> السفير د. محمد قباطي:

سؤال محوري يفرض نفسه اليوم في أروقة صناع القرار، ومراكز التحليل الاستراتيجي، وفي وجدان الرأي العام اليمني: هل تمثل الضربات الجوية الأمريكية المستمرة ضد ميليشيا الحوثي مجرد خطوة احتوائية، أم أنها تشكل تمهيدًا مدروسًا لفرصة تاريخية تمكّن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من استعادة زمام المبادرة والسيادة على كامل التراب الوطني؟.

للوهلة الأولى، تشير كثافة ودقة هذه الضربات إلى موقف دولي حازم ضد التهديدات الحوثية المتزايدة لأمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر. غير أن ما يتجاوز هذا البعد التكتيكي هو بروز فرصة استراتيجية عميقة قد تمكّن القوات الشرعية من استعادة السيطرة على المشهد اليمني.

بينما يرى البعض في غياب التنسيق الميداني دليلاً على غياب الرؤية، فإن قراءة أكثر واقعية توحي بأن ما يحدث هو ضبط محسوب للإيقاع من قبل الجيش اليمني. ليس تأخر التحرك نتيجة ضعف، بل تعبير عن صبر استراتيجي، في انتظار أن تُستنزف قدرات الحوثيين تدريجياً تحت وطأة الضربات المتكررة، ويبدو أن القوات الشرعية، المدعومة من التحالف العربي والمسنودة بتنامي التململ الدولي من التصعيد الحوثي، تترقب لحظة أنسب -عسكريًا وإقليميًا ودبلوماسيًا- لشن هجوم حاسم.
  • السيناريو الأول: هجوم مدروس قائم على صبر استراتيجي
في هذا السيناريو، تستثمر الحكومة اليمنية تآكل قدرات الحوثيين لشن عملية برية منسقة تستعيد من خلالها المدن الاستراتيجية، وتفكك البنية العسكرية للمليشيا، وتعيد بناء مؤسسات الدولة. ويعتمد هذا المسار على توحيد الصف الوطني، وتنشيط الدعم الإقليمي، وتأمين ضمانات دولية واضحة لمرحلة ما بعد النزاع. وإذا تم تنفيذه بكفاءة، فقد يشكل هذا الهجوم نقطة التحول التي انتظرها اليمنيون طويلًا.
  • السيناريو الثاني: تسوية سياسية مشروطة بقوة الشرعية
في حال أجبرت الضغوط المستمرة الحوثيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، فإن شروط التفاوض هذه المرة قد تتغير جذريًا. فلن يكون الحوثي في موقع القوة كما في جولات سابقة، بل سيكون أمام مشهد تفاوضي أكثر توازنًا، تقوده الحكومة المعترف بها دوليًا من موقع قوة وثقة، بما يضمن أن أي اتفاق مستقبلي يحفظ السيادة، ويفرض نزع السلاح، ويعيد الاعتبار للمؤسسات الشرعية.

بالنسبة للمحللين الإقليميين، تشكل هذه المرحلة لحظة محورية. فالموقف الأمريكي الحالي يُلمح إلى تحوّل من إدارة الأزمات إلى خلق بيئة للتغيير الحقيقي. أما بالنسبة لصناع القرار، فهي فرصة نادرة لدعم انتقال يمني تقوده الشرعية، بما يتماشى مع ضرورات الأمن الإقليمي. وللرأي العام اليمني، الذي أنهكته سنوات الحرب والانقسام، فإن هذه اللحظة تلوح كأمل حقيقي - شريطة أن تتحلى القيادات الوطنية بالرؤية والجرأة لاقتناصها.

في نهاية المطاف، بقاء ميليشيا الحوثي ليس قدرًا محتوما. فمسارها بات محكوماً بضغط خارجي واستنزاف داخلي. وإذا تمكنت المؤسسات اليمنية الشرعية من توحيد الاستعداد العسكري مع البصيرة السياسية، فقد تُسجّل هذه المرحلة ليس كحلقة جديدة من إدارة الأزمة، بل كبداية لاستعادة سيادة وطن وإنهاء دوامة الميليشيا.