يبني الإنسان بيته في مكان يحتضنه، ويحيطه بشيء من الحب والرعاية، لكنه سرعان ما يدرك أن البيت ليس مجرد جدران وسقف. إنه موطن أعمق من ذلك، موطن القلوب التي تشعرنا بالانتماء، وترسم لنا حدود الأمان والسكينة. ولهذا يختار الإنسان أن يخصص أكبر غرف بيته لتجمّع الأحبة، حيث ترتاح القلوب، وتشعر الأرواح بالسعادة، وحينها يُبنى في حياتنا عالم جديد، عالم يعكس جمال العلاقة بين القلوب المتآلفة.

إنّ الوطن الحقيقي هو المكان الذي يجد فيه القلب راحته، والروح طمأنينتها. هو حيث نتقبَّل كما نحن، دون قلق أو تبرير. في هذا الوطن الروحي، تتحدث الأرواح بلغة الحب والتفاهم، فتتآلف القلوب بلا حاجة للكلمات، وتحتضن المواقف بصمت مهيب ينطق بالأمان.

الأحبّة هم الوطن، هم المرفأ الذي نلجأ إليه عندما تهبّ رياح الحياة. هم الجسور التي تعبر عليها أحلامنا، والسند الذي لا يتزعزع مهما تقلبت بنا الأيام. وما الوطن إلا قلوب نابضة بالحب والولاء، تتسع لتحتوي الجميع، وتُبنى فيها أسس العطاء والسلام.

ولكن الفخر الحقيقي لا يكون فقط لمن يحب وطنه، بل لمن تتسع محبته لتشمل العالم بأسره. لأن القلوب التي تتخطى حدود الأرض والجغرافيا، وتحتضن الإنسانية كلها بروح المحبة والخدمة، هي التي تبني أوطانًا حقيقية، حيث يعم السلام وتترابط الأرواح.

الوطن ليس مجرد رقعة أرض نعيش عليها، بل هو إحساس سامٍ يغمرنا، ومساحة روحية تعانق أرواحنا. إنه المكان الذي تتحرر فيه قلوبنا من قيود الغربة، ليصبح الوجود كله وطنًا نعيش فيه بمشاعر خالصة تتسم بالعطاء والمحبة.

وحين ترتاح القلوب، وتطمئن الأرواح، تنبثق السعادة التي تمنح حياتنا بُعدًا آخر، بُعدًا من النور المنبثقة من شمس الحقيقة الذي يجعلنا أكثر انسجامًا مع أنفسنا ومع العالم. فالوطن الحقيقي ليس في الأرض وحدها، بل في القلوب التي تحمل معاني الحب الصادق، والإخلاص الدائم، والولاء الذي لا يتزعزع.

فلنحب أوطاننا، ولكن لنرتقِ بمحبّتنا لتشمل العالم بأسره، ولنكن ركائز بنيان المحبة والصلح والعطاء في كل مكان نكون فيه، لأن الوطن الحقيقي هو ما تُقيمه الأرواح السامية، التي ترى في كل إنسان أخًا، وفي كل قلب موطنًا.

ودمتم في كنف الله سالمين مؤيدين.