> واشنطن "الأيام" العرب اللندنية:

​عزز الخطاب المشترك الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الكونغرس في الرابع من مارس أجندته السياسية الداخلية المثيرة للجدل والمزعزعة للاستقرار، مشيرا إلى انطلاقة قوية رغم احتمال إغلاق الحكومة الأميركية في وقت لاحق من هذا الشهر. أما السياسة الخارجية، بما في ذلك نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط، فكانت في معظمها مجرد أفكار ثانوية.

ورغم أنه لم يشر إليها كثيرا في خطابه، إلا أن فريق ترامب واصل صياغة سياسته تجاه الشرق الأوسط، بما في ذلك التحرك لدعم نهج الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه القضايا الفلسطينية، وإرسال المزيد من الإشارات المتضاربة بشأن جبهة السياسة الإيرانية المهمة.

ويقول بريان كاتوليس، وهو زميل أول في معهد الشرق الأوسط، في تقرير نشره المعهد إن في هاتين القضيتين المتشابكتين، العلاقات الإسرائيلية – العربية وإيران، واللتين تتشابكان بطرق غالبا ما تكون غير معترف بها في دوائر السياسة الأميركية، تتبع إدارة ترامب نهجا غير منتظم قد لا يُحقق الاستقرار والازدهار اللذين تسعى إليهما.

وكما هو الحال مع أجندته السياسية الداخلية، تشير الدلائل الأولية إلى أن ترامب غير مهتم بتشكيل تحالفات دائمة ومستدامة لإنجاز أمور كبيرة في الشرق الأوسط.

وبدلا من ذلك، يسعى إلى انتهاج طريقته الخاصة لزعزعة الوضع الراهن، مما يُرهق التحالفات والشراكات الأميركية التقليدية بشكل متزايد حتى يصل إلى نقطة الانهيار، فالتحدي الرئيسي الذي يواجه هذا النهج هو أن هدم الأشياء أسهل بكثير من إعادة بنائها.
  • السياسة الخارجية لا تزال تتشكل
يمضي ترامب وفريقه قدما في نهج شامل جديد للسياسة الخارجية يعطي الأولوية للضغط على الشركاء القدامى والمنافسين على حد سواء وإجبارهم على تقديم تنازلات (يبدو نهج ترامب أحيانا أكثر صرامة مع الشركاء) أو تجاهلهم تماما، وهي تكتيكات ستؤثر حتما على إستراتيجيته المتطورة في الشرق الأوسط.

ومؤخرا، كان العنوان الرئيسي هو خلاف في المكتب البيضاوي بين ترامب ونائبه جيه دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مما أدى إلى تعليق الولايات المتحدة للمساعدات العسكرية والتعاون الاستخباراتي مع أوكرانيا، حتى مع استمرار روسيا في هجومها غير المبرر على البلاد.

وكان الحدث الأبرز الثاني في السياسة الخارجية للأسبوع قبل الماضي هو تنفيذ ترامب لتهديداته بفرض رسوم جمركية على أهم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، كندا والمكسيك والصين، من بين دول أخرى.

وتُمثل هذه الخطوة تحولا جذريا عن السياسة الاقتصادية العالمية الأميركية الراسخة التي ركزت على خفض الحواجز التجارية.

وبينما يقود ترامب الولايات المتحدة إلى آفاق جديدة بموقفه الاقتصادي القومي الأحادي، فإن هذا التحول سيؤثر حتما على علاقات الولايات المتحدة مع شركائها الرئيسيين في الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول ذات الاقتصادات الكبيرة المترابطة مع بقية العالم، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.
  • الإجماع في الشرق الأوسط
إن القضية الأكثر إلحاحا بالنسبة لإدارة ترامب والشرق الأوسط هي مسألة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فإذا تجددت الحرب على هذه الجبهة، فإن رؤى ترامب الكبرى لاتفاق تطبيع إسرائيلي – سعودي وتكامل إقليمي أوسع ستصبح احتمالا أبعد مما هي عليه اليوم.

وفي نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، اتفقت إسرائيل وحماس على اتفاق وقف إطلاق نار من ثلاث مراحل، مع إنجاز بعض الخطوات الرئيسية من قبل الإدارتين الأميركيتين المنتهية ولايتهما والقادمة بالتنسيق مع مصر وقطر.

وصُممت هذه الاتفاقية لتمهيد الطريق نحو سلام أوسع، لكن الخطة شهدت ظهور بعض العقبات الرئيسية مع انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق.

ووفقا لخارطة الطريق الأولية للاتفاق، حددت المرحلة الأولى (التي انتهت في بداية مارس) نسب الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل الإفراج عن السجناء الفلسطينيين، وألزمت بزيادة دخول المساعدات الإنسانية، ودعت إلى انسحاب عسكري جزئي لإسرائيل من غزة.

وكان من المقرر التفاوض على المرحلة الثانية (التي تنتهي في أبريل) خلال تنفيذ المرحلة الأولى. وستشهد هذه المرحلة عودة جميع الرهائن الذكور مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، واستعادة هدوء مستدام في غزة. كما ستشهد انسحابا كاملا للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

وأما المرحلة الثالثة (التي تنتهي في مايو)، فستحدد شكل الحكم في غزة بعد الحرب، وتفرض إعادة جثث الرهائن الإسرائيليين المتوفين، وفتح المعابر الحدودية، وتقديم خطة إعادة إعمار تمتد من 3 إلى 5 سنوات بإشراف عدد من الدول والمنظمات، بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة.

ولم تحرز المفاوضات بشأن المرحلة الثانية أي تقدم، ولم يحقق فريق ترامب أي تقدم حتى الآن في هذا المأزق.

وفي الوقت نفسه، انخرط في قناة دبلوماسية سرية مع حماس في محاولة للإفراج عن الرهائن الأميركيين المحتجزين في غزة.

وقطعت الحكومة الإسرائيلية المساعدات عن غزة، في خطوة تهدف إلى الضغط على حماس لقبول مطالب إسرائيل، وقد تكون لهذا عواقب وخيمة على الملايين من الفلسطينيين الذين يعتمدون على هذه المساعدات.

وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل شنّ عمليات عسكرية واسعة النطاق تُهجّر الفلسطينيين في الضفة الغربية، في وقت تشير فيه بعض المؤشرات إلى احتمال اتخاذ إسرائيل خطوات نحو ضمّ الأراضي.

وكان الحدث الأبرز الآخر على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية مؤخرا هو انعقاد قمة عربية رئيسية في القاهرة، حيث أعادت الدول العربية الرائدة تأكيد التزامها بحل الدولتين، وقدّمت خطة مفصلة لإنعاش غزة وإعادة إعمارها وتنميتها.

وكان ردّ فعل إدارة ترامب الأول هو رفض هذه الخطة، معتبرة أنها غير واقعية ولا تعالج بشكل كاف مسألة حماس، الجماعة الفلسطينية التي بدأت هذه الحرب الأخيرة ولا تزال تسيطر على أجزاء رئيسية من قطاع غزة.

ويبدو أن السياسة الأميركية مستعدة لمضاعفة دعمها لإسرائيل وإجراءات الحكومة الحالية، حتى في ظلّ افتقار إسرائيل إلى نتيجة واضحة مُحدّدة لسياستها على المدى البعيد.
وبدأت إدارة ترامب ولايتها الثانية بالسماح بالإفراج عن قنابل زنة 2000 رطل كانت محتجزة سابقا في الخامس والعشرين من يناير 2025.

وأعقبت هذه الخطوات إجراءات إضافية، منها: إخطار الكونغرس في السابع من فبراير بخطط بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 7.4 مليار دولار تقريبا والموافقة على صفقتي بيع رئيسيتين إضافيتين في الثامن والعشرين من فبراير: 2.04 مليار دولار للقنابل والرؤوس الحربية الخارقة، و675.7 مليون دولار للذخائر ومجموعات التوجيه، مع التنازل عن متطلبات مراجعة الكونغرس بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة.

ويشير مجموع هذه الخطوات إلى تحول في اتجاه منح الحكومة الحالية في إسرائيل دعما غير مقيد أكثر مما كانت عليه في عهد إدارة بايدن.

وقد يعود ترامب إلى نهج ولايته الأولى على الجبهة الفلسطينية، وهو شكل من أشكال “الضغط الأقصى” وعزل السلطة الفلسطينية ومعظم الشعب الفلسطيني. وربما لا يكون من قبيل المصادفة أن تبدو هذه الطريقة مشابهة إلى حد كبير للطريقة التي يتشكل بها نهجه في التعامل مع أوكرانيا.
  • الساحة الأوسع
لا تزال علاقة هذه التحركات بقضايا السياسة الخارجية الأوسع التي تواجه الشرق الأوسط غامضة، لاسيما في حالة إيران.

وفي وقت سابق قبل أسبوعين، أفادت التقارير بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق على مساعدة ترامب في التوسط في محادثات مع طهران بشأن برنامجها النووي.

ولا أحد يخمن ما إذا كان هذا سيؤدي إلى مسار دبلوماسي فعلي لمعالجة طموحات إيران النووية، ناهيك عن المخاوف الأمنية الإقليمية الأوسع التي لا تزال تساور العديد من شركاء الولايات المتحدة بشأن الجمهورية الإسلامية.

وفي غضون ذلك، يبدو أحد جوانب نهج إدارة ترامب الغامض تجاه الشرق الأوسط لا يتوافق مع بعض شركاء الولايات المتحدة القدامى في المنطقة. وقد يطارده هذا الأمر.

ويرى كاتوليس أن هذه هي الدول نفسها التي سيحتاجها لبناء نفوذ كاف على إيران إذا أراد تجاوز تكتيكات “الضغط الأقصى” أو إذا سعى إلى حشد دعم كاف لتقديم خطط براغماتية على الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية.

وفي الوقت الحالي، انتهجت إدارة ترامب نهجا سيمنعها من بناء أوسع تحالف ممكن في الشرق الأوسط لمعالجة القضية الإسرائيلية – الفلسطينية وإيران، ما يُضعف مكانة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم بدلا من تعزيزها.