجنوب وهو يباع بأبخس الأسعار لسماسرة التجارة، أو وهو يملّك للمتنفذين من عساكر وشيوخ قبائل، انتصرت لأراضي عدن وهي تقطع بالكيلومترات لحساب شلل من فسدة وعابثين وقطاع طرق، انتصرت "الأيام" لصدق المعلومة وحقيقة مجريات الواقع. انتصرت لقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، انتصرت لقيم نبيلة وعادات جميلة ترسخت عند أبناء عدن والجنوب عمومًا في مقابل قيم وأعراف وافدة وقبيحة يراد لها الرسوخ والتمكن على أرض الجنوب. فماذا كانت النتيجة؟.

منذ البداية حاولوا أن يجربوا مع "الأيام" ما قد جربوه مع المفكر د. السقاف الذي فشلوا في إسكاته، فماذا فعلوا؟ لنقرأ جزءًا بسيطًا يسيرًا عما فعلوه من "خيبات " : 1 -عملية إرهابية ضد "الأيام" (قام مجهولون مساء يوم الاثنين 4/ 2/ 96م بتحطيم زجاج سيارات بعض الأخوة الذين يرتادون منتدى "الأيام" لإحياء ليالي رمضان المبارك والتي كانت متوقفة خارج منزل رئيس تحريرها) عدد رقم 243.

2 - محاولة تسلق سور "الأيام" بعد منتصف الليل (حاول مجهولون في الساعة الواحدة من صباح يوم الاثنين 24/2/97م تسلق سور دار "الأيام" ومسكن أسرة
باشراحيل بالخليج الأمامي بكريتر) عدد رقم 337.

3 - مصادرة "الأيام" وانتزاعها من أيدي القراء (في إطار الحملة الظالمة على "الأيام" والتي تسير بوتائر عالية يومًا بعد يوم أبلغت إدارة تحرير الصحيفة صبيحة الخميس الماضي 20/11/97م عن قيام عدد من رجال الأجهزة الأمنية بحملة علي بعض المكتبات والأكشاك بمدينة المكلا ومصادرة العدد 412.. وقال شهود عيان إن عددًا من المارة ممن تمكنوا من شراء الصحيفة بنفس اليوم قد انتزعت من أيديهم) العدد 413.

4 - المحرر الأول في "الأيام" - عادل الأعسم -يتعرض للضرب من قبل رجال المرور– عدد رقم 231.

5 - تهديد المحرر الأول بـ"الايام" في شبوة بقرب أجله – عدد رقم 662.

6  – تسليط موجات تشويش على مبنى "الأيام" (تواجه الصحيفة هذه الأيام صعوبة في استقبال الرسائل إليها عن طريق الفاكسميل والبريد الإلكتروني المرسلة
إليها) عدد رقم 329.

والحقيقة يطول بنا الحديث حول ما تعرضت له "الأيام" خلال مسيرتها الصحفية في فترة ما بعد 94م فهناك المحاكمات الكيدية للناشرين باشراحيل ومنعهم من السفر ومضايقات واحتجاز وضرب موزعي "الأيام" والتهديد التلفوني بالتصفية للناشرين واستهداف السكن الشخصي وهو ذاته مبنى الصحيفة هذا بخلاف ما لا ينشر أو يعلم من مضايقات ومحاربة لـ"لأيام" وما يدور خلف كواليس النافذين والمتحكمين بمصير الجنوب وشعبه.

لكن الأخطر والأفظع أن تصل حالة العدوانية والتوحش إلى النيل من الأعراض مثلما فعل مدير أمن عدن مع الحاجة سعيدة والدة تمام وهشام باشراحيل حين اتهمها بشرفها وعرضها فأصدرت الحاجة بيانًا للرأي العام قالت فيه :" يقول الله عز وجل في كتابه العزيز (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أؤلئك هم الفاسقون).

وبما أن مدير أمن عدن قد رماني وفي سني هذه بكلام الفاسقين فإني أطالب الدولة بأن تقتص منه بما أمرنا الله به " وكان القصاص منه بأن رقته هذه الدولة وكرمته، ولم تنحنِ "الأيام" لهذه الأعاصير الكارثية بل ظلت مثلما عهدها قراؤها معبرة عن حقائق ومجريات واقعهم المرير وفشلوا في إسكاتها، فحاولوا أن يشتروا بالمال العام أبواقا إعلامية من صحف وأفراد لتنهش في "الأيام" وفي أعراض ناشريها كتلك الصحيفة السوداء التي نزلت في فعلها المشين إلى الدرك الأسفل من القبح والخزي والعار فأسمت أسرة باشراحيل الكريمة أسرة "باسراويل" واتهمت عميد العائلة بتهم العمالة والتبشير بالديانة المسيحية والأحمدية... ولم تنثن "الأيام" ولم تركع بل ظلت واقفة كالطود العظيم، هذا الشموخ وهذا التعالي الذي وقفته "الأيام" جنن بعقول الماكرين الفاسدين الناهبين الذين عرتهم "الأيام" وكشفت عن أفعالهم المخزية لكل القيم، فما كان منهم إلا أن يستخدموا مع "الأيام" لعبتهم المفضلة وهي اغتيال وقتل الناس هكذا بكل دناءة وعار هاجموا مبنى "الأيام" في صنعاء وعدن وتصدى لهم من هو مكلف بمهمة الحراسة للدار البطل الشجاع أحمد عمر العبادي الذي حكموا عليه بالإعدام، لأنه دافع عن نفسه وعما هو مكلف بحراسته وأمنه، تصّور! فحتى حق الدفاع عن النفس الذي هو حق مشروع في كل الشرائع، يسقط هذا الحق في شرع هؤلاء أل.... وماذا بعد؟! إنه لمن الخزي والعار لحكومة تدعي تقاطعها مع العهد البائد أن يستمر هذا البطل قابعًا في السجن ومحكومًا عليه بالإعدام في محاكمة كل شرفاء الأرض يعرفون بأنها محاكمة سياسية انتقامية كيدية، ولكن هل فعلا ما يسمى بحكومة "الوفاق " تسير بنهج مغاير ومخالف عن نهج العهد "المقبور" ؟ في الجنوب وعند أهله تجد الجواب!