> عدن «الأيام» خاص:

شهدت محكمة الأموال العامة الابتدائية بعدن، أمس، جلسة قضائية ساخنة، كشفت جانبًا من كواليس استيراد أدوية في حاويات مخالفة وغير مبردة عبر ميناء الجمارك في المنطقة الحرة بعدن، وهي القضية التي شغلت الرأي العام خلال السنوات الأخيرة.

أدلى العقيد عبدالسلام العمري مدير أمن المنطقة الحرة السابق بشهادته أمام القاضي سامي باعباد، مؤكدًا أن ما دفعه لرفض تمرير تلك الحاويات هو حرصه على حياة المواطنين، حتى وإن كلّفه ذلك منصبه.

وقال العمري الذي عمل في المنصب منذ عام 2015 حتى 2024، إن عملية إدخال الأدوية في حاويات غير مبردة كانت ممارسة متكررة، رغم إدراك الجهات المختصة لمخاطرها، مشيرًا إلى أن المشكلة برزت بشكل واضح منذ العام 2019 عقب زيارة خبير ألماني أبدى صدمته من ظروف النقل والتخزين.

وأوضح أن رغم أن مسؤولية ضبط جودة الأدوية تقع على الهيئة العليا للأدوية، إلا أنه وجه تحذيرات رسمية لوزير الصحة ورئيس الهيئة بعد تنامي المخاوف من خطورة هذه الممارسات، وكشف أن الهيئة بررت في البداية السماح باستخدام الحاويات الحديدية، لكنها أصدرت لاحقًا غرامات على نفس الفعل، ما اعتبره اعترافًا ضمنيًا بخطورة ما يحدث.
  • خزن في ظروف خطرة
وأشار العمري إلى أن النيابة العامة نزلت إلى الميناء وفتحت عددًا من الحاويات، ليتبين أن درجة الحرارة داخلها بلغت ما بين 60 إلى 70 درجة مئوية، وهو ما تسبب بتغير ألوان بعض الأدوية، ما يعني احتمال فسادها وفقدان فعاليتها، وقد وثقت القاضية سمية القباطي الوضع بشكل رسمي، ما دفع الهيئة إلى إصدار تعميم يُلزم باستخدام الحاويات المبردة.

وأكد العمري أن موقفه جاء بدافع وطني ومهني، وقال: "لم أكن أملك سلطة على الهيئة، لكنني تصديت لما رأيته ضررًا مباشرًا على الناس. دفعت ثمن هذا الموقف بإقالتي، ولا أندم على ذلك، بل أراه بصمة في مسيرتي".
  • غرامات تتكرر والهيئة "صامتة"
وكشف العمري أن بعض التجار استمروا في استيراد الأدوية عبر حاويات مخالفة رغم الغرامات المتكررة، لافتًا إلى أن كلفة الغرامة المالية أقل من تكلفة استئجار حاوية مبردة، وهو ما شجع على استمرار المخالفة. واعتبر أن ضعف إلزام الهيئة للمستوردين سمح بوجود ثغرات يستغلها البعض على حساب صحة المواطنين.

وفي رده على أسئلة المحكمة، أكد العمري أن استخدام الحاويات المبردة كان قائمًا خلال فترة عمله، لكن التطبيق كان مرهونًا بضمير التاجر، ما جعل الالتزام متفاوتًا، وأشار إلى أن التعميم الصادر لاحقًا من الهيئة ألزم الجميع باستخدام الحاويات المبردة لجميع أنواع الأدوية.

سألت النيابة العمري عن دورها في النزول الميداني، فأكد أن النيابة قامت بفتح الحاويات ووثّقت درجات الحرارة المرتفعة، مشيرًا إلى أن الوضع كان يدعو للقلق، وفيما يتعلق بالغرامات، أوضح أنه لا يعرف عددها بدقة، لكن تم إصدارها بالفعل من قبل الهيئة.

أما ممثل الهيئة د. عبدالقادر الباكري، فقد سأل العمري إن كانت بعض الأدوية المفحوصة قد ثبتت صلاحيتها، فأجاب بالإيجاب، مؤكدًا في الوقت نفسه أن أدوية أخرى تم إتلافها بسبب التلف الحراري، وردًا على سؤال محامي الهيئة حول ما إذا كان أوقف الحاويات من تلقاء نفسه، نفى ذلك تمامًا، مشددًا على أن الإيقاف تم بأوامر من النيابة.
  • مختبر "غير محايد"
اختُتمت الجلسة باعتراض النيابة على الجهة التي تولت فحص الأدوية، معتبرة أن مختبر الهيئة -وهي طرف متهم في القضية- لا يُعد مرجعًا حياديًا لتقييم صلاحية تلك الأدوية، ما يفتح الباب أمام المطالبة بفحوص محايدة من جهات خارجية.
  • خلفية الملف
والعام الماضي تم رصد كميات كبيرة من الأدوية المستوردة تُخزّن داخل حاويات حديدية في ميناء عدن، دون تبريد، وهي ظروف تُعد مخالفة للمعايير الدولية لتخزين ونقل الأدوية. ووفقًا لمختصين، فإن ارتفاع الحرارة يؤثر بشكل مباشر على جودة وفعالية الأدوية، خصوصًا الحساسة منها مثل الأنسولين والمضادات الحيوية، ما يعرّض حياة المرضى لمخاطر جسيمة.

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تشدد على ضرورة حفظ الأدوية في درجات حرارة محددة تتراوح عادة بين 2 إلى 8 درجات مئوية لبعض الأنواع، وتوصي باستخدام وسائل نقل مبردة ومعتمدة لضمان عدم تأثرها بالعوامل الجوية، خاصة في المناطق الحارة.

من المتوقع أن تستمر المحكمة في استدعاء شخصيات وقيادات لها صلة بالملف، وسط مطالب متزايدة من منظمات مجتمع مدني بمحاسبة كل من تسبب في إدخال أدوية فاسدة إلى العاصمة عدن، ومراجعة آليات الفحص والتخزين والنقل، ويطالب مختصون بإعادة تقييم دور الهيئة العامة للأدوية وتفعيل الرقابة المستقلة على سلسلة الإمداد الدوائي في اليمن.