> مقديشو "الأيام" العرب:

​في الوقت الذي يُركز فيه النقاش حول الانتشار الأميركي العالمي على عمليات الانسحاب والتقليص التدريجي يبدو أن الولايات المتحدة تتخذ نهجا معاكسا في الصومال.

وكان شهر فبراير شهرا حافلا بالنشاط للقيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وفي الأول من فبراير، شنّت أفريكوم غارات جوية استهدفت فرعا محليا لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في جبال جوليس النائية شمال الصومال.

وأعلنت أفريكوم لاحقا أن الغارات الجوية نجحت في قتل هدفها الرئيسي: أحمد ماء العينين، أحد مُجنّدي داعش ومموليها وقائدها المسؤول عن نشر الجهاديين في الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي أعقاب تلك الضربة، شُنّت سلسلة من الضربات ضد حركة الشباب (فرع من تنظيم القاعدة) وداعش في الصومال، مما وضع المنطقة في صدارة الأنشطة العسكرية النشطة للإدارة الأميركية الجديدة.

ويقول ألكسندر تريب، المدير المساعد لمركز أفريقيا في المجلس الأطلسي، في تقرير نشره المعهد إن الصومال يتصدر التحركات العسكرية الأميركية النشطة على نحو غير متوقع.

وقد فاجأ هذا النهج البعض، ويعود ذلك جزئيا إلى سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب 700 جندي أميركي من الصومال خلال ولايته الأولى. لكن هذا التحول لا ينبغي أن يكون صادما لهذه الدرجة. فهو يُظهر فهما أوسع لواقع جديد هو أن مكافحة الإرهاب عالميا تبدأ من أفريقيا.

وتتصدر أفريقيا طليعة الحرب على الإرهاب؛ ففي عام 2024 وحده، سجّل الاتحاد الأفريقي، وفقا للتقارير، أكثر من 3400 هجوم إرهابي و13900 حالة وفاة ناجمة عنها في القارة.

وما يحدث في القارة يؤثر على العالم أجمع، والصومال على وجه الخصوص مثالٌ مؤسف على ذلك.

وعلى سبيل المثال، يظهر داعش في الصومال كيف أصبحت الجماعات الإرهابية راسخة في القارة. فمنذ انفصالها عن حركة الشباب عام 2015، شهد الفرع الصومالي لداعش نموا هائلا.

وأفادت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) أن حجم الجماعة تضاعف في العام الماضي فقط.

وعلاوة على ذلك، لا تزال الشائعات مستمرة بأن عبدالقادر مؤمن، زعيم داعش في الصومال، والذي يُقال إنه أصبح الزعيم العالمي لداعش عام 2023، نجا من ضربة أميركية العام الماضي.

ورغم عدم تأكيده، فإن مجرد احتمال أن يكون زعيم داعش ليس من أصل عربي ومقره في أفريقيا يدل على مدى التداخل بين الإرهاب والقارة.

ولا يقتصر تورط الجماعات الإرهابية في القارة بأيّ حال من الأحوال على الصومال. فمن منطقة البحيرات الكبرى في وسط أفريقيا إلى موزمبيق، تنتشر الجماعات الإرهابية وكذلك ممولوها.

ومع ذلك، لا يوجد مكان تنتشر فيه الجماعات الإرهابية أكثر من منطقة الساحل، حيث تتوسع وتتعزز منذ سنوات مجموعة من الجماعات، بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب أفريقيا، وبوكو حرام، وغيرها و تتخذ من منطقة الساحل موطنا لها، بل إنها تتقاتل فيما بينها على الأرض والسلطة.

وفي السنوات القليلة الماضية، أدت سلسلة من الانقلابات إلى إقصاء الديمقراطيات من منطقة الساحل، وسعت إلى استبدال الدعم الأميركي والأوروبي بمرتزقة روس. لكن، كما لوحظ في جميع أنحاء المنطقة، فإن الدعم الروسي له حدود صارمة.

وعلى سبيل المثال، في مالي – حيث لجأ القادة إلى روسيا طلبا للدعم العسكري – استولى جهاديو القاعدة لفترة وجيزة على مطار باماكو العام الماضي، والتقطوا صورا مع الطائرة الرئاسية.

وحتى بعيدا عن بؤرة التوتر في منطقة الساحل، تجلّت حدود دعم المرتزقة الروس في موزمبيق، حيث سُحبت مجموعة فاغنر من عملية استهدفت حركة الشباب بعد مقتل اثني عشر مرتزقا. ومع تغير هذه الديناميكية الأوسع في منطقة الساحل، لا تزال الجماعات الجهادية تكتسب نفوذا.

ويتوقع خبراء أمنيون زيادة الاهتمام الأميركي بأفريقيا من منظور مكافحة الإرهاب.

ومما عُرض حتى الآن، تبدو تكتيكات الولايات المتحدة قوية للغاية لكن هناك تساؤلات: هل سيشمل هذا الاهتمام التقارب مع المجالس العسكرية في منطقة الساحل؟

وعند دراسة التقارب، من المؤكد أن إدارة ترامب ستتذكر دروس كمين تونغو عام 2017 في النيجر، والذي هوجمت فيه مهمة أميركية – نيجرية مشتركة كانت تلاحق زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، مما أسفر عن مقتل أربعة جنود من القوات الخاصة الأميركية. وفي ذلك الوقت، كان الكمين أعنف هجوم ضد الجيش الأميركي في أفريقيا منذ عقود.

وفي السنوات الأخيرة، تركز الاهتمام العالمي على أوروبا الشرقية والصراع في الشرق الأوسط بدلا من الصراعات الأفريقية. ومع ذلك، مع ترسيخ الإرهاب الدولي والجماعات الجهادية الآن في القارة وسعيها لتحقيق طموحات عالمية تتجاوز اقتطاع أراضٍ في أفريقيا – مما يمثل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة وحلفائها – فإن الاهتمام ضروري.

وفي الوقت الذي يُركز فيه النقاش حول الانتشار الأميركي العالمي على عمليات الانسحاب والتقليص التدريجي، تتخذ المناقشات حول الوجود الأميركي في أفريقيا اتجاها معاكسا.

وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، الذي شملت زيارته الخارجية الأولى قاعدة أفريكوم في ألمانيا، “أفريقيا هي بالفعل خطوط المواجهة في قتال الإسلاميين.. لن نسمح لهم بالحفاظ على موطئ قدم، وخاصة لمحاولة ضرب الولايات المتحدة.”

وفي اجتماع مع قادة أفريكوم، وقّع هيجسيث توجيها يُخفف القيود والرقابة التنفيذية على الغارات الجوية الأميركية الأجنبية ونشر قوات الكوماندوز الأميركية.

ومن المرجح أن تكون الغارات الجوية التي شُنّت في الصومال الشهر الماضي الأولى من سلسلة غارات أخرى.

وبينما يتردد العديد من المحللين في تخمين ما ستفعله هذه الإدارة الأميركية على صعيد الشؤون الخارجية، تبقى الحقيقة أن مكافحة الإرهاب في العصر الحديث تتطلب تحركا في أفريقيا.