> إبراهيم علي:
شهدت محافظة أبين، جنوب اليمن، تحولاً نوعياً في طبيعة الصراع بين تنظيم القاعدة والقوات المسلحة الجنوبية، إذ بات الطابع الاستخباراتي يطغى على الأحداث، مع تصاعد المواجهات الميدانية وحملات الحرب الإعلامية. هذا التحول يعكس بوضوح استراتيجية جديدة من التنظيم، تهدف إلى التأثير على المشهد الأمني والاجتماعي في المنطقة.
هذه الخطوة تحمل في طياتها أبعاداً نفسية واستراتيجية. فمن جهة، يحاول التنظيم ترسيخ فكرة أن خصومه يعتمدون على شبكة من العملاء المحليين، مما يعزز الشكوك داخل المجتمعات المحلية، ومن جهة أخرى يسعى إلى مواجهة أي تعاون شعبي مع القوات الجنوبية، عبر تصوير العملاء كخونة معرضون للعقاب.
وفي تطور ميداني لافت، أعلن التنظيم مسؤوليته عن استهداف ما وصفه بـ "مركز لإدارة الطائرات المسيرة" في مديرية مودية. وفقاً لروايته، استند هذا الهجوم إلى "بلاغات" شعبية، وهو وصف يحمل دلالات تشير إلى سعي التنظيم لتصوير نفسه كجهة قريبة من المجتمع المحلي، في محاولة لاستمالة القبائل والتخفيف من ردود فعلها المحتملة.
ويرتبط هذا الهجوم بشكل وثيق بإعدام التنظيم لمواطن يُدعى وهب جواس، بتهمة التجسس لصالح القوات الجنوبية. يبدو أن هذه الخطوة تهدف إلى ربط عملية الإعدام بعمليات التنظيم الميدانية، لتبريرها أمام القبائل وضمان عدم تأجيج التوتر الاجتماعي. ومن خلال هذا النهج، يسعى التنظيم إلى تحقيق توازن بين تصعيد عملياته الإرهابية والسعي لتحقيق حد أدنى من القبول الشعبي.
ورغم أن المشاركة المزعومة لأحد أبناء المنطقة في التجسس لصالح القوات الجنوبية المناوئة للتنظيم يمكن تفسيره كرغبة في التخلص من سيطرة القاعدة، إلا أنّ التنظيم عمد إلى تشويه هذه الصورة عبر تصوير الشخص كخائن. فوفقاً لروايته، كشف أحد المواطنين عن المخبر أثناء محاولته زرع عبوة ناسفة، في مسعى إعلامي واضح للتنظيم أراد من خلال تصوير أنّ التعاون مع التنظيم شائع في أوساط المجتمع المحلي.
وإلى جانب عرض "الاعترافات"، سعى التنظيم إلى توسيع دائرة التهديد ليشمل أمن السكان المحليين، وذلك من خلال اتهامه المواطن جواس بزرع عبوات ناسفة في مناطق عامة. يحاول التنظيم بذلك تصويره كخطر مباشر على المجتمع بمجمله، وليس فقط على تنظيم القاعدة. هذه الرواية تهدف إلى تبرير عملية الإعدام واعتبارها إجراء ضروري لحماية السكان، وتعزيز خطاب "التضامن المشترك" بين التنظيم والمجتمع المحلي ضد ما يُصور كتهديد مشترك. كما إنّ الربط بين تصفية "المخبر" وحماية المجتمع يعكس محاولة التنظيم استباق أي رد فعل قبلي قد ينجم عن عملية الإعدام.
وتأتي الاتهامات التي يروج لها تنظيم القاعدة في سياق حملة دعائية مضادة تهدف إلى تشتيت الانتباه عن التقارير الأممية الأخيرة التي أكدت تعاون التنظيم مع الحوثيين في الجنوب، بتنسيق مع إيران. هذه العلاقة المتنامية قد تفتح المجال أمام الحوثيين لاختراق بنية القاعدة الأمنية وتوجيه عملياتها بما يخدم أجندات سياسية وإقليمية بعيدة عن المواجهة المباشرة بين الطرفين.
ويبرز في هذا السياق التوقف الملحوظ لعمليات القاعدة الهجومية ضد الحوثيين منذ عام 2022، كما أشارت الباحثة المتخصصة في الجماعات المسلحة، إليزابيث كيندل، بالإضافة إلى الانسحاب المفاجئ للقاعدة من مناطق نفوذها في البيضاء لصالح الحوثيين في العام نفسه. هذه المؤشرات تعكس تحولا استراتيجياً في العلاقة بين الطرفين، وقد تشير إلى وجود مصالح مشتركة تتجاوز الخلافات الأيديولوجية.
لطالما حاول تنظيم القاعدة في اليمن استغلال الانقسامات الطائفية، مقدماً نفسه كمدافع عن المناطق الجنوبية ضد تمدد الحوثيين. ومع ذلك، فإن المعلومات المتزايدة عن علاقاته المشبوهة مع إيران تتناقض بشكل صارخ مع هذه الصورة التي يسعى إلى ترسيخها. وفي محاولة منه لتغطية هذه التناقضات، لجأ التنظيم إلى اتهام دولة الإمارات بالتنسيق مع الحوثيين، بهدف ضرب مصداقية القوات الجنوبية المدعومة من التحالف العربي. كما يسعى التنظيم من خلال هذه الادعاءات إلى تشويه سمعة خصومه وتقويض مكانتهم لدى السكان المحليين، مع تصعيد الخطاب الطائفي والسياسي لإثارة الفوضى واستعادة نفوذه في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها.
وبغض النظر عن مصداقية التسجيل المرئي الذي نشره التنظيم من عدمها، فإن حقيقة تعرض القاعدة لاختراق من جهات متعددة تعد مسألة مؤكدة. فالإشارة إلى إحباط عمليات تجسس واعتقال جواسيس تعكس اعترافاً ضمنياً بوجود ثغرات أمنية عميقة داخل التنظيم، مما يثير تساؤلات جادة حول قدرته على حماية أسراره وضمان أمنه الداخلي، كما أنه يعكس بوضوح النتائج التي قادت إليها العمليات الأمنية والعسكرية والحراك المجتمعي للقوات الجنوبية ضده في محافظتي أبين وشبوة.
ورداً على هذا التحدي، اعتمد القاعدة على تكتيكات إعلامية وسياسية تهدف إلى زعزعة التماسك الاجتماعي للقوات الجنوبية وإثارة الفتنة داخل القبائل. كما يستخدم التنظيم دعايات ممنهجة تستهدف شرعية القوات الجنوبية وأهدافها، عبر اتهامات متكررة بأنها أداة أجنبية في يد الإمارات "مرتزقة الإمارات"، تهدف إلى القضاء على "المشروع الإسلامي".
تهدف هذه الاتهامات، رغم افتقارها لأدلة ملموسة، إلى تشويه صورة القوات الجنوبية وتقويض مكانتها في أوساط المجتمع المحلي المحافظ وخلق انقسامات مجتمعية تقود إلى تقليل فعالية هذه القوات التي تقاتله على الأرض وألحقت به خسائر كبيرة خلال السنوات الماضية.
هذه العمليات الدقيقة، التي غالبًا ما نُفذت بعيدًا عن العمليات المسلحة التقليدية، كشفت عن قدرة الأجهزة الاستخباراتية الدولية على اختراق أكثر دوائر التنظيم تحصينًا والوصول إلى دائرته الصلبة. ونتيجة لهذه الضربات المتتالية، خسر التنظيم جزءًا كبيرًا من قياداته المتمرسة، ما أضعف قدرته على التخطيط والتنفيذ وأثر بشكل مباشر على تماسكه الداخلي.
ويشير هذا التحول في مسار الصراع إلى أن الحرب مع تنظيم القاعدة باتت استخباراتية بالدرجة الأولى، وأن القاعدة في المقابل يحاول إدارة نشاطه من خلال العمليات الإرهابية والحرب الإعلامية، ما يجعل القوات الجنوبية أمام تحدٍ مزدوج: مواجهة تهديدات التنظيم ميدانياً، والعمل على تعزيز ثقة المجتمع المحلي، لقطع الطريق أمام محاولات القاعدة لاستغلال أي فراغ أمني أو اجتماعي.
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم القاعدة ربما سعى من خلال هذا الادعاء إلى تحقيق عدة أهداف، منها:
تخويف السكان: يسعى التنظيم إلى بث الرعب في نفوس السكان المحليين، بهدف منعهم من التعاون مع القوات المناوئة له، من خلال تصوير أي تعاون على أنه خيانة تستوجب العقاب.
تشويه صورة الخصوم: يهدف التنظيم إلى إضعاف صورة القوات الجنوبية المناوئة له، بتصويرها كجهات لا تحظى بدعم شعبي، بهدف تقويض مصداقيتها.
صرف الأنظار عن علاقته بإيران: يسعى التنظيم إلى توجيه التهم نفسها لخصومه المحليين والإقليميين، في محاولة للتشويش على حقيقة علاقاته المتكشفة مع إيران ومليشيات الحوثيين.
"سوث24"
- الحرب الإعلامية: أداة للتضليل والتأثير
هذه الخطوة تحمل في طياتها أبعاداً نفسية واستراتيجية. فمن جهة، يحاول التنظيم ترسيخ فكرة أن خصومه يعتمدون على شبكة من العملاء المحليين، مما يعزز الشكوك داخل المجتمعات المحلية، ومن جهة أخرى يسعى إلى مواجهة أي تعاون شعبي مع القوات الجنوبية، عبر تصوير العملاء كخونة معرضون للعقاب.
وفي تطور ميداني لافت، أعلن التنظيم مسؤوليته عن استهداف ما وصفه بـ "مركز لإدارة الطائرات المسيرة" في مديرية مودية. وفقاً لروايته، استند هذا الهجوم إلى "بلاغات" شعبية، وهو وصف يحمل دلالات تشير إلى سعي التنظيم لتصوير نفسه كجهة قريبة من المجتمع المحلي، في محاولة لاستمالة القبائل والتخفيف من ردود فعلها المحتملة.
ويرتبط هذا الهجوم بشكل وثيق بإعدام التنظيم لمواطن يُدعى وهب جواس، بتهمة التجسس لصالح القوات الجنوبية. يبدو أن هذه الخطوة تهدف إلى ربط عملية الإعدام بعمليات التنظيم الميدانية، لتبريرها أمام القبائل وضمان عدم تأجيج التوتر الاجتماعي. ومن خلال هذا النهج، يسعى التنظيم إلى تحقيق توازن بين تصعيد عملياته الإرهابية والسعي لتحقيق حد أدنى من القبول الشعبي.
- تشويه الحقائق والتلاعب بالروايات
ورغم أن المشاركة المزعومة لأحد أبناء المنطقة في التجسس لصالح القوات الجنوبية المناوئة للتنظيم يمكن تفسيره كرغبة في التخلص من سيطرة القاعدة، إلا أنّ التنظيم عمد إلى تشويه هذه الصورة عبر تصوير الشخص كخائن. فوفقاً لروايته، كشف أحد المواطنين عن المخبر أثناء محاولته زرع عبوة ناسفة، في مسعى إعلامي واضح للتنظيم أراد من خلال تصوير أنّ التعاون مع التنظيم شائع في أوساط المجتمع المحلي.
وإلى جانب عرض "الاعترافات"، سعى التنظيم إلى توسيع دائرة التهديد ليشمل أمن السكان المحليين، وذلك من خلال اتهامه المواطن جواس بزرع عبوات ناسفة في مناطق عامة. يحاول التنظيم بذلك تصويره كخطر مباشر على المجتمع بمجمله، وليس فقط على تنظيم القاعدة. هذه الرواية تهدف إلى تبرير عملية الإعدام واعتبارها إجراء ضروري لحماية السكان، وتعزيز خطاب "التضامن المشترك" بين التنظيم والمجتمع المحلي ضد ما يُصور كتهديد مشترك. كما إنّ الربط بين تصفية "المخبر" وحماية المجتمع يعكس محاولة التنظيم استباق أي رد فعل قبلي قد ينجم عن عملية الإعدام.
- حملة مضادة
وتأتي الاتهامات التي يروج لها تنظيم القاعدة في سياق حملة دعائية مضادة تهدف إلى تشتيت الانتباه عن التقارير الأممية الأخيرة التي أكدت تعاون التنظيم مع الحوثيين في الجنوب، بتنسيق مع إيران. هذه العلاقة المتنامية قد تفتح المجال أمام الحوثيين لاختراق بنية القاعدة الأمنية وتوجيه عملياتها بما يخدم أجندات سياسية وإقليمية بعيدة عن المواجهة المباشرة بين الطرفين.
ويبرز في هذا السياق التوقف الملحوظ لعمليات القاعدة الهجومية ضد الحوثيين منذ عام 2022، كما أشارت الباحثة المتخصصة في الجماعات المسلحة، إليزابيث كيندل، بالإضافة إلى الانسحاب المفاجئ للقاعدة من مناطق نفوذها في البيضاء لصالح الحوثيين في العام نفسه. هذه المؤشرات تعكس تحولا استراتيجياً في العلاقة بين الطرفين، وقد تشير إلى وجود مصالح مشتركة تتجاوز الخلافات الأيديولوجية.
لطالما حاول تنظيم القاعدة في اليمن استغلال الانقسامات الطائفية، مقدماً نفسه كمدافع عن المناطق الجنوبية ضد تمدد الحوثيين. ومع ذلك، فإن المعلومات المتزايدة عن علاقاته المشبوهة مع إيران تتناقض بشكل صارخ مع هذه الصورة التي يسعى إلى ترسيخها. وفي محاولة منه لتغطية هذه التناقضات، لجأ التنظيم إلى اتهام دولة الإمارات بالتنسيق مع الحوثيين، بهدف ضرب مصداقية القوات الجنوبية المدعومة من التحالف العربي. كما يسعى التنظيم من خلال هذه الادعاءات إلى تشويه سمعة خصومه وتقويض مكانتهم لدى السكان المحليين، مع تصعيد الخطاب الطائفي والسياسي لإثارة الفوضى واستعادة نفوذه في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها.
وبغض النظر عن مصداقية التسجيل المرئي الذي نشره التنظيم من عدمها، فإن حقيقة تعرض القاعدة لاختراق من جهات متعددة تعد مسألة مؤكدة. فالإشارة إلى إحباط عمليات تجسس واعتقال جواسيس تعكس اعترافاً ضمنياً بوجود ثغرات أمنية عميقة داخل التنظيم، مما يثير تساؤلات جادة حول قدرته على حماية أسراره وضمان أمنه الداخلي، كما أنه يعكس بوضوح النتائج التي قادت إليها العمليات الأمنية والعسكرية والحراك المجتمعي للقوات الجنوبية ضده في محافظتي أبين وشبوة.
- معضلة التنظيم
ورداً على هذا التحدي، اعتمد القاعدة على تكتيكات إعلامية وسياسية تهدف إلى زعزعة التماسك الاجتماعي للقوات الجنوبية وإثارة الفتنة داخل القبائل. كما يستخدم التنظيم دعايات ممنهجة تستهدف شرعية القوات الجنوبية وأهدافها، عبر اتهامات متكررة بأنها أداة أجنبية في يد الإمارات "مرتزقة الإمارات"، تهدف إلى القضاء على "المشروع الإسلامي".
تهدف هذه الاتهامات، رغم افتقارها لأدلة ملموسة، إلى تشويه صورة القوات الجنوبية وتقويض مكانتها في أوساط المجتمع المحلي المحافظ وخلق انقسامات مجتمعية تقود إلى تقليل فعالية هذه القوات التي تقاتله على الأرض وألحقت به خسائر كبيرة خلال السنوات الماضية.
- تاريخ من الاختراق
هذه العمليات الدقيقة، التي غالبًا ما نُفذت بعيدًا عن العمليات المسلحة التقليدية، كشفت عن قدرة الأجهزة الاستخباراتية الدولية على اختراق أكثر دوائر التنظيم تحصينًا والوصول إلى دائرته الصلبة. ونتيجة لهذه الضربات المتتالية، خسر التنظيم جزءًا كبيرًا من قياداته المتمرسة، ما أضعف قدرته على التخطيط والتنفيذ وأثر بشكل مباشر على تماسكه الداخلي.
ويشير هذا التحول في مسار الصراع إلى أن الحرب مع تنظيم القاعدة باتت استخباراتية بالدرجة الأولى، وأن القاعدة في المقابل يحاول إدارة نشاطه من خلال العمليات الإرهابية والحرب الإعلامية، ما يجعل القوات الجنوبية أمام تحدٍ مزدوج: مواجهة تهديدات التنظيم ميدانياً، والعمل على تعزيز ثقة المجتمع المحلي، لقطع الطريق أمام محاولات القاعدة لاستغلال أي فراغ أمني أو اجتماعي.
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم القاعدة ربما سعى من خلال هذا الادعاء إلى تحقيق عدة أهداف، منها:
تخويف السكان: يسعى التنظيم إلى بث الرعب في نفوس السكان المحليين، بهدف منعهم من التعاون مع القوات المناوئة له، من خلال تصوير أي تعاون على أنه خيانة تستوجب العقاب.
تشويه صورة الخصوم: يهدف التنظيم إلى إضعاف صورة القوات الجنوبية المناوئة له، بتصويرها كجهات لا تحظى بدعم شعبي، بهدف تقويض مصداقيتها.
صرف الأنظار عن علاقته بإيران: يسعى التنظيم إلى توجيه التهم نفسها لخصومه المحليين والإقليميين، في محاولة للتشويش على حقيقة علاقاته المتكشفة مع إيران ومليشيات الحوثيين.
"سوث24"