إن شعب الجنوب يعيش أسوأ وأقسى مرحلة في تاريخ حياته لم يسبق لها مثيلاً، فقرا مدقعا وعوزا وفاقه ومجاعة حقيقية، وهناك هبوط مستمر للعملة المحلية وارتفاع مستمر للدولار والأسعار بصورة عامة وموظفو الخدمة المدنية والمؤسسات العسكرية والأمنية بدون مرتبات من شهرين مضت حتى الآن.

في ظل أوضاع كهذه جاء الإعلان عن منحة مالية سعودية وقدرها 500 مليون دولار منها 200 مليون دولار لدعم الموازنة العامة لإعادة الاعتبار للعملة المحلية ولهبوط أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والأدوية والمحروقات وغيرها من متطلبات العيش والحياة الأخرى والمضي في برنامج الإصلاح المالي والإداري ومكافحة الفساد وفقاً لخلاصة ما قاله رئيس الوزراء أحمد مبارك ونشرته صحيفة "الأيام" بعددها يوم السبت 28 ديسمبر الحالي، وفي هذا الإطار فإن الثُّقب الأسود (منبع وبؤرة الفساد) هو صرف مرتبات وعلاوات وما في حكم ذلك للقيادات العليا وما دونهم من وزراء ونواب وزراء ووكلاء وربما وكلاء مساعدون في الوزارات وربما أيضاً هيئات أخرى كهيئة التشاور والتصالح بالدولار، وكذلك صرف إعاشة شهرية لمن هم في الخارج بأعداد كبيرة ومبالغ ضخمة وبالدولار، وحاصل الجمع بين ما يصرف في الداخل والخارج مبالغ ضخمة وبالدولار، وبالتالي فإن استمرار هذه البؤرة دون ردمها سيلتهم المنحة السعودية وغيرها من الموارد الأخرى أيضاً وقد لا تؤدي المنحة السعودية غرضها المطلوب والمعلن عنه، وفي مطلق الأحوال فإن مكافحة الفساد -بحسب ابن مبارك- تبدأ من عند هذه النقطة بالذات إن كانت هناك مصداقية وما عدا ذلك ليس مجرد استهلاك للوقت وحسب.

إن التعويل للتصدي لهذه المهمة -آنفة الذكر- المرتبطة بحياة الناس ومعيشتهم وخدماتهم العامة وانتظام صرف مرتبات الموظفين على قيادة المجلس الانتقالي إذ هو التصدي سيضاعف من التفاف شعب الجنوب حولها ومن إعادة الثقة والاطمئنان إلى النفوس وستكون ثمار فائدتها على المجلس الانتقالي بصورة عامة أضعاف ثمار التواصل والتوعية السياسية (إشباع البطون قبل توعية العقول)، وفي السياق هناك من يتشكك في اضطلاع الانتقالي في التصدي لهذه المهمة ومصدر تشككه أن من قيادات الانتقالي من هم مشاركون في عضوية تلك الهيئات وفي الحكومة ونواب وزراء ووكلاء وربما وكلاء مساعدون وبقية هيئات أخرى في مجلس النواب أيضاً، غير أن تشككهم هذا مردود عليه بأن المجلس الانتقالي هو كيان/ مؤسسة وليس مجرد أشخاص وأن على رأسه قيادة حكيمة ومستوعبة ممثلة بفخامة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي تستحق من شعب الجنوب الثقة والالتفاف والتقدير والاحترام لكل الجهود المبذولة على طريق استعادة الدولة الجنوبية كاملة الحرية والسيادة والاستقلال على حدود ما قبل 21 مايو 1990م.