> علوي بن سميط:
- "مانهاتن الصحراء" .. وجهة عالمية تتراجع بفعل الاختلالات الأمنية
- حضرموت.. من استقبال آلاف السياح إلى مجرد 75 زائرًا في ديسمبر
هذا التراجع اللافت لم يكن مجرد أرقام في تقارير، بل قصة حية لمجتمع محلي كان يعتمد على السياحة كمصدر رزق أساسي. وبينما يستمر عدد قليل من الزوار الشجعان في الوصول، يحمل هؤلاء السياح قصصًا وانطباعات تعكس جمال المنطقة وكرم سكانها، رغم كل التحديات. في هذا التقرير، نسلط الضوء على واقع السياحة في وادي حضرموت، وأصوات السياح الذين خاضوا الرحلة، والتحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي، في ظل الأوضاع الراهنة.

وتعد مدينة شبام ومدن وادي حضرموت الأخرى من أبرز المعالم السياحية في اليمن، بما تملكه من إرث حضاري ومعماري فريد، يجذب عشاق التاريخ والثقافة من جميع أنحاء العالم. إلا أن هذا المشهد تغير بشكل كبير منذ عام 2008، حيث شهدت أعداد السياح الأوروبيين تراجعًا ملحوظا، بعد أن أصدرت العديد من الدول تحذيرات لرعاياها بشأن السفر إلى اليمن. هذه التحذيرات جاءت نتيجة حوادث أمنية استهدفت السياح وقطاع السياحة بشكل عام، مما ألقى بظلاله على مدن مثل شبام، التي تُعد نقطة جذب رئيسية بفضل هندستها المعمارية المميزة ولقبها كـ"مانهاتن الصحراء".
في مثل هذه الأيام من شهر ديسمبر، كانت شوارع مدن تريم وشبام والهجرين تعج بالسياح الأجانب، خاصة في العام 2007، عندما سجلت المنطقة في أسبوع واحد فقط من نهاية ديسمبر وصول أكثر من 25 ألف سائح أوروبي. امتلأت الفنادق القليلة في المنطقة، بل اضطر بعض الزوار إلى الإقامة في مخيمات أقيمت في العراء. لكن مع نهاية 2008، بدأ مؤشر التراجع بالظهور بشكل واضح، إذ انخفض عدد السياح القادمين من أوروبا إلى 7670 فقط، ولم يبقَ نصفهم في المنطقة لأكثر من ثلاثة أيام.
استمرت الأرقام في الانخفاض خلال السنوات اللاحقة، حيث سجل عام 2010 وصول 540 سائحًا فقط طوال العام. أما في عام 2024، فقد بلغ عدد السياح الأجانب الذين زاروا المنطقة خلال الأشهر العشرة الأولى 320 سائحًا فقط، فيما لم يتجاوز العدد منذ بداية ديسمبر وحتى الآن (22 ديسمبر) 75 زائرًا، معظمهم من دول الاتحاد السوفيتي السابق، بالإضافة إلى خمسة سياح من الأمريكيتين.
ورغم هذه الأرقام المتواضعة، لا تزال حضرموت تحتفظ بجاذبيتها الفريدة بالنسبة للسياح القلائل الذين تمكنوا من زيارتها. رانابولوخوف، سائحة من مولدافيا، أعربت عن سعادتها بتحقيق حلمها بزيارة شبام، وهو حلم لطالما راودها منذ أيام دراستها الجامعية. من جانبه، أشاد السائح الكندي إم. كيه. روبرت بأجواء المنطقة، مشيرًا إلى الهدوء والطابع التراثي الذي يميزها. أما كارلوس فيوجوس، من الأرجنتين، فقد عبّر عن إعجابه العميق بحضارة الطين الفريدة في مدن حضرموت، منتقدًا ضعف الترويج السياحي في الخارج، وغياب الجهود الكافية لتوضيح استقرار المنطقة مقارنة بمناطق أخرى في اليمن.
وتظل السياحة في وادي حضرموت تواجه تحديات كبيرة، بين غياب التسويق الكافي وضعف الدعم الحكومي، رغم ما تتمتع به المنطقة من إمكانيات سياحية هائلة. ومع استمرار الظروف الراهنة، يبقى قطاع السياحة، الذي كان يومًا مصدر دخل كبير للخزينة الحكومية، في حالة من التراجع الحاد، مما يدعو إلى تكثيف الجهود لإنعاش هذا القطاع الحيوي.
ومع التراجع الكبير في أعداد السياح الذين يزورون وادي حضرموت ومدنه التاريخية، انعكست هذه الظاهرة بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي الذي كان يعتمد بشكل كبير على إيرادات السياحة. في سنوات الازدهار السياحي، كانت الفنادق، والمطاعم، والأسواق الشعبية تعج بالنشاط، مما وفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف السكان المحليين. إلا أن الانخفاض الحاد في أعداد الزوار منذ 2008 أدّى إلى خسائر اقتصادية كبيرة وأثر سلبي على مستويات الدخل في المنطقة.

ومع تقلص الطلب على الخدمات السياحية، ما أدى إلى فقدان العديد من العاملين في قطاعي الإرشاد السياحي والضيافة لمصادر دخلهم. الفنادق والمطاعم التي كانت تكتظ بالسياح في ديسمبر من كل عام باتت تعاني من ضعف الإشغال، مما دفع بعضها إلى الإغلاق أو تقليص عملياتها.
وكان السياح يمثلون شريان حياة للعديد من التجار في الأسواق الشعبية، حيث كانوا يشترون المصنوعات اليدوية والتحف التراثية. التراجع السياحي قلّص هذه المبيعات، مما أدى إلى ضعف النشاط الاقتصادي في هذه الأسواق.
في السابق، كانت السياحة تساهم في دعم خزينة الدولة من خلال الرسوم المفروضة على الدخول إلى المعالم التاريخية، والنشاطات السياحية، وخدمات النقل. التراجع الكبير في أعداد السياح أفقد الحكومة مصدرًا مهمًا للدخل، مما أثر على قدرتها على تمويل مشاريع التنمية المحلية.
وغياب السياح أثّر أيضًا على جذب الاستثمارات في قطاع السياحة والبنية التحتية. المشاريع السياحية التي كانت تُخطط لتوسيع الخدمات وبناء فنادق ومنتجعات جديدة توقفت، مما حال دون تطوير القطاع بما يتناسب مع إمكانيات المنطقة.
واضطر السكان المحليون إلى البحث عن مصادر دخل بديلة أقل استدامة، مثل العمل في الزراعة التقليدية أو التجارة البسيطة. إلا أن هذه البدائل لا تُعوض الفوائد الاقتصادية التي كان يوفرها قطاع السياحة.
وكانت السياحة تلعب دورًا مهمًّا في الحفاظ على التراث الثقافي والمعماري للمنطقة، إذ كانت العائدات تُستخدم في صيانة المعالم التاريخية. مع تراجع السياحة، أصبح تمويل هذه الجهود أكثر صعوبة، مما يهدد سلامة المواقع التاريخية.