​شهدت مدينة عدن مؤخرًا انتشار عقود تجارية صادرة عن مؤسسة خاصة تُدعى "مؤسسة الكهالي للتجارة والمقاولات والتوكيلات التجارية"، تنص على تقديم خدمة تأجير كهرباء تجارية للمواطنين مقابل مبالغ مالية وفق شروط محددة. هذه العقود أثارت موجة من التساؤلات والقلق القانوني والحقوقي، كونها تلامس صميم مرفق عام سيادي يرتبط بحياة الناس اليومية وحقهم في الخدمات الأساسية.

وبالنظر إلى العقود المتداولة، يتضح أن الجهة الموقعة (المؤسسة الخاصة) تتصرف كما لو كانت جهة مانحة لخدمة عامة، بما يشمل توقيع اتفاقيات ملزمة مع المشتركين، فرض غرامات مالية، إيقاف الخدمة، وحتى تهديد بفسخ العقد، دون أي إشارة إلى ترخيص رسمي أو سند قانوني أو تفويض معلن من قبل وزارة الكهرباء أو المؤسسة العامة للكهرباء أو حتى السلطة المحلية.

ومن هنا، فإن تحليل هذه الحالة قانونيًا يستدعي التوقف عند جملة من القواعد والمبادئ القانونية والإجرائية، أهمها:

أولاً: الطاقة الكهربائية مرفق عام سيادي 
بحسب القواعد المستقرة في القانون الإداري اليمني، فإن المرافق العامة – كالكهرباء والمياه – تُعد منشآت سيادية لا يجوز التصرف بها إلا بقانون أو تفويض صريح. وتنظيم هذه الخدمات يخضع لسلطة الدولة ومؤسساتها الرسمية، تحديدًا وزارة الكهرباء والماء والمؤسسة العامة للكهرباء.

وتفتقر العقود المعروضة إلى أي إشارة قانونية واضحة إلى مصدر التفويض أو أساس التعاقد مع الجهة الحكومية المخولة. وهذا يُعد انتهاكًا صارخًا لمبدأ الشرعية الإدارية الذي يقتضي ألا تمارس أي جهة خاصة أو عامة سلطة إلا بناءً على نص قانوني.

ثانيًا: غياب سند قانوني وتجاوز لقانون المناقصات
ينظم قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم (23) لسنة 2007 أي تعاقد حكومي يتعلق بالخدمات أو المشاريع العامة، ويشترط أن يتم عبر مزايدات شفافة وإعلانات رسمية ومنافسة قانونية، تضمن تكافؤ الفرص وتمنع الاحتكار.

وفي حال تم التعاقد بين المؤسسة العامة للكهرباء وهذه الجهة الخاصة، فأين إعلان المناقصة؟ أين دفتر الشروط؟ من هم المتنافسون؟ وما المعايير التي تم بموجبها اختيار هذه الجهة دون غيرها؟ كل ذلك لم يُعلن، مما يشير إما إلى غياب تام للترخيص، أو وجوده بطريقة غير قانونية أو مشبوهة.

ثالثًا: قانون السلطة المحلية والتعدي على الاختصاص.
ينص قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000 على أن تنظيم الخدمات العامة داخل النطاق المحلي (كالكهرباء والمياه والنظافة) يخضع لموافقة ومتابعة السلطات المحلية. ولا يظهر من الوثائق أو العقود المتداولة وجود أي موافقة رسمية صادرة من المجلس المحلي لمديرية المعلا أو محافظة عدن.

وهذا يضع المؤسسة الخاصة في مواجهة مباشرة مع القانون، باعتبارها تعدّت على صلاحيات تنظيمية ومالية واختصاصات محلية دون تفويض.

رابعًا: بيع خدمة عامة دون قانون يعاقب عليه قانون الجرائم والعقوبات
نصت المادة (153) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني على أن:
> "كل من انتحل صفة أو مارس عملاً من أعمال الوظيفة العامة بدون وجه حق، يعاقب بالحبس أو الغرامة أو بالعقوبتين معًا."

ويفهم من هذه المادة أن بيع خدمة عامة أو التصرف فيها دون تفويض رسمي يُعد جريمة جزائية، تستوجب المساءلة والمحاسبة الجنائية، لا سيما إذا اقترنت بممارسة سلطة أو فرض التزامات على المواطنين دون سند.

خامسًا: العقود المبرمة مع المواطنين باطلة قانونًا
وفقاً لمبادئ القانون المدني، فإن العقود التي تفتقر إلى مشروعية المحل أو السبب تعتبر باطلة بطلانًا مطلقًا. وفي هذه الحالة، فإن تعاقد المواطن مع جهة خاصة لتأجير الكهرباء – دون وجود رخصة – يجعل العقد غير مشروع من حيث الموضوع، ما يعني قابلية الطعن بالبطلان وحق المواطن في استرداد ما دُفع من مبالغ.

سادسًا: غياب الشفافية والرقابة الحكومية
هذا النشاط التجاري يجري علنًا داخل العاصمة عدن، ومع ذلك لم تصدر وزارة الكهرباء أي توضيح أو نفي أو بيان رسمي يشرح موقفها القانوني من هذه المؤسسة.
فهل تم الترخيص فعلًا؟ وإن لم يتم، فلماذا لم تُتخذ إجراءات فورية لإيقاف هذا النشاط؟ هذا يضعنا أمام شبهة تواطؤ إداري أو فساد تنظيمي يستوجب التحقيق من قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أو الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.

خاتمة ومطالب قانونية:
في ظل ما سبق، نؤكد أن استمرار هذا النوع من التعاقدات التجارية دون غطاء قانوني يمثل خطرًا مزدوجًا:
1. تعديًا على المرفق العام وتقويضًا للسيادة الإدارية.
2. استغلالًا لحاجة المواطنين ومعاناتهم لخدمة ضرورية.

وعليه نطالب الجهات التالية بتحمل مسؤولياتها:
وزارة الكهرباء: إصدار بيان رسمي يوضح علاقتها بهذه المؤسسة، وموقفها من هذه العقود.
السلطة المحلية بعدن: التأكيد على دورها الرقابي في حماية الخدمات العامة.
النيابة العامة: فتح تحقيق عاجل في قانونية النشاط الجاري.
الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة: مراجعة مدى التزام المؤسسة العامة للكهرباء بالقوانين والأنظمة.
الكهرباء ليست سلعة خاصة، بل حق للمواطن تكفله الدولة، ولا يجوز تحويله إلى نشاط تجاري بلا ضوابط.