> "الأيام" العين الأخبارية:

تتجه أنظار العالم نحو منطقة الخليج العربي مع قرب وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول جولة خارجية له، تشمل السعودية وقطر والإمارات.

ويُنظر إلى الزيارة على نطاق واسع باعتبارها نقطة تحوّل في مسار العلاقات الخليجية - الأمريكية، وتعبيرًا صريحًا عن إدراك واشنطن المتجدد لأهمية الخليج كلاعب محوري في صياغة التوازنات الإقليمية والدولية.

وتأتي الزيارة في توقيت بالغ الحساسية، حيث يشهد النظام الدولي حالة من إعادة التشكّل مع تراجع الهيمنة الأُحادية وصعود قوى إقليمية، بينما تتفاقم الأزمات في غزة واليمن وسوريا، وتُعيد أمريكا تموضعها في الشرق الأوسط بعد سنوات من الانكفاء النسبي.

وفي هذا السياق، اعتبر عدد من كبار المحللين السياسيين في الخليج، في أحاديث لـ"العين الإخبارية"، أن الزيارة لا تعكس فقط رغبة أمريكية في تعزيز الشراكة، بل تُكرّس دور دول الخليج كقوة اقتصادية واستراتيجية صاعدة في النظام العالمي، وتفتح الباب أمام إعادة رسم علاقات التحالف وفق منطق المصالح المتبادلة، وتوسيع دائرة التعاون في مجالات الطاقة والتقنية والأمن، في لحظة فارقة تُمثل اختبارًا جديدًا للسياسة الأمريكية، ولقوة الحضور الخليجي على المسرح الدولي.
  • الخليج شريك موثوق
وقال الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي عبدالعزيز سلطان المعمري في حديث لـ"العين الإخبارية" إن زيارة الرئيس الأمريكي تحمل دلالات استراتيجية عميقة تتجاوز البُعد البروتوكولي التقليدي، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تُمثل اعترافًا أمريكيًا متجددًا بثقل الخليج العربي في المعادلات الإقليمية والدولية.

وأضاف المعمري أن اختيار ترامب لمنطقة الخليج العربي كوجهته الخارجية الأولى يعكس بوضوح موقع الصدارة الذي باتت تحتله دول الخليج في أجندة الإدارة الأمريكية، سواء من ناحية المصالح الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية، موضحًا أن "الزيارة تؤكد على حرص واشنطن على ترسيخ شراكات استراتيجية طويلة الأمد، وإعادة تموضعها في الشرق الأوسط بعد فترة من التراجع النسبي في عهد الإدارات السابقة".

وأشار المعمري إلى أن توقيت الزيارة يكتسب أهمية خاصة، إذ تأتي في ظل حالة من السيولة الجيوسياسية التي يشهدها العالم، حيث تبرز مؤشرات على تراجع النظام أُحادي القطبية وصعود تكتلات دولية جديدة، إلى جانب التوترات المستمرة مع إيران، والمناوشات العسكرية بين الهند وباكستان، وكذلك التحولات في ملفات اليمن وسوريا.

واعتبر أن "ترامب يُدرك أن الاستقرار الإقليمي في الخليج العربي يُشكل حجر الزاوية في أمن النظام العالمي برمته"، متابعًا: "الإدارة الأمريكية تنظر إلى الخليج العربي ليس فقط كمصدر وممر استراتيجي للطاقة، بل كفاعل سياسي واقتصادي يمتلك من المقومات ما يجعله شريكًا في صياغة النظام الإقليمي والدولي. وهذا يُعد تحوّلًا نوعيًا في الرؤية الأمريكية التي لم تعد تقتصر على نظرة نفطية ضيقة تجاه المنطقة".

كما أشار إلى أن خلفية ترامب الاقتصادية كرجل أعمال تلعب دورًا في توجيه بوصلة أولوياته السياسية، قائلًا: "ترامب يرى في دول الخليج شريكًا موثوقًا يمتلك قدرات مالية واستثمارية هائلة، ليس فقط في مجال الطاقة التقليدية، بل أيضًا في ميادين التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والابتكار، ما يجعلها جزءًا أساسيًا من ملامح الاقتصاد العالمي الجديد".

وأكد أن "زيارة ترامب تحمل رسائل أمريكية واضحة، مفادها أن دول الخليج لم تعد مجرد أطراف إقليمية، بل هي أقطاب فاعلة في النظام الدولي الجديد، وأن استقرارها جزء لا يتجزأ من استقرار العالم بأسره".
  • زيارة تاريخية
من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي السعودي مبارك العاتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية والإمارات وقطر بأنها زيارة تاريخية، تأتي في ظرف سياسي بالغ الحساسية على المستويين الإقليمي والدولي، مؤكدًا أنها تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في ظل إدارة ترامب ذات الطابع الحازم.

وقال العاتي في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن "المنظومة الخليجية تنظر إلى هذه الزيارة بوصفها محطة مهمة في مسار الشراكة الخليجية–الأمريكية، وهي تأكيد على تصاعد وتيرة التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين الطرفين، بما يعزز حماية المصالح الاستراتيجية للجانبين ويُرسّخ أسس الاستقرار في المنطقة".

وأضاف أن "الزيارة تأتي وسط تطورات إقليمية ودولية متسارعة، من بينها تقارب خليجي–إيراني يُبشّر بمرحلة تهدئة وإدارة عقلانية للخلافات، فضلًا عن تطورات إيجابية في الملف السوري بعودة دمشق إلى محيطها العربي، وتحسّن الوضع اللبناني مع تراجع نفوذ المليشيات، وكلها تحولات ساهمت فيها دول الخليج بدور فاعل وبتنسيق مع الإدارة الأمريكية".

وشدد العاتي على أن "الرئيس ترامب يصل إلى المنطقة وقد جرى التوصل إلى تفاهم مع الحوثيين بعد ضربات أمريكية مكثفة، ما يُعد أحد مخرجات التنسيق العسكري والسياسي المشترك بين واشنطن والمنظومة الخليجية".

كما لفت إلى أن الزيارة تتزامن مع استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، وهو ما يجعل من الملف الفلسطيني محورًا رئيسيًا في القمة المرتقبة.

وتابع: "دول الخليج تنتظر من هذه الزيارة تعزيز التعاون في ملفات البنية التحتية، والتقنية، وتوطين التكنولوجيا، وتطوير البرامج النووية السلمية، إلى جانب ضخ استثمارات متبادلة في قطاعات حيوية كالصناعات الأمريكية الكبرى والتقنيات المتقدمة".

واعتبر العاتي أن القمة الخليجية –الأمريكية المرتقبة، والتي ستجمع قادة مجلس التعاون بالرئيس ترامب، "ستمثل محطة مفصلية في إعادة رسم ملامح العلاقات المستقبلية بين الجانبين، وستعيد التأكيد على مكانة الخليج كلاعب محوري في منظومة الأمن والسلم الدوليين، وفي إطار العمل العربي المشترك".

وأوضح أن "الزيارة تمثل لحظة فارقة ليس فقط في تعزيز الشراكة الخليجية –الأمريكية، بل في رسم ملامح مرحلة جديدة من التوازن الإقليمي، تقودها المنظومة الخليجية بثقة ومسؤولية نحو مستقبل أكثر استقرارًا وشراكةً واحترامًا".
  • العلاقة مع الإمارات
بدوره، قال الدكتور عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات سابقًا، إن العلاقات الإماراتية–الأمريكية تُعد من أكثر العلاقات الثنائية رسوخًا واستمرارية في المنطقة، وقد أثبتت متانتها عبر عقود طويلة من الشراكة الاستراتيجية والتفاهم المتبادل، رغم ما مرّ به العالم من أزمات وتحديات.

وأضاف عبدالله في تصريح لـ"العين الإخبارية": "تأسست هذه العلاقة على دعائم صلبة من المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة، وتجاوزت عبر أكثر من نصف قرن العديد من المحطات الصعبة، لكنها في كل مرة خرجت أكثر صلابة وثقة".

وأشار إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة إلى دولة الإمارات ستكون "مختلفة تمامًا" عن زيارته السابقة عام 2017، مؤكدًا أن "الإمارات اليوم ليست كما كانت قبل عقد من الزمن؛ فهي قوة تجارية تتجاوز تجارتها الخارجية التريليون دولار، وقوة مالية ضخمة، إلى جانب موقعها المحوري كعملاق لوجستي عالمي بفضل موانئها ومطاراتها الرائدة، ومدنها المصنفة بين الأجمل والأكثر أمنًا وجاذبية عالميًا".

وفي الوقت الذي شدد فيه عبدالله على "حرص الإمارات على علاقتها الاستراتيجية المتميزة مع الولايات المتحدة"، أكد أن الدولة باتت اليوم تنتهج سياسة خارجية أكثر تنوعًا ومرونة وانفتاحا على شراكات عالمية متعددة.

وقال: "الإمارات بالقرن الحادي والعشرين، وإن كانت دولة عربية وشرق أوسطية، فإنها تتجه أيضًا شرقًا بقوة، نحو الصين والهند واليابان، ضمن رؤية استراتيجية تمتد لخمسين عامًا مقبلة. لكن هذا لا يعني إدارة الظهر للغرب، بل هو دعوة صريحة لشركائنا الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لمضاعفة الجهد في تعزيز الصداقة والشراكة".

وتابع: "حسابات الإمارات لعام 2025 تغيرت كليًا. نحن اليوم في المرتبة العاشرة عالميًا في مؤشر القوة الناعمة، والأولى في الاستقرار الاقتصادي، والحادية والعشرين في السعادة، والسابعة عشرة في التنمية البشرية. الإمارات تتقدم بثقة، وتتجاوز التوقعات، وتسجل كل يوم سبقًا عالميًا جديدًا".
  • تبادل المصالح
وفي ذات السياق، أكد المحلل السياسي الإماراتي جاسم خلفان أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج تعكس فهماً عمليًا للعلاقات الدولية يقوم على تبادل المصالح لا تقديم التنازلات.

وقال خلفان إن "استخدام ترامب لمصطلح "الخليج العربي" بدلًا من "الخليج الفارسي" تحول لفظي أغضب طهران، لكنه يعكس اعترافًا أمريكيًا برؤية شعوب المنطقة لهويتها الجغرافية والتاريخية".