> أحمد حافظ:

​لم يكن سلاح حركة حماس عنصرا على جدول أعمال القمة العربية التي عقدت في القاهرة، ولم تتعرض الحركة لضغوط من أجل ذلك، كما أن النقاش تركز على الخطة المصرية في الجوانب المالية والتنفيذية وتشكيل لجنة لإدارة المرحلة الانتقالية خاصة بعد أن سهّلت حماس على القمة مهمتها بأن أعلنت عدم رغبتها في حكم المرحلة القادمة بغزة أو المشاركة فيه.

وقال الخبير الإستراتيجي والقائد العسكري السابق بالجيش المصري اللواء سمير فرج في حوار مع “العرب” إن “هناك دولا عربية تتحفظ على فكرة أن تُلقي حماس سلاحها،” رافضا ذكر الأسماء، لكنه كشف أيضا عن وجود دول عربية أخرى اقترحت على حماس أن تمارس مهام المعارضة من خلال السياسة بعيدا عن السلاح، وإذا لم يتحقق الغرض من المعارضة السلمية يمكن أن تعود إلى العمل المسلح.

وحول خيارات مصر للتعامل مع حماس قال اللواء سمير فرج إن “العملية صعبة للغاية، والقاهرة لن تتدخل وحدها للضغط على حماس للقبول بحل عقلاني خاص بملف السلاح، ومن الضروري أن تتحرك القاهرة في هذا الملف بتوحد عربي لإقناع الحركة بالمزيد من المرونة، ومن المهم عدم إثارة مشكلة السلاح علانية في هذا التوقيت كي لا تتفجر أزمة أكبر“.

ويظهر كلام اللواء فرج أن الأولوية في القمة كان تبني الخطة المصرية كمبادرة هادفة بالأساس إلى وقف خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنع فكرة تهجير الفلسطينيين وتوزيعهم على دول المنطقة لما سيكون له من تأثيرات سياسية واجتماعية.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بخطة ترامب، التي كانت ورقة ضغط أكثر منها خطة واقعية يمكن تنفيذها ولو على مراحل. وبالتالي فإن ترك موضوع السلاح معلقا سيكون أحد العناصر المعرقلة للخطة المصرية في ضوء تمسك إسرائيل بموقفها بضرورة تفكيك سلاح حماس.

والمشكلة الأخرى وفق اللواء فرج، الخبير العسكري المقرب من السلطة في مصر، أن إدارة ترامب تترقب ما ستؤول إليه الضغوط العربية على حماس، وسيكون ملف السلاح التحدي الحقيقي أمام الخطة المصرية، لكن موقف حماس يتوقف على مستوى الضغط الواقع على الحركة من الدول العربية كلها، وليس القاهرة فقط، لذلك يعتقد فرج أن وجود تفاوت في وجهات النظر حول ملف سلاح حماس، مشكلة مركبة.

ودخلت الإدارة الأميركية في اتصالات مباشرة مع حماس مؤخرا، وهناك من رأى أن ذلك بداية لتهميش دور القاهرة والدوحة في المفاوضات، لكن اللواء فرج قال إن تواصل واشنطن مع حماس لم يكن بعيدا عن التنسيق مع مصر وقطر، لأنهما تريدان تثبيت وقف إطلاق النار، وترامب يعنيه الإفراج عن الأسرى الأميركيين ولو خالف كل الأعراف.

وأشار سمير فرج في حديثه لـ”العرب” أن قبول حماس بالتواصل المباشر مع واشنطن في جزء منه إزعاج إسرائيل، فهي لا تتخيل أن حليفها الأول يتكلم مع حماس دون وسيط، وتخشى أن ينقلب عليها ترامب يوما ما، معقبا “ترامب يريد أن يحصل على جائزة نوبل للسلام، وسيفعلها، ولن يدخل في حروب، والقاهرة لديها قراءة جيدة لما يدور في كواليس إدارته“.

وتُماطل حماس في تسليم الأسرى الأميركيين لكسب المزيد من الوقت والحصول على مكتسبات أكبر، كأن تتوقف الحرب لفترة طويلة مقابل خروج الرهائن الذين تتفاوض حولهم واشنطن مع الحركة، وقال فرج “حماس تريد وقف الحرب بأيّ شكل لأنها وصلت إلى مرحلة الاستنزاف وإسرائيل أيضا، لكن حماس لا تملك سوى ورقة الرهائن“.

وأكد الخبير العسكري المصري أن تحريض القادة الإسرائيليين مؤخرا ضد الجيش المصري يعكس حجم الاستنزاف الذي وصل إليه جيشهم بسبب غزة وتداعياتها، معقبا “يريدون إقناع الداخل الإسرائيلي بوجود خطر دائم من ناحية سيناء، كي تستمر ثقافة الحرب، ويثيرون الكلام عن جيش مصر وخطورته كي لا يُحاسبوا إذا عاد الهدوء“.

ويخوض الجيش الإسرائيلي حربا عشوائية أنهكته معنويا وعسكريا، وفي نفس التوقيت يتدرب الجيش المصري دفاعا وهجوما وردعا، والتوقيت الراهن للجيش الإسرائيلي يشبه تلك الفترة التي عاصرها الجيش المصري في اليمن من قبل، ووقتها عاد منهكا، ولذلك تتخوف إسرائيل المنهكة من جيش مصر في توقيت دقيق.

وحول سبب تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بعدم السماح لمصر بتهديد اتفاقية السلام، قال اللواء فرج إن إسرائيل اكتشفت نجاح مصر في مضاعفة قدراتها العسكرية بسيناء دون أن تخالف اتفاقية السلام، ويحاولون تشويه القوة المصرية وحشد دعم أميركي ضدها، بلا جدوى، فالخلاف مع ترامب كرئيس لأميركا لا يعني أبدا أن الاتصالات بين القاهرة وواشنطن منقطعة، فهناك تنسيق عسكري ودبلوماسي كبير.

وأوحى تأكيد المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بأن الخطة العربية حول مستقبل قطاع غزة تتضمّن عناصر جاذبة وتعكس نوايا طيبة، حيث أن مصر نجحت في فرملة مقترح تهجير الفلسطينيين، وأوجدت قاعدة لتقريب وجهات النظر وما يمكن قبوله أو رفضه من الجانبين.

ويمكن القول إن ملف التهجير أُغلق من جانب الدول العربية، وقارب على الغلق داخل الإدارة الأميركية، ومصر تتعامل على هذا الأساس، وأهم ما يميز الخطة أنها أول رد فعل واقعي أحرج مقترح ترامب بحجة أن تعمير غزة يتطلب تهجير الفلسطينيين.

ووفق اللواء فرج، المحاضر بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية بالقاهرة، خلال حواره مع “العرب”، أن القيمة الحقيقة للخطة المصرية، كيف يمكن أن تضع مقترحا عمليا أمام آخر غير واقعي ثم تتفاوض على بنوده، وهذا ما حدث، حيث بدت الإدارة الأميركية مرتبكة نسبيا في رفض الخطة أو قبولها، لأن فيها تفاصيل كثيرة مهمّة وحيوية يمكن البناء عليها للأفضل، وفي نفس الوقت يصعب رفضها أو تهميشها.

وأكد أن واشنطن لم ترفض الخطة المصرية – العربية، ولم تناقشها بالتفصيل كي لا تتورط في إظهار الدعم لها، وهذا ذكاء من إدارة ترامب، لكن ما يدور في الكواليس وما يثار من نقاشات واتصالات يشير إلى وجود مرونة أميركية للتعامل مع الخطة.

وبناء عليه، فإن إدارة ترامب لم ترفض مخرجات القمة العربية بشكل مطلق لأنها وضعت أمام العالم رأيا عربيا غير الذي سوّق له ترامب وحاولت إسرائيل فرضه.

ويمكن ملاحظة التغير في موقف ترامب من التمسك بتهجير الفلسطينيين دون نقاش، إلى الصمت شبه التام وعدم التطرق إلى الملف لفترة من أجل قراءة ردة الفعل العربي، ثم تلويح مسؤولين أميركيين بأن الخطة بها نقاط يمكن البناء عليها، وهذا في حد ذاته تغير كبير يشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت تتقبل غزة دون تهجير، بحسب فرج.

ويصنف اللواء سمير فرج بأنه من أكثر الخبراء العسكريين المقربين من النظام المصري، وهو أحد العارفين ببواطن الأمور ومفاتيح القرار، ويملك قاعدة علاقات قوية داخل أجهزة السلطة.

وقال فرج إن وجود وفد حماس بالقاهرة حاليا للتفاوض حول المرحلة المقبلة من اتفاق وقف إطلاق النار هو جزء من التنسيق المصري – الأميركي بشأن مستقبل غزة وإن بدا أن هناك ما يسير عكس ذلك بسبب الآلية التي اعتاد ترامب أن يسوّق بها لخطة التهجير، وفي الغرف المغلقة توجد مشاورات لن تصل بعلاقات البلدين إلى الصدام.

وأوضح أن مشكلة ترامب أنه تعامل مع مصر بمنطق تجاري، بالتهديد بقطع المساعدات أو تقديم عروض سخية وصلت حد التعهد بإسقاط الديون للقبول بالتهجير، وكان الرفض المصري صادما، لأن لغة المال لم تصلح، لكن الموقف لم يكن مفاجئا للدوائر الاستخباراتية والعسكرية الأميركية بحكم العلاقات الإستراتيجية مع مصر.

ولفت إلى أن “أميركا لا يمكن أن تخسر مصر، والمنظومة لا تتحرك بشكل فردي، والبنتاغون والسي آي إيه لديهما كلمة عليا في القضايا الحيوية، وأميركا لا تقوم بعمل عسكري في المنطقة دون موافقة مبدئية من مصر، وقيل لترامب صراحة لا تخسرها كي لا نخسر الشرق الأوسط“.

وقال فرج، الذي قضى في الولايات المتحدة فترة طويلة خلال عمله بالجيش المصري، إن واشنطن كمؤسسات عسكرية ودبلوماسية واستخباراتية تتعامل مع القاهرة كحليف إستراتيجي ولو كان رئيس أميركا في خلاف حاد معها، معقبا “هذا تدركه مصر وتتحرك على أساسه وتمضي واثقة من تنفيذ خطتها تجاه غزة ولو ببعض التعديلات“.
عن "العرب اللندنية"