> عدن "الأيام" خاص:
نظم فريق الحوار الوطني الجنوبي، يوم أمس، ندوة ثقافية موسعة بالعاصمة عدن، حملت عنوان: "تجذير وتعزيز الهوية الوطنية الجنوبية وتأصيلها التاريخي في حياة المجتمع" وذلك بحضور واسع لمثقفين وإعلاميين وأكاديميين جنوبيين. جاءت هذه الندوة في إطار الترجمة العملية لمخرجات اللقاء التشاوري الأول، وتوجيهات الميثاق الوطني الجنوبي، وانسجامًا مع الاتجاهات العامة لإدارة المرحلة الراهنة، بهدف إبراز الدور المحوري للثقافة في تعزيز الانتماء الوطني وصون الهوية الجنوبية.
تناولت الندوة خمس أوراق بحثية، جاءت على النحو الآتي: الورقة الأولى قُدّمت من نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، بعنوان: "الإعلام الجنوبي وتجذير الهوية الوطنية الجنوبية نحو خطاب هادف ونموذج إعلامي تنويري"، وقدّمها الدكتور أمين العلياني، تناولت الورقة السياق التاريخي لمرحلة ما بعد حرب 1994، وما تعرضت له الهوية الجنوبية من ضغوط سياسية وثقافية. كما ناقشت آليات إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الجنوبي وتجذير الهوية الوطنية بروح جديدة ووعي حديث. وتوزعت محاور الورقة على أحد عشر محورًا تناولت مختلف الجوانب المرتبطة بالموضوع.
والورقة الثانية مقدمة من د. سعيد بايونس بعنوان: "استعادة الهوية الثقافية الجنوبية: الأغنية الجنوبية إذاعياً وتلفزيونياً أنموذجاً". وبين في ورقته إلى حالتين مرّ بهما الإعلام الجنوبي خلال تاريخه، موضحا أن إحداهما كانت ضارة بينما كانت الأخرى نافعة، كالحالة الأولى "اليمننة" حيث قسّمها في دراسته إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل طمس الهوية، ومرحلة طمس الهوية الجنوبية. فيما الحالة الثانية عرفها بالاتكاء على تجربة الإعلام الجنوبي والاستفادة منها. ودعا د. بايونس في ورقته إلى إعادة تشكيل لجان إجازة النصوص، وتكوين فرقة فنية خاصة بالإذاعة والتلفزيون، إلى جانب الحفاظ على الأرشيف الإعلامي الجنوبي وإعادة نشره وصناعته من جديد.
فيما جاءت الورقة الثالثة من قبل اتحاد أدباء وكتّاب الجنوب، بعنوان: "ريادة ثقافية ومشروع وطني" قدمتها رئيسة الدائرة الثقافية في الاتحاد، أعياد عامر. تناولت الورقة نشاط الاتحاد منذ بدء إعادة تشكيله خلال السنوات الخمس الماضية، وما تحقق خلال تلك الفترة من مكاسب ثقافية، تمثلت في إصدار عدد من المطبوعات عبر فروع الاتحاد المختلفة، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية في المجال الأدبي. كما تضمّنت الورقة عددًا من التوصيات، من بينها: السعي لإعادة تمويل الاتحاد بشكل مستدام ودعم مشروع دار النشر ورفده بالتمويل اللازم، فضلاً عن دعم مبادرات التدريب والتأهيل الأدبي، وتعزيز الشراكات المحلية والدولية. وختمت الورقة بالدعوة إلى تكثيف الجهود لدعم الاتحاد ليضطلع بدوره المحوري في ترسيخ الهوية الثقافية الجنوبية واستعادة الوعي الأدبي والوطني باعتبار ذلك ركيزة أساسية في مشروع بناء الوطن الجنوبي الجديد.
أكدت الورقة أهمية البناء على توجهات الخطاب الإعلامي كما وردت في مخرجات اللقاء التشاوري المنعقد في مايو 2023م، باعتبارها مرجعًا لرسم استراتيجية إعلامية وطنية تسهم في ترسيخ الهوية وتعزيز الوعي المجتمعي.
وختم ورقته مؤكدا على أهمية استعادة زمام المبادرة الإعلامية وتوجيه الرأي العام نحو وحدة الهوية الوطنية التاريخية من خلال إنتاج وتكثيف الأفلام الوثائقية التي توثق الحضارة والممالك الجنوبية القديمة.
أما الورقة الخامسة، فقد جاءت بعنوان "مكتب الثقافة.. طموحات وعقبات"، وقدمها مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة عدن، أحمد صالح بن غودل. ودعا من خلالها الجهات العليا إلى الاهتمام بذوي الاختصاص في الإذاعة والتلفزيون، وذلك من خلال تعيين الكفاءات المناسبة في المواقع المناسبة والاستعانة بالخبرات الفنية التي خاضت تجارب ناجحة في إعداد وتنوع البرامج الفنية، كالسهرات واللقاءات الشهرية والفصلية. كما طالب في ورقته برفد مكتبة الإذاعة والتلفزيون بالمواد الثقافية سواء التراثية أو الشعبية إلى جانب الاهتمام بالأغاني الوطنية وتسجيل الأعمال الفنية المتنوعة من تراثية ووطنية والمسرحيات، وبضرورة الاهتمام بالمعالم الأثرية والتاريخية وتوثيقها، وحماية الإرث والموروث الثقافي. كما طالب بدعم معهد جميل غانم للفنون الجميلة من خلال توفير الإمكانات اللازمة لاستمراره، إلى الاهتمام بكبار المبدعين والرواد في مختلف المجالات وتحسين أوضاعهم المعيشية، وإعادة توثيق الأغاني والأعمال الفنية الوطنية والتراثية.
شهدت الندوة أجواءً حوارية تفاعلية ونقاشات تحليلية معمّقة، عكست مستوى الوعي الثقافي العالي لدى المشاركين، وحرصهم على طرح رؤى استراتيجية ومعالجات بنّاءة تسهم في بلورة مشروع ثقافي وطني جنوبي متكامل. وقد أكد المشاركون على أهمية توظيف الوسائل التقنية الحديثة لترسيخ الهوية الجنوبية في وعي الأجيال، وإحياء التراث الجنوبي بصيغ معاصرة تتناسب مع روح العصر، بما يعزز من التماسك الوطني ويصون الذاكرة الجمعية. كما شددوا على ضرورة البناء على مخرجات الندوة وتوصياتها، والاستفادة المثلى من الأوراق البحثية والمداخلات المقدّمة، باعتبارها تشكّل أرضية استراتيجية لانطلاق حراك ثقافي وفني وإعلامي مستقبلي يرسخ الهوية الوطنية الجنوبية ويحميها من التآكل والتزييف.
وفي ختام الندوة، صدرت جملة من التوصيات الهامة بلغ عددها 27 توصية، جاءت على النحو التالي:
1- يؤكد الجميع في هذه الندوة على أن جبهة الثقافة لا تقل أهمية عن الجبهة السياسية والعسكرية، كونها تشكّل العمق المعنوي والحضاري لأي مشروع وطني، وتلعب دورًا محوريًا في حماية الوعي، وتعزيز الانتماء، والتصدي لمحاولات طمس الهوية.
2- يشيد الجميع بالمبادرة التوثيقة التي قام بها مركز عدن للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، لتوثيقذاكرة الصحافة الجنوبيّة منذ أربعينيات القرن الماضي في كل محافظات الجنوب.
3- يقترح المشاركون والمشاركات على قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي إنشاء هيئة وطنية جنوبيّة للتربية والثقافة والعلوم، تنهض بدور كبير في بلورة المشروع الثقافي الوطني الجنوبي، وقواعد وأسس التنوّع الحضاري لكل محافظات الجنوب.
4- يشدد الجميع على ضرورة إجراء تقويم وتقييم حقيقي لكل ما أنجزته الهيئة الوطنية للإعلام والقطاع الإذاعي والتلفزيوني والدوائر الثقافية والإعلامية في المجلس الانتقالي، واتحاد أدباء وكتاب الجنوب، ونقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين والمؤسسات والمراكز الممولة من المجلس خلال الفترة الماضية، وتعزيز ودعم دور الناجحة منها، والعمل على تطوير أداء وتجاوز إخفاقات البعض الآخر.
5- يوصي المشاركون والمشاركات قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ودوائره المختصّة بالثقافة والإعلام، إلى ضرورة تبنّي مشروع ثقافي وإعلامي يعيد الاعتبار للهوية الجنوبية، ويؤسس لخطاب تلفزيوني وإذاعي تنويري يخاطب الواقع ويستشرف المستقبل، ويعمّق من دور ومكانة ورسالة الثقافة والفن والتراث بوصفها تمثل أضلاع الرئيسية للهوية الوطنيّة.
6- إبراز الرموز والأعلام الثقافية والفنية والإعلامية، وإعادة إحياء الموروث الثقافي وتقديمه بلغة معاصرة، وإدماج الفنون الشعبية والتراث في المحتوى الإعلامي، لجعل الهوية جزءاً من الوعي اليومي للمواطن.
7- إنشاء مركز دراسات ثقافية وفنيّة وإعلامية جنوبية لرصد وتشخيص وتحليل الخطاب الحالي، ووضع سياسات تطويرية، وإطلاق برامج تدريبية مستدامة للكوادر الإعلامية، وتعزيز فهمها ومعرفتها بالمراحل المجيدة في تاريخ الثقافة والفنّ والإعلام في الجنوب.
8- إخضاع برامج اكتشاف المواهب الغنائية لإشراف لجان فنية متخصصة تضم خبراء الأصوات والمقامات ومخارج الحروف، بالتنسيق مع مكتب الثقافة بالعاصمة عدن، لضمان انتقاء مواهب حقيقية والارتقاء بالذائقة الفنية في المجتمع.
9- ردم الهوة بين الجيل الفني القديم والجديد من خلال الاهتمام بالجيل القديم ورعاية ودعم الجيل الجديد، وتشجيع الفنانين الجنوبيين لاسيما المبدعين الشباب في مختلف محافظات الجنوب وصقل مواهبهم الإبداعية، من خلال استعادة المعاهد الفنية والموسيقية الجنوبية وتفعيل دورها الريادي.
10- ترسيخ الهوية الموسيقية الجنوبية الذي تتميز بالتنوع، والانتشار والعمل الدؤوب لحمايتها وحفظها من الضياع، وتكثيف حضورها لصياغة وعي فني لدى الأجيال، وإحياء الأنشطة الفنية في مراحل التعليم العام، والجامعي,
11- مواجهة جميع أشكال التغريب الثقافي التي تطال هويتنا وثقافتنا الوطنية والاجتماعية، وتوجيه الأغنية الوطنية والعاطفية نحو محتوى ومضمون المواطنة المتساوية وتعزز اللحمة الوطنية الجنوبية.
12- يوصي الجميع بضرورة استعادة نشاط المسرح، وجعله حاضراً بقوة في المشهد الثقافي والفني والإعلامي، لمقاربة قضايا ومشكلات الواقع، ومعالجة إخفاقات الحاضر، واستشراف آفاق الحياة والمستقبل.
13- إنشاء مركز متخصص لأرشفة المواد الإعلامية التاريخية (الصحف، التسجيلات، الأفلام الوثائقية) وحفظها رقميًّا، والتعاون مع جامعات، ومراكز دراسات جنوبية مختصّة لإنشاء مكتبة رقمية للإعلام الجنوبي.
14- إطلاق مبادرات لتكريم الرواد الأحياء (مثل جوائز سنوية، أو إنتاج أفلام وثائقية عن سيرهم)، وتوثيق تجاربهم في كتب أو مقابلات مرئية أو عمل احتفالات سنوية للتذكير باحتفائهم بهدف غرس مبدأ الخلود في الذاكرة الجمعية الجنوبية، وضمان انتقال المعرفة للأجيال الجديدة.
15- تفعيل شراكات بين الجامعات ووسائل الإعلام لإنشاء برامج تدريبية (كالكتابة الصحفية، الإنتاج التلفزيوني) أو الشراكات مع منظمات دولية للتدريب على التقارير الاستقصائية والاستطلاعية، ودعم الأبحاث الأكاديمية التي تُقيّم الخطاب الإعلامي الجنوبي وتقترح حلولاً لتطويره.
16- الإسراع في إعادة رفد اتحاد أدباء وكتّاب الجنوب بموازنته الشهرية للأمانة العامّة وفروع المحافظات، واعتمادات المجلات الشهرية والإصدارات، بشكل مستدام، تلافيّاً للآثار السلبية الكبيرة التي اصابت المشهد الثقافي في الجنوب، وآثاره المباشرة على عدم استمرارية الأنشطة الثقافية، وتوقف بعض الإصدارات، وتعطّل مشاريع حيوية مثل اصدار الكتب والمجلات والأنشطة الثقافية وبرامج التدريبية.
17- دعم مشروع دار نشر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب ورفده بالتمويل، لاستكمال بنيتها التحتية المطبعية والتقنيّة والفنيّة والإدارية لما لها من دور في تمكين الكتّاب والنهوض بواقع النشر الجنوبي، وتوثيق الإنتاج الثقافي محليًا وعربيًا.
18- الإسراع في توثيق الذاكرة التاريخية لما قبل العام 1967م، وجعلها ضمن النسق العام للهوية الوطنية الجنوبية.
19- دعم مبادرات التدريب والتأهيل الأدبي، كتوسيع برنامج "الكاتب الجنوبي" وغيره من البرامج الثقافية، ليشمل دورات مستمرة للفروع وتدريب مشرفين ثقافيين محليين.
20- يوصي المشاركون – جميعاً – بضرورة وضع أسس وضوابط وقواعد للتعامل مع مخزوننا التراثي، وحمايته القانونية، من العبث، وخاصة تراث الرّواد الكبار والمخضرمين الكبار.
21- الإسراع في انتاج أفلام وثائقية تاريخية بتقنيات حديثة واحترافية، كونها لا تحتاج إلى تكاليف مادية باهضة.
22- ضرورة الاهتمام بنشر الدراسات والأبحاث التي تصدّت لمشروع اليمننة منذ مطلع الستينيات، ونشر الحقائق، وفضح محاولات تزييف حقائق التاريخ الجنوبي، وأحداثه الحسام.
23- الإسراع في استعادة دور ومكانة ورسالة المكتبة الوطنية بالعاصمة عدن، ورفدها بكل نتاجات المعرفة – محليّاً وخليجياً وعربياً وعالمياً.
24- خلق تواصل حضاري وثقافي وإنساني بين الوطن الجنوبي، والجاليات الجنوبية في كل أصقاع المعمورة.
25- التشديد على أهمية استعادة دور الأنشطة والبرامج والفعاليات اللاصفيّة في مراحل التعليم كافّة، وخاصة في مجالات المسرح والرسم والتراث الشعبي، والإنشاد الديني والغناء الفردي والإنشادي، والتقديم الإذاعي، وغير ذلك من الأنشطة المدرسية اللاصفيّة.
26- يشدد المشاركون – جميعاً – على ضرورة أن تقوم السلطة المحلية بالعاصمة عدن خاصة ومحافظات الجنوب عامة بتجريم وتحريم الاستيلاء والبناء في المواقع الأثرية أو في حرم المعالم التاريخية، حماية لذاكرة التاريخ، وأمجاد الأجيال عبر القرون.
27- ضرورة استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة المستخدمة اليوم في وسائط الميديا للتأثير على الأجيال الجديدة، فيما يخص التأصيل التاريخي للهويّة الجنوبية في ذاكرة الوطن.
تناولت الندوة خمس أوراق بحثية، جاءت على النحو الآتي: الورقة الأولى قُدّمت من نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، بعنوان: "الإعلام الجنوبي وتجذير الهوية الوطنية الجنوبية نحو خطاب هادف ونموذج إعلامي تنويري"، وقدّمها الدكتور أمين العلياني، تناولت الورقة السياق التاريخي لمرحلة ما بعد حرب 1994، وما تعرضت له الهوية الجنوبية من ضغوط سياسية وثقافية. كما ناقشت آليات إعادة صياغة الخطاب الإعلامي الجنوبي وتجذير الهوية الوطنية بروح جديدة ووعي حديث. وتوزعت محاور الورقة على أحد عشر محورًا تناولت مختلف الجوانب المرتبطة بالموضوع.
والورقة الثانية مقدمة من د. سعيد بايونس بعنوان: "استعادة الهوية الثقافية الجنوبية: الأغنية الجنوبية إذاعياً وتلفزيونياً أنموذجاً". وبين في ورقته إلى حالتين مرّ بهما الإعلام الجنوبي خلال تاريخه، موضحا أن إحداهما كانت ضارة بينما كانت الأخرى نافعة، كالحالة الأولى "اليمننة" حيث قسّمها في دراسته إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل طمس الهوية، ومرحلة طمس الهوية الجنوبية. فيما الحالة الثانية عرفها بالاتكاء على تجربة الإعلام الجنوبي والاستفادة منها. ودعا د. بايونس في ورقته إلى إعادة تشكيل لجان إجازة النصوص، وتكوين فرقة فنية خاصة بالإذاعة والتلفزيون، إلى جانب الحفاظ على الأرشيف الإعلامي الجنوبي وإعادة نشره وصناعته من جديد.
فيما جاءت الورقة الثالثة من قبل اتحاد أدباء وكتّاب الجنوب، بعنوان: "ريادة ثقافية ومشروع وطني" قدمتها رئيسة الدائرة الثقافية في الاتحاد، أعياد عامر. تناولت الورقة نشاط الاتحاد منذ بدء إعادة تشكيله خلال السنوات الخمس الماضية، وما تحقق خلال تلك الفترة من مكاسب ثقافية، تمثلت في إصدار عدد من المطبوعات عبر فروع الاتحاد المختلفة، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية في المجال الأدبي. كما تضمّنت الورقة عددًا من التوصيات، من بينها: السعي لإعادة تمويل الاتحاد بشكل مستدام ودعم مشروع دار النشر ورفده بالتمويل اللازم، فضلاً عن دعم مبادرات التدريب والتأهيل الأدبي، وتعزيز الشراكات المحلية والدولية. وختمت الورقة بالدعوة إلى تكثيف الجهود لدعم الاتحاد ليضطلع بدوره المحوري في ترسيخ الهوية الثقافية الجنوبية واستعادة الوعي الأدبي والوطني باعتبار ذلك ركيزة أساسية في مشروع بناء الوطن الجنوبي الجديد.
كانت الورقة الرابعة من تقديم الباحث صالح حسين الفردي، بعنوان: "تجذير وتعزيز الهوية الوطنية الجنوبية وتأصيلها التاريخي – تلفزيونياً وإذاعياً، مشروع رؤية" حيث سلّط الضوء على دور الإعلام الجنوبي، ممثلاً في قناة "عدن لايف" في مسيرة النضال الوطني، واستعرض خارطته البرامجية المتنوعة سياسيا وثقافيا وفنيا ودعويا.
وتناولت الورقة أيضًا مجمل المحاولات التي سعت إلى تهميش وإقصاء دور رواد الإعلام والثقافة في الجنوب، رغم عطائهم الإبداعي الكبير، داعية إلى إعادة توثيق الذاكرة الحيّة لتاريخ الثقافة والفن الجنوبي، كجزء من مشروع استعادة الهوية. وطالب الباحث في ورقة بحثه بضرورة إحياء ومناقشة قضايا ومشكلات الثقافة والفن والفكر في جغرافيا الجنوب، من منطلق وطني يهدف إلى خلق وعي نقدي وبناء، وأشار إلى أهمية إجراء تقويم منهجي للأداء الإعلامي لقناتي "عدن المستقلة" وإذاعة "هنا عدن" بما يضمن الارتقاء بالمحتوى وتعزيز المهنية والرسالة الوطنية.
أما الورقة الخامسة، فقد جاءت بعنوان "مكتب الثقافة.. طموحات وعقبات"، وقدمها مدير عام مكتب الثقافة بمحافظة عدن، أحمد صالح بن غودل. ودعا من خلالها الجهات العليا إلى الاهتمام بذوي الاختصاص في الإذاعة والتلفزيون، وذلك من خلال تعيين الكفاءات المناسبة في المواقع المناسبة والاستعانة بالخبرات الفنية التي خاضت تجارب ناجحة في إعداد وتنوع البرامج الفنية، كالسهرات واللقاءات الشهرية والفصلية. كما طالب في ورقته برفد مكتبة الإذاعة والتلفزيون بالمواد الثقافية سواء التراثية أو الشعبية إلى جانب الاهتمام بالأغاني الوطنية وتسجيل الأعمال الفنية المتنوعة من تراثية ووطنية والمسرحيات، وبضرورة الاهتمام بالمعالم الأثرية والتاريخية وتوثيقها، وحماية الإرث والموروث الثقافي. كما طالب بدعم معهد جميل غانم للفنون الجميلة من خلال توفير الإمكانات اللازمة لاستمراره، إلى الاهتمام بكبار المبدعين والرواد في مختلف المجالات وتحسين أوضاعهم المعيشية، وإعادة توثيق الأغاني والأعمال الفنية الوطنية والتراثية.
شهدت الندوة أجواءً حوارية تفاعلية ونقاشات تحليلية معمّقة، عكست مستوى الوعي الثقافي العالي لدى المشاركين، وحرصهم على طرح رؤى استراتيجية ومعالجات بنّاءة تسهم في بلورة مشروع ثقافي وطني جنوبي متكامل. وقد أكد المشاركون على أهمية توظيف الوسائل التقنية الحديثة لترسيخ الهوية الجنوبية في وعي الأجيال، وإحياء التراث الجنوبي بصيغ معاصرة تتناسب مع روح العصر، بما يعزز من التماسك الوطني ويصون الذاكرة الجمعية. كما شددوا على ضرورة البناء على مخرجات الندوة وتوصياتها، والاستفادة المثلى من الأوراق البحثية والمداخلات المقدّمة، باعتبارها تشكّل أرضية استراتيجية لانطلاق حراك ثقافي وفني وإعلامي مستقبلي يرسخ الهوية الوطنية الجنوبية ويحميها من التآكل والتزييف.
وفي ختام الندوة، صدرت جملة من التوصيات الهامة بلغ عددها 27 توصية، جاءت على النحو التالي:
1- يؤكد الجميع في هذه الندوة على أن جبهة الثقافة لا تقل أهمية عن الجبهة السياسية والعسكرية، كونها تشكّل العمق المعنوي والحضاري لأي مشروع وطني، وتلعب دورًا محوريًا في حماية الوعي، وتعزيز الانتماء، والتصدي لمحاولات طمس الهوية.
2- يشيد الجميع بالمبادرة التوثيقة التي قام بها مركز عدن للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، لتوثيقذاكرة الصحافة الجنوبيّة منذ أربعينيات القرن الماضي في كل محافظات الجنوب.
3- يقترح المشاركون والمشاركات على قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي إنشاء هيئة وطنية جنوبيّة للتربية والثقافة والعلوم، تنهض بدور كبير في بلورة المشروع الثقافي الوطني الجنوبي، وقواعد وأسس التنوّع الحضاري لكل محافظات الجنوب.
4- يشدد الجميع على ضرورة إجراء تقويم وتقييم حقيقي لكل ما أنجزته الهيئة الوطنية للإعلام والقطاع الإذاعي والتلفزيوني والدوائر الثقافية والإعلامية في المجلس الانتقالي، واتحاد أدباء وكتاب الجنوب، ونقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين والمؤسسات والمراكز الممولة من المجلس خلال الفترة الماضية، وتعزيز ودعم دور الناجحة منها، والعمل على تطوير أداء وتجاوز إخفاقات البعض الآخر.
5- يوصي المشاركون والمشاركات قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ودوائره المختصّة بالثقافة والإعلام، إلى ضرورة تبنّي مشروع ثقافي وإعلامي يعيد الاعتبار للهوية الجنوبية، ويؤسس لخطاب تلفزيوني وإذاعي تنويري يخاطب الواقع ويستشرف المستقبل، ويعمّق من دور ومكانة ورسالة الثقافة والفن والتراث بوصفها تمثل أضلاع الرئيسية للهوية الوطنيّة.
6- إبراز الرموز والأعلام الثقافية والفنية والإعلامية، وإعادة إحياء الموروث الثقافي وتقديمه بلغة معاصرة، وإدماج الفنون الشعبية والتراث في المحتوى الإعلامي، لجعل الهوية جزءاً من الوعي اليومي للمواطن.
7- إنشاء مركز دراسات ثقافية وفنيّة وإعلامية جنوبية لرصد وتشخيص وتحليل الخطاب الحالي، ووضع سياسات تطويرية، وإطلاق برامج تدريبية مستدامة للكوادر الإعلامية، وتعزيز فهمها ومعرفتها بالمراحل المجيدة في تاريخ الثقافة والفنّ والإعلام في الجنوب.
8- إخضاع برامج اكتشاف المواهب الغنائية لإشراف لجان فنية متخصصة تضم خبراء الأصوات والمقامات ومخارج الحروف، بالتنسيق مع مكتب الثقافة بالعاصمة عدن، لضمان انتقاء مواهب حقيقية والارتقاء بالذائقة الفنية في المجتمع.
9- ردم الهوة بين الجيل الفني القديم والجديد من خلال الاهتمام بالجيل القديم ورعاية ودعم الجيل الجديد، وتشجيع الفنانين الجنوبيين لاسيما المبدعين الشباب في مختلف محافظات الجنوب وصقل مواهبهم الإبداعية، من خلال استعادة المعاهد الفنية والموسيقية الجنوبية وتفعيل دورها الريادي.
10- ترسيخ الهوية الموسيقية الجنوبية الذي تتميز بالتنوع، والانتشار والعمل الدؤوب لحمايتها وحفظها من الضياع، وتكثيف حضورها لصياغة وعي فني لدى الأجيال، وإحياء الأنشطة الفنية في مراحل التعليم العام، والجامعي,
11- مواجهة جميع أشكال التغريب الثقافي التي تطال هويتنا وثقافتنا الوطنية والاجتماعية، وتوجيه الأغنية الوطنية والعاطفية نحو محتوى ومضمون المواطنة المتساوية وتعزز اللحمة الوطنية الجنوبية.
12- يوصي الجميع بضرورة استعادة نشاط المسرح، وجعله حاضراً بقوة في المشهد الثقافي والفني والإعلامي، لمقاربة قضايا ومشكلات الواقع، ومعالجة إخفاقات الحاضر، واستشراف آفاق الحياة والمستقبل.
13- إنشاء مركز متخصص لأرشفة المواد الإعلامية التاريخية (الصحف، التسجيلات، الأفلام الوثائقية) وحفظها رقميًّا، والتعاون مع جامعات، ومراكز دراسات جنوبية مختصّة لإنشاء مكتبة رقمية للإعلام الجنوبي.
14- إطلاق مبادرات لتكريم الرواد الأحياء (مثل جوائز سنوية، أو إنتاج أفلام وثائقية عن سيرهم)، وتوثيق تجاربهم في كتب أو مقابلات مرئية أو عمل احتفالات سنوية للتذكير باحتفائهم بهدف غرس مبدأ الخلود في الذاكرة الجمعية الجنوبية، وضمان انتقال المعرفة للأجيال الجديدة.
15- تفعيل شراكات بين الجامعات ووسائل الإعلام لإنشاء برامج تدريبية (كالكتابة الصحفية، الإنتاج التلفزيوني) أو الشراكات مع منظمات دولية للتدريب على التقارير الاستقصائية والاستطلاعية، ودعم الأبحاث الأكاديمية التي تُقيّم الخطاب الإعلامي الجنوبي وتقترح حلولاً لتطويره.
16- الإسراع في إعادة رفد اتحاد أدباء وكتّاب الجنوب بموازنته الشهرية للأمانة العامّة وفروع المحافظات، واعتمادات المجلات الشهرية والإصدارات، بشكل مستدام، تلافيّاً للآثار السلبية الكبيرة التي اصابت المشهد الثقافي في الجنوب، وآثاره المباشرة على عدم استمرارية الأنشطة الثقافية، وتوقف بعض الإصدارات، وتعطّل مشاريع حيوية مثل اصدار الكتب والمجلات والأنشطة الثقافية وبرامج التدريبية.
17- دعم مشروع دار نشر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب ورفده بالتمويل، لاستكمال بنيتها التحتية المطبعية والتقنيّة والفنيّة والإدارية لما لها من دور في تمكين الكتّاب والنهوض بواقع النشر الجنوبي، وتوثيق الإنتاج الثقافي محليًا وعربيًا.
18- الإسراع في توثيق الذاكرة التاريخية لما قبل العام 1967م، وجعلها ضمن النسق العام للهوية الوطنية الجنوبية.
19- دعم مبادرات التدريب والتأهيل الأدبي، كتوسيع برنامج "الكاتب الجنوبي" وغيره من البرامج الثقافية، ليشمل دورات مستمرة للفروع وتدريب مشرفين ثقافيين محليين.
20- يوصي المشاركون – جميعاً – بضرورة وضع أسس وضوابط وقواعد للتعامل مع مخزوننا التراثي، وحمايته القانونية، من العبث، وخاصة تراث الرّواد الكبار والمخضرمين الكبار.
21- الإسراع في انتاج أفلام وثائقية تاريخية بتقنيات حديثة واحترافية، كونها لا تحتاج إلى تكاليف مادية باهضة.
22- ضرورة الاهتمام بنشر الدراسات والأبحاث التي تصدّت لمشروع اليمننة منذ مطلع الستينيات، ونشر الحقائق، وفضح محاولات تزييف حقائق التاريخ الجنوبي، وأحداثه الحسام.
23- الإسراع في استعادة دور ومكانة ورسالة المكتبة الوطنية بالعاصمة عدن، ورفدها بكل نتاجات المعرفة – محليّاً وخليجياً وعربياً وعالمياً.
24- خلق تواصل حضاري وثقافي وإنساني بين الوطن الجنوبي، والجاليات الجنوبية في كل أصقاع المعمورة.
25- التشديد على أهمية استعادة دور الأنشطة والبرامج والفعاليات اللاصفيّة في مراحل التعليم كافّة، وخاصة في مجالات المسرح والرسم والتراث الشعبي، والإنشاد الديني والغناء الفردي والإنشادي، والتقديم الإذاعي، وغير ذلك من الأنشطة المدرسية اللاصفيّة.
26- يشدد المشاركون – جميعاً – على ضرورة أن تقوم السلطة المحلية بالعاصمة عدن خاصة ومحافظات الجنوب عامة بتجريم وتحريم الاستيلاء والبناء في المواقع الأثرية أو في حرم المعالم التاريخية، حماية لذاكرة التاريخ، وأمجاد الأجيال عبر القرون.
27- ضرورة استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة المستخدمة اليوم في وسائط الميديا للتأثير على الأجيال الجديدة، فيما يخص التأصيل التاريخي للهويّة الجنوبية في ذاكرة الوطن.