> «الأيام» خاص:
ذات صباح وفي يوم يوم عادي، حيث تشهد شوارع المدينة في بلد الاغتراب، حركة الناس بحثاً عن رزقهم، يبرز مشهد إنساني تقف أمامه الكلمات عاجزة.. رجل يمني مسن، تجاعيد وجهه تحكي قصة عمر ثقيل، يجلس أمام أحد المحال التجارية، وقد غلبه النوم، فهو ليس نائماً بدافع الراحة، بل من شدة الإرهاق وانتظارًا لفرصة عمل تمنحه بعض المال ليرسله إلى أطفاله باليمن التي أجبر على مغادرتها بحثا عن لقمة العيش لأسرة لا معيل لها سواه.
هذا الرجل الذي لم يسعفه الحظ في امتهان حرفة أم عمل معين ولا يمتلك مدخرات تعينه على قسوة الحياة، ليس وحده في معاناته. في اليمن، حيث تتصاعد معدلات الفقر والجوع، فأصبح كبار السن جزءاً من المشهد المأساوي، إما مرغمين على الانخراط في الأعمال الشاقة بأجر يومي زهيد أو على مغادرة البلاد بحثًا عن فرصة عمل في الخارج، رغم ما يرافق ذلك من معاناة مضاعفة.
في مشهد مماثل وأمام زاوية مظللة أمام أحد المحال التجارية وسط العاصمة صنعاء، جلس رجل مسن على الأرض، منكفئًا برأسه فوق ركبتيه بعد يوم مرهق من الانتظار الطويل. هذا الرجل الذي تعدَّت سنونه الستين، ينتمي إلى فئة عمال الأجر اليومي، الذين يدفعهم الفقر والجوع إلى خوض معارك يومية بحثًا عن لقمة عيش يسد بها رمق أسرته.
الحياة لم تمنح هذا الرجل الكثير من الخيارات؛ فبعد أن تقطعت به السبل بسبب الحرب المستمرة في اليمن، وجد نفسه مضطرًا للعمل في مهن شاقة رغم كبر سنه وضعف بنيته. يقضي أيامه يتنقل بين الأسواق والشوارع بانتظار أي شخص يعرض عليه عملاً، مهما كان مجهداً، وفي ذلك اليوم كان يأمل في العثور على أي فرصة تمكنه من العودة إلى منزله بكسرة خبز تسكت جوع أطفاله.
المشهد كان يعكس قصة آلاف اليمنيين الذين يواجهون المصير ذاته. مع تدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة أصبح حتى كبار السن مجبرين على خوض معارك العمل الشاق، أو في كثير من الأحيان، على مغادرة البلاد لتحمل مرارة الغربة.
يقول أحد العمال المارين بالقرب منه: "هذا حالنا كلنا، ننتظر من الصباح حتى المساء ولا نعرف إذا كنا سنعمل أم لا. لكنه أكبر منا سناً، ومن المؤلم أن نراه على هذه الحال".
مسنن آخر من المرتصين في أسواق الحراج بانتظار فرصة عمل يقول "كل يوم أخرج مع شروق الشمس وأجلس هنا أنتظر. أحيانًا أحمل أكياسًا ثقيلة أو أساعد في البناء، لكن ليس كل يوم أجد عملًا. أعود إلى البيت، وعيون أطفالي تقول لي كل شيء.. ماذا سأقول لهم؟".
ورغم أن هذا الرجل الأخير لا يزال في وطنه، إلا أن المعاناة تبدو مماثلة لتلك التي يواجهها من اختاروا الهجرة. في الغربة، فهناك العمل الشاق، البعد عن الأهل، والحنين الذي يثقل القلوب. يقول "ما الفرق؟ هنا أحمل أثقالًا وهناك سأحمل أثقالًا، ولكن هنا على الأقل أسمع ضحكات أولادي حتى لو كانوا جائعين".