> فتحي أحمد:
جولة المفاوضات غير المباشرة بين ممثلين عن إيران وممثلين عن الولايات المتحدة التي جرت في العاصمة العمانية مسقط، تركزت حول ملف إيران النووي والعدول عن تصنيع سلاح نووي. ووصفت هذه الجولة بالبناءة، على أن تستأنف في العاصمة الإيطالية روما بعد أسبوع.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد إيران في حال لم تستجب لطلبه ومضت في إنتاج القنبلة النووية، فإن الخيار العسكري سيكون هو الفصل بينهما. وهذا ما نبه إليه أيضًا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيسا السلطة القضائية والبرلمان، الذين أبلغوا المرشد الأعلى علي خامنئي أن رفض التفاوض مع الولايات المتحدة، أو فشله، سيؤدي إلى تعرض المواقع النووية الإيرانية لضربات عسكرية. لهذا جاءت موافقة المرشد الأعلى على عقد مفاوضات مع الجانب الأميركي في مسقط.
لطالما اتَّسمت العلاقة بين إسرائيل وإيران بالعداء، وكان هناك الكثير من المواجهات بين الطرفين منذ عقود. لكن العام الماضي شهد تصعيدًا غير مسبوق في مستوى التوترات بينهما. فبعد تحذيرات إسرائيلية متكررة وجهت لإيران بسبب دعمها لجماعات في الشرق الأوسط تُعرف بـ”محور المقاومة”، والتي تشكل تهديدًا لإسرائيل، وقع هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر. هذا الهجوم جاء بعد سنوات من دعم إيران لحماس بالأسلحة والموارد، إلى جانب دعم حزب الله في لبنان، والميليشيات المسلحة في سوريا والعراق، والحوثيين في اليمن، الأمر الذي زاد من توسع نفوذ إيران في المنطقة بشكل كبير. ثم قامت هذه الجماعات المدعومة من إيران بالانضمام بدرجات متفاوتة إلى المعركة التي تخوضها حماس ضد إسرائيل، مما فتح جبهات جديدة تعين على إسرائيل مواجهتها.
بواقعية، وبكل صراحة، إيران دون قنبلة نووية هي السبيل لبناء شبكة علاقات طبيعية مبنية على المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. وهذا ليس بعيدًا عن الواقع، ولدينا تجربة في عمق العلاقات بينهما زمن الشاه. فرغم تصلب موقف المرشد الأعلى وإعلانه المتكرر العداء لأميركا وإسرائيل، إلا أنه استجاب لنصائح الرئيس الإيراني. وهذا يثبت سهولة إقناع خامنئي بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الوفد الأميركي.
إذًا، ماذا يريد الطرفان من بعضهما؟ كل جهة لها مطالبها؛ الولايات المتحدة تروم عدم حيازة إيران للسلاح النووي، وذلك حفاظًا على إسرائيل من التهديدات الإيرانية، وأن تبقى طهران ضمن الدول التي لا تعصي أوامر ترامب، وتقول سمعًا وطاعة. لهذا يدرك الرئيس بزشكيان خطورة التطورات السياسية وطبيعة الثوابت الأميركية في تنفيذ سياسة الضغط الأقصى. ويسعى إلى اعتماد مبدأ مفهوم العمق الإستراتيجي وتحديد آفاقه ومداه في الداخل الإيراني، مستعيضًا عن سياسة إيران التي كانت تضع العمق الإستراتيجي أداة لتنفيذ مشروعها السياسي الإقليمي خارج حدودها الجغرافية. ويرى أن العمق الداخلي هو الأهم لبقاء وديمومة النظام، باعتماد خطط وبرامج تنموية واقتصادية لحل الأزمات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الإيراني، وأن يكون الحل السياسي بالحوار مع واشنطن هو الطريق الأول لتنفيذ سياسة العمق الداخلي. فأيّ تقارب أميركي – إيراني يصب في مصلحته. إلا أن إسرائيل، كعادتها، لا تثق بأحد، حتى أقرب الناس إليها، وهي الولايات المتحدة.
باختصار، أستبعد نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران. كما قلت في مقالات سابقة، فإن طهران لها مصالح مع واشنطن، والعكس صحيح أيضًا. ولكن، لا يوجد في المخيلة الأميركية شيء اسمه القضاء على إيران والتخلص منها. فالتهديد الإيراني للمنطقة ودول الجوار تدعمه الولايات المتحدة، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية والعسكرية.
في النهاية، إيران سوف ترضخ لمطالب ترامب، وسوف تقلل من دعمها لأذرعها في لبنان والعراق وفلسطين، وإن أبقت على شعرة معاوية ممدودة معهم. بهذا يكون الرئيس الأميركي قد صاد أكثر من عصفور بحجر واحد؛ تبديد حلم إيران النووية، وفصل الساحات، والدخول في علاقات تجارية مع طهران.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد إيران في حال لم تستجب لطلبه ومضت في إنتاج القنبلة النووية، فإن الخيار العسكري سيكون هو الفصل بينهما. وهذا ما نبه إليه أيضًا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيسا السلطة القضائية والبرلمان، الذين أبلغوا المرشد الأعلى علي خامنئي أن رفض التفاوض مع الولايات المتحدة، أو فشله، سيؤدي إلى تعرض المواقع النووية الإيرانية لضربات عسكرية. لهذا جاءت موافقة المرشد الأعلى على عقد مفاوضات مع الجانب الأميركي في مسقط.
الجمهورية الإسلامية تبحث عن مخرج تحمي به نفسها من ضربات أميركية وإسرائيلية، وذلك من أجل الحفاظ على ما أنجزته في السنوات الماضية في مجال التصنيع النووي السلمي. وفي هذه الحالة، تكون قد تركت أذرعها في المنطقة في “حيص بيص” من أمرها. المهم أن يسلم رأس إيران، وتحافظ على تموضعها في الجوار الذي تطمع في بسط نفوذها عليه.
لكن هذا لا يتم في ظل إلحاح إسرائيلي. فإسرائيل تريد إنهاء الفكرة الإيرانية، والمتمثلة في العداء الإيراني لها فوق الطاولة، فضلًا عن الدخول معها في حلول تفضي في النهاية إلى سلام اقتصادي وتطبيع، وأن تبقى خارج قرارات التأثير في الإقليم.
لطالما اتَّسمت العلاقة بين إسرائيل وإيران بالعداء، وكان هناك الكثير من المواجهات بين الطرفين منذ عقود. لكن العام الماضي شهد تصعيدًا غير مسبوق في مستوى التوترات بينهما. فبعد تحذيرات إسرائيلية متكررة وجهت لإيران بسبب دعمها لجماعات في الشرق الأوسط تُعرف بـ”محور المقاومة”، والتي تشكل تهديدًا لإسرائيل، وقع هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر. هذا الهجوم جاء بعد سنوات من دعم إيران لحماس بالأسلحة والموارد، إلى جانب دعم حزب الله في لبنان، والميليشيات المسلحة في سوريا والعراق، والحوثيين في اليمن، الأمر الذي زاد من توسع نفوذ إيران في المنطقة بشكل كبير. ثم قامت هذه الجماعات المدعومة من إيران بالانضمام بدرجات متفاوتة إلى المعركة التي تخوضها حماس ضد إسرائيل، مما فتح جبهات جديدة تعين على إسرائيل مواجهتها.
بواقعية، وبكل صراحة، إيران دون قنبلة نووية هي السبيل لبناء شبكة علاقات طبيعية مبنية على المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. وهذا ليس بعيدًا عن الواقع، ولدينا تجربة في عمق العلاقات بينهما زمن الشاه. فرغم تصلب موقف المرشد الأعلى وإعلانه المتكرر العداء لأميركا وإسرائيل، إلا أنه استجاب لنصائح الرئيس الإيراني. وهذا يثبت سهولة إقناع خامنئي بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الوفد الأميركي.
إذًا، ماذا يريد الطرفان من بعضهما؟ كل جهة لها مطالبها؛ الولايات المتحدة تروم عدم حيازة إيران للسلاح النووي، وذلك حفاظًا على إسرائيل من التهديدات الإيرانية، وأن تبقى طهران ضمن الدول التي لا تعصي أوامر ترامب، وتقول سمعًا وطاعة. لهذا يدرك الرئيس بزشكيان خطورة التطورات السياسية وطبيعة الثوابت الأميركية في تنفيذ سياسة الضغط الأقصى. ويسعى إلى اعتماد مبدأ مفهوم العمق الإستراتيجي وتحديد آفاقه ومداه في الداخل الإيراني، مستعيضًا عن سياسة إيران التي كانت تضع العمق الإستراتيجي أداة لتنفيذ مشروعها السياسي الإقليمي خارج حدودها الجغرافية. ويرى أن العمق الداخلي هو الأهم لبقاء وديمومة النظام، باعتماد خطط وبرامج تنموية واقتصادية لحل الأزمات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الإيراني، وأن يكون الحل السياسي بالحوار مع واشنطن هو الطريق الأول لتنفيذ سياسة العمق الداخلي. فأيّ تقارب أميركي – إيراني يصب في مصلحته. إلا أن إسرائيل، كعادتها، لا تثق بأحد، حتى أقرب الناس إليها، وهي الولايات المتحدة.
باختصار، أستبعد نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران. كما قلت في مقالات سابقة، فإن طهران لها مصالح مع واشنطن، والعكس صحيح أيضًا. ولكن، لا يوجد في المخيلة الأميركية شيء اسمه القضاء على إيران والتخلص منها. فالتهديد الإيراني للمنطقة ودول الجوار تدعمه الولايات المتحدة، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها السياسية والعسكرية.
في النهاية، إيران سوف ترضخ لمطالب ترامب، وسوف تقلل من دعمها لأذرعها في لبنان والعراق وفلسطين، وإن أبقت على شعرة معاوية ممدودة معهم. بهذا يكون الرئيس الأميركي قد صاد أكثر من عصفور بحجر واحد؛ تبديد حلم إيران النووية، وفصل الساحات، والدخول في علاقات تجارية مع طهران.
ترامب يريد أن يوسّع أسواقه التجارية ويعزز اقتصاد بلاده، وأن يضع حدًا للحروب في المعمورة. والأهم من ذلك أن يبعد طهران عن الصين وروسيا. في حال تم ذلك له، يكون ترامب قد سجل نجاحًا يُحسب له، ولم يُحسب لسلفه.
عن "العرب اللندنية"