على مشارف العام الجديد رحلت عن دنيانا الكاتبة والصحفية المصرية الكبيرة نفيسة الصريطي، فجر الأحد المنصرم الموافق 29 ديسمبر وكان رحيلها فاجعة لنا.

رحلت الإنسانة العظيمة التي ارتبطت بالصحفية الرائدة العدنية ماهية نجيب رحمها الله بعلاقة صداقة، قلما نجدها في يومنا هذا، إذ استمرت أواصر العلاقة الوشيجة بين الصريطي وأسرتها وأبناء وبنات الفقيدة ماهية، حتى بعد رحيل والدتهم، وهذه هي قمة الوفاء والصدق والإخلاص.

كانت الصريطي الأم الرؤوم لأبناء وبنات صديقتها الراحلة، إذ كانوا يعتبرونها أمهم الثانية، يأخذون مشورتها في أمورهم الشخصية والعائلية ودائماً بيتها بيتهم في القاهرة، لذلك لم يستطع محمد نجيب (ابن ماهية نجيب) إلا أن يكون إلى جانب صديقه أيمن ابن أمه الثانية أثناء مرضها حتى ارتقاء روحها إلى بارئها.

ومحمد نجيب الذي يعد اليوم أحد الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين في بلادنا، كان قد درس جزءا من المرحلة الجامعية في الجامعة الأمريكية في مصر، زميلاً وصديقاً لسامح الصريطي الأخ الأصغر للفقيدة والذي أصبح من أبرز الفنانين المصريين الذين أثروا الساحة الفنية المصرية والعربية بالأعمال الجادة والواقعية منذ مستهل السبعينيات.

تعرفتُ على السيدة نفيسة الصريطي خلال إعدادي لكتابي عن الصحفية الرائدة ماهية نجيب الذي صدرت طبعته الأولى منه عام 2005م، كان لقائي الأول بها في القاهرة ببيتها القديم في مدينة نصر، حيث أمطرتني بسيل من المعلومات عن علاقتها بماهية نجيب وأسرتها وعن المؤتمر الأول لنساء آسيا وأفريقيا عام 1961م والذي كان محطة تعارفهما وهو المؤتمر الذي توج بحضور الزعيم جمال عبد الناصر، ثم كنت كلما أحل في أرض الكنانة كان لا بد من زيارة السيدة العظيمة أم الوفاء نفيسة الصريطي، كان واجباً أؤديه وإلا لا معنى لوجودي في القاهرة دون زيارتها.

نفيسة الصريطي امرأة يستهويك الجلوس معها، ففي حديثها الممتع نفحات من الزمن الجميل المعتق بأبرز منعطفاته التاريخية، وتلتمس في معاملتها كرم وسخاء الإنسان المصري الأصيل. كيف لي ألا أحب هذه المرأة العظيمة التي كانت تحرص على السؤال عني وعن أسرتي وعن عدن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت آخر رسالة منها كلمات راقية نثرتها في قصاصة صغيرة، مازلت أحتفظ بها وبالهدية المتواضعة منها الغالية عليّ التي حملها لي أخي محمد نجيب قبل أشهر بعد عودته من القاهرة.

أحبت السيدة نفيسة الصريطي عدن قبل أن تزورها من خلال صديقة عمرها ماهية نجيب في مراسلاتهما المتبادلة حين كانت تمدها بالمواد الصحفية من مصر لتنشرها في مجلتها (فتاة شمسان) التي أسستها في عدن في الأول من يناير عام 1960م، حتى قيض الله لها بزيارة عدن لأول مرة في أواخر شهر رمضان المبارك عام 2005م، لتحتفل بعيد الفطر المبارك مع أسرة صديقتها.

تميزت السيدة نفيسة الصريطي في كتاباتها الصحفية التنويرية في حقبة الستينيات والسبعينيات بالدعوة إلى تحرير المرأة المصرية وخاصة الريفية من التقاليد البالية التي تكبلها والانطلاق نحو آفاق جديدة والتسلح بالتعليم والانخراط في العمل المنتج ومشاركة الرجل في صنع حياة جديدة في مصر، إبان ثورة التغيير بقيادة الزعيم العروبي جمال عبدالناصر، وكتبت الصريطي في الجانب الثقافي والاجتماعي وحقوق الانسان عموماً، وذلك في صحيفة (الجمهورية) المصرية التي كانت تعمل فيها كمحررة صحفية.

إن أشد ما يحزنني أنني لم أجد الفرصة المواتية لأجري مع السيدة نفيسة الصريطي لقاءً صحفياً ضافياً عن سيرتها الذاتية ومسيرتها الصحفية والتحديات التي تجاوزتها خاصة أنها نبتة أسرة محافظة، سيظل حزني جرحاً غائراً ما حييت.

وداعاً سيدة الوفاء والمحبة أيتها الأرومة التي لا تموت ذكراها وإن رحل الجسد.