> عدن «الأيام» خاص:

في 14 يوليو 2015م، الموافق 27 رمضان 1436هـ، شهدت العاصمة الجنوبية عدن حدثًا مفصليًّا في تاريخ الحرب التي اندلعت في اليمن عام 2014م.. حدث هو الأول على مستوى المنطقة العربية والإقليم، حيث حرر رجال المقاومة الجنوبية عاصمتهم عدن من سيطرة جماعة الحوثي والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح، وسُجل الحدث كأول انكسار للمشروع الفارسي في المنطقة. لكن اللافت في هذه المعركة كان الدور البطولي للسكان المدنيين، الذين تحولوا من مواطنين عاديين إلى مقاتلين دافعوا بشراسة عن مدينتهم، مُشكلين نموذجًا فريدًا للمقاومة الشعبية في سياق الصراعات الحديثة.

قبل التحرير، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م، ثم توسعوا جنوبًا نحو عدن بحلول مارس 2015م، مما دفع الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى نقل مقر حكومته إلى المدينة. تصاعدت المواجهات مع دخول التحالف العربي بقيادة السعودية في 26 مارس 2015م، ضمن عملية "عاصفة الحزم"، لدعم الشرعية اليمنية، ومع ذلك، واجهت القوات الحكومية والتحالف مقاومة شرسة من الحوثيين، ما جعل تحرير عدن مهمة معقدة دون مشاركة مجتمعية فاعلة.
  • المدنيون تحولوا إلى مقاتلين
شعر سكان عدن بأن احتلال المدينة من قبل قوات خارجية (الحوثيين) يُهدد هويتهم وثقافتهم الجنوبية، فتحول الدفاع عن الأرض إلى واجب مقدس، خاصة في شهر رمضان. وكان انهيار المؤسسات العسكرية الحكومية في عدن دفعًا للمدنيين لتنظيم أنفسهم في مجموعات مقاومة محلية، عُرفت بـ"المقاومة الشعبية"، تضم شبابًا وأكاديميين وحتى موظفين حكوميين.

حصلت المقاومة على دعم لوجستي من التحالف العربي، لكن التكاتف المجتمعي كان العامل الأبرز، حيث قدم السكان الطعام والملجأ للمقاتلين، وشاركوا في صناعة العبوات البدائية، ضف إلى ذلك أن الحرب جاءت في شهر رمضان، مما أعطى دفعة معنوية للسكان، حيث ارتبطت المعركة بقيم الجهاد والدفاع عن الأرض في الوعي الجمعي.
  • أشكال المشاركة المدنية
المقاومة المسلحة: تشكلت من فرق مقاتلة مثل "أبناء عدن" و"الحزام الأمني"، نفذت عمليات كمائن وهجمات مفاجئة ضد مواقع الحوثيين.

الدعم اللوجستي: نسقت النساء والأطفال جهود الإغاثة، ونقل الإمدادات الطبية، وإصلاح الأسلحة.

الحرب الإعلامية: استخدم النشطاء وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار المعارك وتحريض السكان على المقاومة.
  • دور السلفيين
برز دور التيارات السلفية الجنوبية بشكل لافت خلال معركة تحرير عدن عام 2015م، حيث انخرطت مجموعات سلفية مدعومة من تحالف تقوده الإمارات العربية المتحدة في المواجهات ضد الحوثيين. كانت هذه المجموعات جزءًا من النسيج الاجتماعي العدني، لكنها اكتسبت زخمًا عسكريًّا وسياسيًّا خلال الحرب، لتصبح لاحقًا نواةً لتشكيلات عسكرية نظامية مثل ألوية العمالقة الجنوبية".

مع انهيار الجيش اليمني النظامي، وجد السلفيون الجنوبيون أنفسهم في طليعة المقاومة الشعبية، مستغلين تنظيمهم الدعوي السابق لبناء هياكل عسكرية.

- قاد بعض المشايخ السلفيين، مثل الشيخ أبو زرعة المحرمي، عمليات عسكرية ضد الحوثيين في عدن، مستندين إلى خطاب ديني يجمع بين الدفاع عن الأرض ومقاومة ما وصفوه بـ"التمدد الشيعي".
  • التطور إلى ألوية عسكرية نظامية
تحولت المجموعات السلفية بعد تحرير عدن إلى قوة عسكرية منظمة تحت مسمى "ألوية العمالقة"، بدعم إماراتي مباشر، وباتت تُعتبر أحد أبرز الفصائل المقاتلة في الساحل الغربي، وشملت أدوارها:

تحرير باب المندب (2018): سيطرت الألوية على المضيق الاستراتيجي بعد معارك شرسة، مما عزز موقع التحالف العربي في الساحل الغربي.

التقدم نحو الحديدة: وصلت قوات العمالقة إلى أطراف مدينة الحديدة أواخر 2018م، لكن الضغوط الدولية - خاصة اتفاق ستوكهولم ديسمبر 2018- أوقفت تقدمها، خوفًا من تصاعد الأزمة الإنسانية.
  • التحديات والمعاناة الإنسانية
واجه المقاتلون المدنيون تحديات جسيمة، منها:

نقص الأسلحة الحديثة مقابل تفوق الحوثيين في العتاد.

تدمير البنية التحتية للمدينة، وتضرر المستشفيات والمنازل.

سقوط مئات الضحايا المدنيين، ناهيك عن النزوح الداخلي.
  • النتائج وتأثير التحرير
عسكريًّا: كان تحرير عدن نقطة تحول في الحرب، حيث مهد الطريق لاستعادة مناطق جنوبية أخرى، وأصبحت المدينة مقرًا للحكومة اليمنية المؤقتة.

سياسيًّا: أعاد التكاتف الشعبي إحياء الهوية العدنية كرمز للمقاومة، ورسخ دور المجتمع المدني في الصراعات.

إنسانيًّا: رغم الفرحة بالتحرير، خلّفت المعارك جراحًا عميقة، مع استمرار الأزمة الإنسانية في اليمن.

يقول القيادي وأحد رجال التحرير عبدالرحمن شيخ "في الذكرى العاشرة لتحرير عاصمتنا الحبيبة عدن وما حولها في السابع والعشرين من رمضان نتقدم بأصدق التحايا لكل من ساهم وقدم الغالي والنفيس في هذا النصر الكبير والتحرير الناجز وفي طليعتهم أشرف الرجال الذين ارتقوا في سبيل الله دفاعًا عن الدين والأرض والعرض ولم يساوموا ولم يقايضوا ولم يبدلوا تبديلا".

ويضيف شيخ "لن ننسى آلاف الجرحى الذين قدموا دماءهم وأجسادهم رخيصة في الذود عن دينهم وأرضهم وشعبهم ولا يفوتنا ذكر أسرانا المحررين ومن تبقى منهم في الأسر".

وتابع "سيخلد التاريخ كل الرجال والنساء والشيوخ والأطفال في عدن الحبيبة الذين بذلوا النفس والجهد والمال من أجل طرد المعتدين وتحرير عدن ومحيطها وكل شبر من الوطن من دنس المليشيات الحوثية وأنصارهم والطابور الخامس الذين خانوا عدن في أصعب اللحظات وساهموا في غزوها وحصارها وقصفها وارتكاب المجازر المروعة في بحر المعلا وفي دارسعد وحي حاشد في مدينة المنصورة وقصف المصافي في البريقة.

وكما لا يفوتنا أن نسجل أسمى معاني العرفان والشكر للمقاومة الشريفة قيادة وأفرادا ومجلسها الموقر الذي تشكل في عاصمتنا الحبيبة عدن أثناء غزو الحوثي وشركاءه حيث قام مجلس المقاومة بكل الأعباء العسكرية من حيث ترتيب الجبهات وتوفير السلاح والذخيرة والتغذية وتشكيل غرفة العمليات المركزية في المنصورة في مدرسة 22مايو.

وقام مجلس المقاومة بضبط الحالة الأمنية ومطاردة الخلايا التخريبية وإحباط تحركات الطابور الخامس والقبض على الكثير من العملاء وأسر أعدادًا كبيرة من ضباط وجنود مليشيا الحوثي وحلفاءهم.

كما قام مجلس المقاومة بتسيير حياة الناس وتوفير كافة الخدمات بالحد المتاح في ظل أجواء الحصار الذي فرضته مليشيا الحوثي وأنصارها".

واختتم "تحية للمقاومة ومجلسها الذي حل نفسه بعد التحرير وسلم كل السلطات والمعسكرات والمواقع التي حررها وسيطر عليها للتحالف العربي ولقيادة الشرعية ولم يساوم ولم يقايض للحصول على مكاسب شخصية كما يفعل البعض.

كما نتقدم بالشكر والتقدير بالأصالة عن نفسي ونيابة عن رجال المقاومة وعن كل أبناء عدن وبقية المحافظات المحررة لأشقائنا الكرام في دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لدعمهم ومساندتهم في صد العدوان الغادر لمليشيا الحوثي وشركائه وتقديمهم يد العون والمساعدة لنا بالرجال والعتاد والمال وفي كافة النواحي العسكرية والإغاثية والإنسانية.

وتأكيدنا على أن شراكتنا مع الأشقاء في التحالف العربي هي شراكة استراتيجية سلمًا وحربًا

وفي الختام سيبقى الجنوب جنوبا..

وسيبقى اجتثاث الفساد والطابور الخامس معركتنا الكبرى حتى تظل عدن موطن الشرفاء الأنقياء ولن يضرها فساد ورجس العابرين.

وستبقى المقاومة مبدأ لا يثبت عليه إلا الأبطال".

من جانبه يقول عدنان الكاف، وهو أحد رجال المقاومة وقادة الحراك "إن الذكرى العاشرة لتحرير عدن، تأتي في ظل ظروف صعبة تعانيها المدينة وأهلها، الذين قدموا الشهداء والجرحى من أجل أن تبقى عدن بيد أهلها".

وأضاف "بعد عشر سنوات من التحرير يتلفت أهل المدينة ولا يرون إلا الفساد العريض من حولهم، وهم عندما حملوا السلاح للدفاع عن مدينتهم لم يكن لأجل غرض أو مغنم، ولكنهم لبوا واجب الدفاع المقدس، واستطاعوا بإسناد ودعم من قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن يقدموا صورة نصر مختلط بدماء أبطال عدن الحقيقيين الذين لم يعد أحد يعرفهم وتم استبدالهم بآخرين لا تعرفهم عدن ولا يعرفونها إلا بالقدر الذي ينهبون من خيراتها أو التعامل معها كجسر عبور لمطامع لا تمت بأي هدف ذهب الشهداء والجرحى من أجله.

حماك الله يا عدن ومهما طال سواد الليل فالفجر قادم بإذن الله".
  • ختاما
ذكرى تحرير عدن ليست مجرد انتصار عسكري، بل هي شهادة على إرادة شعب رفض الخنوع، وتحول المدنيون إلى مقاتلين هذا يعكس قوة التماسك المجتمعي في مواجهة التحديات، لكنه يذكرنا أيضًا بثمن الحرب الباهظ اليوم، وبعد 10 سنوات، تظل عدن رمزًا للمقاومة والأمل.