> "الأيام" العرب اللندنية:

​تدور الكثير من التساؤلات حول سرّ نجاح الحوثيين في الحفاظ طيلة عشر سنوات على استقرار سلطتهم في مناطق يمنية شاسعة تضم قرابة العشرين مليونا من السكان لا تمثّل تلك الجماعة الطائفية من بينهم سوى أقلية، ولا توفّر حكومتها لهم ظروف عيش ملائمة، بينما تزّج بهم في حروب وصراعات يدفعون ضريبتها بشكل يومي مباشر رغم أنّهم لم يختاروها ولا يتوافقون مع أهدافها ودوافعها السياسية والأيديولوجوجية.

ولا يجد ذلك النجاح من تفسير منطقي له سوى في القبضة الحديدية التي يمسك بها الحوثيون مناطق سيطرتهم والبنية الأمنية والمخابراتية المحكمة والمتشعّبة التي أقاموها لتمارس أقسى أنواع القمع والترهيب ضدّ أي نفس معارض لهم وبمواجهة أي بوادر للغضب والتمرّد على سياساتهم.

وسلّط تقرير صادر عن مشروع مكافحة التطرف أعدّه الباحث الأمني المستقل آري هيستين وحرّر مقدمته السفير البريطاني السابق في اليمن إدموند فيتون براون الضوء على استخدام جماعة الحوثي لجهازها الاستخباراتي والأمني في ترويض السكان الذين يعلم الجميع مدى غضبهم المكتوم من الأوضاع التي يعيشونها.

وكشف التقرير عن جانب من تفاصيل الجرائم التي يرتكبها جهاز الأمن والمخابرات الحوثي “أس.آي.أس” بما في ذلك تعذيب المعتقلين وتجنيد الأطفال وتهريب الأسلحة والتعاون مع الجماعات الإرهابية.

وأشار إلى أن الجهاز يمارس انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان لم تستثن حتّى موظفي الإغاثة الإنسانية. وأورد في بعض تفاصيله أسماء مسؤولين حوثيين بارزين، من بينهم عبدالحكيم الخيواني رئيس جهاز المخابرات العامة ونائبه عبدالقادر الشامي، قال إنّهم أقاموا علاقات سرية مع تنظيم القاعدة بهدف استخدامه ضدّ خصوم جماعتهم في مناطق سيطرة السلطة الشرعية، ومن بينهم أيضا محمد الوشلي المشرف على حالات اختفاء قسري وتعذيب معتقلين.

وكتب السفير براون في مقدمة التقرير “لقد عملت سفيرا لبريطانيا في اليمن من عام 2015 إلى عام 2017 وكان لدي تعرض مكثف ومطول للحوثيين في سياق جولات متتالية من محادثات السلام اليمنية خلال تلك الفترة. وقد تعرفت على الطبيعة الخبيثة والغريبة للجماعة”.

وأضاف أنّ ميزة التقرير الجديد أنّه “يسلط الضوء على أظلم زاوية من جهاز القمع الحوثي، جهاز الأمن والمخابرات الذي يدير سرا بعض أنشطة الحوثيين الأكثر حساسية وفظاعة”، مؤكّدا أن الجهاز “متورط في دفع القاصرين إلى التطرف.. ويهرب الأسلحة ويجنّد ويتجسس ويقتل ويدير اتصالات مع الجماعات الإرهابية.”

وبشأن الجهاز نفسه ورد في التقرير أنّ “المخابرات الحوثية احتجزت وقتلت موظفين في منظمات إنسانية وعطلت المساعدات الإنسانية وحولتها لمصلحتها واستهدفت أفرادا أبلغوا عن انتهاكات لحقوق الإنسان وعذبت المنتقدين والأقليات الدينية واستولت على أصول المعارضين السياسيين.”

وتم تشكيل جهاز الأمن والمخابرات الحوثي من خلال دمج منظمتين موجودتين سلفا هما مكتب الأمن السياسي ومكتب الأمن القومي، وهو ما قد يفسر، وفق تقرير هيستين، سبب امتلاكه اليوم لمثل هذا التفويض الواسع.

ولتحقيق الغاية من الجهاز، يقول هيستين “إنّ جهاز الأمن والمخابرات يستخدم القليل من الجزر والكثير من العصي”، فعلى الصعيد المحلي، تتضمن مسؤولياته تعزيز التجنيد العسكري في صفوف الحوثيين وحقن أيديولوجية الجماعة في النظام التعليمي ووسائل الإعلام وتوزيع الضروريات على شرائح مفضلة من السكان، والإشراف على مشاريع البنية التحتية التي تموّل الكثير منها المنظمات الإنسانية الدولية، وتعزيز عودة اليمنيين النازحين الذين فروا من الحوثيين، وتنظيم الأحداث الدينية والسياسية الحوثية والمشاركة فيها. أما الأنشطة القمعية المباشرة للجهاز ضد معارضي الجماعة فتشمل الاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل.

ولدعم آلتهم القمعية أسس الحوثيون منظمة جديدة تُعرف باسم استخبارات الشرطة ويقودها علي حسين الحوثي ابن مؤسس الجماعة حسين الحوثي وابن شقيق الزعيم الحالي عبدالملك الحوثي. ونقل التقرير عن مصادر محلية قولها إنّ مهمة الجهاز الجديد تتمثّل في التخصص بقمع المعارضة العامة كي تتفرّغ المخابرات والأمن الوطني لمعالجة التهديدات الأكثر حدة للنظام.

ولا يقتصر نشاط وكالة الاستخبارات والأمن الداخلي على مناطق سيطرة الحوثيين ولكنّه يمتد إلى مناطق سيطرة ونفوذ خصومهم بهدف تقويض سلطاتهم هناك وخلخلة استقرار المناطق بتهريب الأسلحة ونشر المخبرين والتعاون مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

وحدّد التقرير مجالات رئيسية لنشاط الوكالة من بينها المشاركة في قضايا الأمن الداخلي ومراقبة الاقتصاد المحلي والسيطرة عليه والإشراف على الأنشطة الاقتصادية الغامضة للحوثيين في الخارج والتي تشمل غسيل الأموال وشراء الأسلحة.