> "الأيام" العرب اللندنية:

​اكتست الذكرى السنوية التاسعة لاستعادة مناطق محافظة حضرموت من تنظيم القاعدة والتي صادفت الرابع والعشرين من شهر أبريل (اليوم) أهمية استثنائية هذا العام بسبب ما شهدته المحافظة عالية القيمة الإستراتيجية لجهة الموقع والمساحة والثروة الطبيعية من تقلبات سياسية وأحداث عاصفة جعلتها مهدّدة في استقرارها ووحدتها الداخلية بعد أن مثّلت منذ هزيمة التنظيم سنة 2016 حالة استثنائية في الاستقرار والازدهار الاقتصادي النسبي.

وتميزّت الأيام القليلة الماضية بتحرّك العديد من الشخصيات الحضرمية ذات الوجاهة السياسية والاجتماعية، وأيضا ذات الخبرة السابقة بالعمل السياسي والإداري والأمني في المحافظة لوقف مسار التصعيد والتوتّر السياسي وإيجاد أرضية للتفاهم بين جميع الأطراف المتصارعة على الزعامة والنفوذ وإنهاء الخلافات بينها بالحوار.

وسجلت شخصيات مثل حيدر أبوبكر العطاس رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية سابقا، واللواء الركن فرج سالمين البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي واللواء أحمد سعيد بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (كلاهما سبق له أن شغل منصب محافظ حضرموت) حضورها في المشهد الحضرمي مستخدمة شعبيتها في المحافظة ورصيدها في خدمتها، وذلك في محاولتها تهدئة الأجواء وجرّ الأفرقاء إلى مساحة مشتركة من الحوار والتفاهم.

وتصاعد التوتّر خلال الأشهر الماضية على نحو غير مسبوق مع ظهور قوّة جديدة صاعدة متمثّلة في حلف قبائل حضرموت برئاسة عمرو بن حبريش ومحاولتها تسيّد المشهد والتحدّث باسم الحضارم ومطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولا  إلى الشروع في وضع اليد على الثروات الطبيعية والتحكّم فيها والدعوة إلى حكم ذاتي في المحافظة وإنشاء قوة عسكرية موازية تحت مسمّى قوات حماية حضرموت، وهو ما رفضته جهات أخرى في مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرى في حضرموت جزءا لا يتجزّأ من دولة الجنوب المستقلة التي يتبنّى مشروع تأسيسها.

ودار سجال حادّ بين المجلس والحلف إثر زيارة قام بها رئيس الانتقالي قبل أسابيع إلى حضرموت ووجه خلالها انتقادات للحلف القبلي محمّلا إياه مسؤولية تصعيد التوتّرات في المحافظة.

ولم يمنع وجود البحسني وبن بريك في مواقع قيادية بالمجلس الانتقالي الجنوبي من اعتماد خطاب للتهدئة للابتعاد عن التصعيد والتراشق السياسي بما يضمن تهدئة الأوضاع وتخفيف حدّة التوتر حرصا على تجنيب حضرموت أيّ تداعيات سلبية قد تمس نسيجها المجتمعي ووحدة صفها الداخلي.

وأكد البحسني في منشور عبر منصة إكس على أهمية إيقاف كافة الحملات الإعلامية ذات الطابع السياسي بين الأطراف المختلفة لإتاحة الفرصة أمام التقارب والجهود الساعية إلى وضع معالجات واقعية جادّة ومنظمة والتوصل إلى ترتيبات شاملة وسريعة تعالج الإشكاليات القائمة على مختلف الأصعدة.

ووصف هذه الخطوة في منشوره بالمهمة “وتُعدّ منطلقا حقيقيا نحو إنهاء حالة الاحتقان وإعادة توجيه الجهود لما فيه مصلحة حضرموت وأبنائها ووطننا، وبما يسهم في تأسيس مرحلة جديدة تقوم على الاستقرار والبناء والشراكة الفاعلة.”

من جهته حمّل بن بريك خطابه السياسي والإعلامي في ذكرى استعادة مناطق حضرموت من تنظيم القاعدة قبل تسع سنوات بمضامين تصالحية، حيث أثنى على دور القبائل في هزيمة التنظيم مشيرا إلى مساهمة بن حبريش شخصيا في المواجهة ضدّ التنظيم المتشدّد.

وفي تحرّك ميداني صوب التهدئة عقد بن بريك لقاء في المكلا مع عدد من شيوخ قبائل يافع حضرموت الساحل بحضور عدد من قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي حيث أعلن عن بدئه جهودا من أجل توحيد كلمة أبناء المحافظة، مؤكّدا وقوفه “على مسافة واحدة من جميع الحضارم بكل اتجاهاتهم من أجل لملمة الصف الحضرمي للوصول إلى قواسم مشتركة”.

وفي نفس الاتجاه سار خطاب العطاس بمناسبة ذكرى هزيمة القاعدة في حضرموت قائلا في بيان إنّ “هذه الذكرى تُجسد بوضوح قوة إرادة أبناء حضرموت وقدرتهم على الدفاع عن أرضهم وحمايتها.”

كما دعا في بيانه الجميع “إلى تغليب صوت العقل وتجاوز الخلافات والتباينات والتركيز على الأهداف العليا وفي مقدمتها تجنيب حضرموت الفوضى والانقسامات وتعزيز الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات الأساسية لكافة المواطنين، لتبقى حضرموت نموذجا يُحتذى به بين سائر المحافظات كما كانت دائما.”

ووصف المرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد لاسيما محافظة حضرموت بأنّها “تتسم بقدر عال من الحساسية، ما يفرض على جميع الأطراف والمكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية والقبلية تحمّل مسؤولياتها وتكثيف جهودها والانخراط في حوار جادّ يفضي إلى بلورة رؤى مشتركة تقوم على قبول الآخر.”

وشدد على أنّ “الهدف الأسمى يتمثل في الحفاظ على أمن حضرموت واستقرارها ونمائها وإبقائها بمنأى عن الصراعات”، مشيرا إلى أن “حكمة أبنائها وصدق المخلصين من القوى الفاعلة قادران على تشكيل جدار صدّ متين يصون مكتسبات المحافظة ويعزز استقرارها وتنميتها وأمنها.”

ويقول متابعون لشؤون حضرموت إنّ نقاط قوة المحافظة من حيث موقعها الجغرافي واتساع مساحتها وثرائها بالثروات الطبيعية باتت بحدّ ذاتها تشكل نقاط ضعفها إذ جعلتها مدار صراع نفوذ شرس.

ويذهب البعض حدّ التحذير من تدويل قضية المحافظة معتمدين على التحذير الذي صدر مؤخّرا عن سفارة الولايات المتحدة في اليمن التي شدّدت في منشور على منصة إكس على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في حضرموت، داعية كافة المكونات السياسية والاجتماعية إلى حل الخلافات الراهنة عبر الحوار السلمي، بعيدا عن التصعيد والتجاذبات.

وقال السياسي هاني علي سالم البيض إن استمرار نهج  التصعيد في حضرموت يسهم في تعميق الانقسام السياسي والاجتماعي في المحافظة محذرا من أن “تجاهل هذه التداعيات قد يفتح الباب أمام أقلمة وتدويل القضية الحضرمية بما لا يخدم مصالح أيّ طرف من الأطراف الفاعلة في المشهد.”